الشاعر الانسان جاسم الصحيح في منتدى الثلاثاء

11٬762

بحضور حاشد زاحم زخات المطر تقاطر محبو الشاعر الكبير الأستاذ جاسم الصحيح بقاعة منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف في لقاء شعري متميز تخلله أسئلة بوح بين الشاعر الصحيح وعشاق شعره، وذلك مساء الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1438هـ الموافق 14 فبراير 2017 ، كما صاحب الأمسية فعالية معرض للفنان التشكيلي ميرزا حسين الصالح أحد فناني الرعيل الأول الحائز على العديد من الجوائز التقديرية والأوسمة، والذي مثل المملكة في العديد من المعارض الخارجية، والذي تحدث عن تجربته الأخيرة في العمل التشكيلي والقائمة على قيمة اللون بكل مكوناتها التي توجد علاقة متناسقة بين الألوان بمعالجة تعتمد على التدرج اللوني الموزع على مساحات اللوحة المسمى ” بالهارموني اللوني” بمشاركة العنصر الواقعي الكلاسيكي.

وقد أدار الأمسية الشاعر الأستاذ فريد النمر مفتتحاً الأمسية بنص أدبي رائع أشاد فيه بجمال الشاعرية الفذة لفارس الأمسية واصفاً إياه بشاعر الحب والإنسان، قائلاً بأنه سرعان ما تحولت طفولته المتنقلة بين الأزقة والحقول إلى تنهيدة بحجم البحر اندلعت من مواويل نهام في موسم الغوص القديم، ليكون العشق فاكهته الأولى وجوهره الشوق لينصاع لجهنمياته الصغيرة ليغنيها بمزاج في هيئة مجاز.

انطلق الشاعر الصحيح جولته الأولى بمقطوته الحديثة تحت عنوان: القصيدة.. نجمة الأرض الأخيرة:

ألفنا سماءً بالكهوف مشمعة فضقنا بما للأنبياء من السعة ألفنا سماءً ألبستنا لباسها

وأزياؤها الفضلى مسوح وأقنعة فيا نجمة الأرض الأخيرة في يدي أضيئي إلى أن يبلغ الضوء مصرعه

عييت بتأويل الحياة وسرها عيائي بتأويل العيون المبرقعة

يخاصمني وعيي فحيث وضعته من الكون عاص اعني وبدل موضعه

فإن لم يكن بد من (العلم) فليكن (سؤالاً) ولن أمشي مع (الخضر) إمعة

وإن لم يكن بد من (الخضر) ذاته فما الرشد أن أغتال ذاتي وأتبعه

إلى أن يقول:

توقف وخذني أيها الفارس الذي تفرد في فتخ القلاع الممنعة

أنا الشاعر المشاء من رأس (فكرة) على سكة المعنى إلى حضن مطبعة

أغني لكي أرفو بلحن ونغمة على قدر أيامي حياة مرقعة

ومن يتماهى بالهواء وسره فلا غرو أن تأتي له الريح طيعة

بعدها تلا الشاعر الكبير قصيدته الرائية الثانية تحت عنوان “مجرات هجرية” وهي أيضاً من قصائده الحديثة لهذا العام 2017 ومطلعها:

ثلاث مجرات تكوكبن بالسّحر وأشرقن من ضلع الطبيعة في هجر ثم يقول فيها:

فرجت المدى عني وحلقت صاعداً على درج يفضي إلى شرفة الدهر

أطل على ابن الجهم يستدرج المها فيأتين يقطعن العصور إلى عصري

رأيت دمي (جسراً) وروحي (رصافة) فأزهرن ما بين الرصافة والجسر

وأبصرنني صفر الوجود وحينما تبسمن لي فر الوجود من الصفر

وقد تميزت الأمسية بوقفات استنطق من خلالها الجمهور العاشق الشاعر الكبير جاسم الصحيح حول عدد من المسائل فكانت المداخلة الأولى للأستاذ محمد الحميدي متسائلاً عما إذا كانت بعض قصائده تعبر عن أراء سياسية، ومن جهة أخرى تساءل عن جمال وقت الفجر للشاعر، فأجاب الشاعر الصحيح بأن الشعر حالة من حالات قراءة الكون تتبلور للشاعر من خلال ثقافته العامة، وإذا ما كان من شعر حول ما يحصل في بيئة الشاعر فهو قراءة جمالية نابعة من ما أسماه “الوعي الشعري”، أما بالنسبة للفجر فهو مقطع زمني يوحي بأن الحياة تولد من جديد ولا داعي لليأس والقنوط، محمد نصر الله الفرج تساءل عن موقف الشاعر الصحيح من مسابقة أمير الشعراء وهل يعتقد أنه ظلم فيها كما يعتقد محبوه؟ مجيباً بإشادته لبرنامج أمير الشعراء كمنبر اعلامي يمنح أي شاعر الفرصة لتقديم منجزه الابداعي أمام الملايين مختصراً سنوات طويلة من الجهد الاعلامي، معبراً عن رضاه بما حصل من نتيجة في جائزة أمير الشعراء.

وفي جولته الشعرية الثانية انطلق الشاعر الكبير الصحيح بقصيدة “كل الغيم محجوز” جاء فيها:

قالت: ألا غيمة في الأفق نحجزها ونلتقي نحن والنجوى وفيروز

فقلت والحب في الأحساء يهمس لي من أفقها الرحب كل الغيم محجوز

عودي إلي تعد للأرض خضرتها هيهات ينمو بلا عش تارتموز

تصفو الحياة ولكن كيف نشربها؟ إذا تخاصم فيها الماء والكوز

ولي من هواك لواء أستظل به في تلة بأعالي الروح مركوز

عودي إلي فريح الشوق تعصف بي وموقفي موقف الأغصان مهزوز

والشعر يجتز مني ما نضجت به فها أنا من أنا كالزرع مجزوز

حماسة الحب مشتاقا لموعدنا حماسة الحرب هزتها الأراجيز

وفي قصيدة حديثة من الشعر الحر بعنوان ” مدن مأهولة بالهجاء” قال فيها:

مدن تنبت كالفطر على سطح الزمن مدن باطنها المنفىو

إن لاح على ظاهرها شكل الوطنلا جذور تحرس الأرضو

لا ذاكرة تؤمن بالذكرى ولا شوق على كنز الليالي يؤتمنثم

يقول: مدن تُعبَد في سلخاتها الأبراج حيث العالم الوغد يعيد الآن في الاسمنت إنتاج الوثنها

هنا تنفرط الكينونة الكبرى من المعنى..هنا يبصقنا الوقت على وجه التضاريس

فما نضفي إلى خارطة الأرض سوى بعض العفنثم يرسم صورة أعمق للأسى

حين يقول: مدن .. نابتة في الوهم على هيئة جناتيوزعن مواعيد نبيذ ولبن

مدن .. ينخرها دود الخرافات وتغزوها ثعابين الفتن

مدن .. أيامها موصدة الأبوابمن كل جهات الروح لا تدخلها غير المحن

والمدى يمتد بالشك فلا الأزرق مرتاح على صدر السماوات ولا الأخضر في الأرض اطمأن ..

وفي قصيدة تجاوزت ابياتها المئة بيت جاءت تحت عنوان” الشاعر.. المتشجر بالكائنات” جاء فيها:

كالوقت جاء وحين قدم نفسه للأرض فاضت خضرة ومياه

فرد من البشر المعطل، إنما ما انفك يعمل في يديه الله

ما الشعر إلاّ الفيض .زفيض ألوهة في فكرة.. فإذا الكلام إله

والحبر ليس سوى ممر آمن كي يهرب الانسان من بلواه

والكون لعبة شاعر متورط بالخلق منذ تألهت كفاه

لم يلتفت للأولين كأنه بــدء وثمة لا وراء وراه

ينتابه هوس بكل ولادة تفتض عن حلم الحياة غشاه

ينتابه هوس بكل طفولة تمتص من صدر الوجود أساه

في كل قافية تجدُّ بداية للخلق تجمع أمه وأباه

وفي مداخلات الجولة الثانية عبر الأستاذ الشاعر سمير المسلم عن إعجابه بشاعرية الصحيح مشبهاً إياه بنجم يتواجد على كوكب الأرض، الأستاذ علي البحراني تحدث عن تدوين بعض الشعراء لأحداث تاريخية أو قضايا دينية ملفتاً النظر لأهمية اعتماد الشاعر على مصادر معلوماتية صحيحة عند التدوين، الأستاذ أحمد الخميس تحدث عن أن الشعر هو الذي يكتب الشاعر وليس العكس، كما تساءل عما إذا كان الشاعر الصحيح يكتب للنخبة من اتكاءه على المجاز، حيث نفى الصحيح كتابته للنخبة قائلاً بأن الفن الشعري يقتضي استخدام الرموز والمجاز والعناصر الأخرى، مفنداً مقولة أن الشعر يكتب الشاعر لأنه فن وجهد يبذله الشاعر للارتقاء بشعره، الأستاذة عالية آل فريد تساءلت عن ملهمته الأولى وشعره حول المرأة، وهل خط الصحيح لنفسه مدرسة شعرية خاصة؟ مجيباً بأن المواقف والحدث أكثر إلهاماً للشاعر من الشخص الحبيب، وحول ادعاء مدرسة شعرية خاصة اعتبره غرور فاحش، وتساءلت منى نور الدين عن الشعر الساخر، مجيبا عليها بأن الشاعر يستطيع أن يكتب في أي مجال بناءً على رغبة أو محرك داخلي في نفسه، في الجولة الثالثة انطلق شاعرنا الكبير في حوارية مع امرئ القيس (الملك الظليل) تحت عنوان :”غريبان في المرايا” جاء في مطلعها:

عرفتك من صهيلك في خيالي فقف لنضيءَ مصباح الجدال

أنخ كل القصائد ثم هيء لنا يا صاح مائدة السجال

هناك سنستريح على عسيب من الرؤيا ونسرح في الأعالي

إلى أن يصل بالقول:

غريبان التبسنا في المرايا إلى حد انبعاثك من خلال

يخطاي صدى خطاك وأن تنادى الـ مدى بين ارتحالك وارتحال

يكلانا في سواد الوقت ألفى مجرة عمره ذات اختلال

كنانتك القديمة أورثتني من الأحلام مشروخ النبال

ثم يخاطب “الملك الظليل” واصفا التطابق بين عصرين من الشعر قائلاً:

كلانا محض كبريت وزيت فعانقني اشتعالا باشتعال

أعيذك من عناق في مداه تميل على حبيب منك سال

يلنا النزوات خضراء التمني لنا الخلوات حمراء الفعال

مَثـُلنا في الزمان وما امتثلنا وما أشقى المثول بلا امتثال؟

تفرقنا السنابل في الليالي وتجمعنا المناجل في الغلال

وتستبق العصور لنا إذا ما أشرنا يا قصائدنا: (تعالي)

في الجولة الثالثة من المداخلات عبر الشاعر السيد هاشم الشخص عن اعجابه بألق شاعرية الأستاذ الصحيح بألوانه المتعددة، الإعلامي الأستاذ ميرزا الخويلدي عبر عن احترامه وسعادته بوجود هذه القامة الشاعرية الكبيرة في هذه الأمسية مؤكداً على انطباق وصف الشاعر الإنسان على الأستاذ الصحيح بكل معانيه، الاستاذ الشاعر جاسم عساكر دعا إلى قراءة الشاعر الصحيح انسانياً قبل فراءته شعرياً وعبر بمجموعة أبيات شعرية مرهفة عن مكانة الشاعر الصحيح في قلوب عشاق شعره ومحبيه وعمق شاعريته.

بعد ذلك ألقى الأستاذ الصحيح مقطعاً من قصيدة “وجهك صدفة أم قدر” بناء على طلب أحد الحضور قال فيها:

من أفق وجهك فاض الوحي وانهمرا كأنما الله قد حيَّى بك البشرا

كأنما الله يغرينا لنسأله أصدفة كان هذا الوجه أم قدرا؟

أهواك ما عيناك أنبتتا ما بين رمشيهما، الواحات والجزرا

هل تذكرين (عليا) في تهجده كأن محرابه التنور مستعرا

أهواك مقدار ما صلى (أبو حسن) ورداً وأكثر مما أطعم الفقرا!

الآن عصر ظهور الحب في عمري من علاماته أن يشطر العمرا

ويلتقي حولك الشطران في نهر من العناق فقومي نصنع النهرا

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

التقرير على اليوتيوب:

المحاضرة الكاملة:

كلمة الفنان ميرزا الصالح:

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد