منتدى الثلاثاء يستعرض الحوار النقدي بين النخب السعودية

3٬890

في سعيه لتعزيز حالة الحوار في المجتمع، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي ندوة حوارية تحت عنوان “الحوار النقدي بين النخب السعودية” حاضر فيها الأستاذ حمد الحمدان وذلك في مساء الثلاثاء 28 ذو الحجة 1430هـ الموافق 15 ديسمبر 2009م، وأدارها الأستاذ محمد الغانم بحضور جمع من المثقفين والإعلاميين. وقدم مدير الندوة في بداية اللقاء نبذة عن موضوعها، مشيرا إلى أن الحوار المبنّي على الأسس العلمية الصحيحة الّتي تخلو من كل ألوان التعصب والتشنج الفكري، هو سفينة النجاة الّتي يركبها المثقّف من أجل الارتقاء بذاته وبمجتمعه إلى درجات الكمال، وأن الحراك الثقافي المعتمد على الدليل والمناقشة الهادئة هو الّذي يرتقي بالأمّة ويغيّر واقعها ويخرجها من حالة العزلة، موجها إلى وجوب الانطلاق للحديث حول تشكل النخب وتحديد هويتها ودورها. وعرف بالمحاضر الأستاذ حمد الحمدان بأنه درس في الجامعة اللبنانية، وهو كاتب في عدة صحف سعودية وعربية من بينها صحيفة اليوم والأيام البحرينية، وله عدّة بحوث ودراسات في الشأن الثقافي والسياسي.

بدأ الأستاذ الحمدان حديثه بتعريف مصطلح النخب وتحديد مفاهيمها، مشيرا إلى أن المصطلح لفظا يُطلق للدّلالة على مفهوم معيّن عن طريق الاصطلاح، وأضاف أن موضوع “النخب” حظي باهتمام الكثير من الفلاسفة والمفكرين منذ آلاف السنين، فأفلاطون سبق وأن تحدّث عن طبقة الحكماء، كما استُعملت كلمة النخبة في القرن السابع عشر لوصف سِلع ذات تفوق معين وامتدّ استعمالها فيما بعد ليشمل الاشارة إلى فئات اجتماعية متفوّقة كالوحدات العسكرية الخاصة أو الطبقات العليا من النبلاء قبل أن يتعمّق المفهوم في بداية القرن المُنصرم مع ظهور نظريات طرحها بعض الباحثين. وأوضح أنه رغم الإشكالات النظرية الّتي تحيط بمفهوم النخبة تبعا لتعدد المقاربات الفكرية المرتبطة بها فإنّ دراسة النّخبة في أي مجتمع تنطوي على أهميّة كُبرى لكونها تمكّن من فهم السلطة السياسيّة داخل الدولة.

وواصل في حديثه بالقول أن الكثير من الدّراسات تشير إلى أنّ نظريّة النّخبة جاءت كرد فعل على استحالة تطبيق الدّيمقراطية باعتبارها حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه، وكبديل لنظريّة الطبقة الاجتماعية التي جاءت بها الماركسيّة، وعلى هذا الأساس يمكن استخلاص أنّ النّخبة السياسيّة هي أقليّة داخل المجتمع تتوفر بها خصائص وقدرات ذاتيّة وإمكانيات أخرى موضوعيّة تُمكّنُها من قيادة المجتمع والتّأثير في مساره من خلال قدرتها على صنع القرارات السياسيّة.

وانتقل للحديث عن واقع النّخب السياسيّة العربيّة، مشيرا إلى أن الأوضاع السياسيّة داخل الأقطار العربية تعكسُ الحالة المتردّية التي تعيشها النّخب السياسية في مختلف هذه الأقطار نتيجة لعجزها عن قيادة أي تغيير أو إصلاح، ففي الوقت الذي استوعبت فيه العديد من النّخب السياسيّة في كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينيّة وآسيا دروس المرحلة وحجم التّحديات التي أصبحت تفرضها التحولات الدوليّة الرّاهنة وانخرطت بحزم وإرادة قويتيّن في بلورة تصورات استراتيجية واتّخاذ خطوات وإجراءات مهمّة على طريق التّنمية الشاملة والديمقراطيّة الحقيقية، ظلّت النّخب السياسيّة العربية بفعل

التهميش الذي تعانيه وبحكم الطوق المفروض على أيّ إصلاح أو تغيير حقيقيين غائبة أو مُغيّبة عن واقعها. واستعرض الحمدان تشكل النخب في السعودية بداية منذ تأسيس المملكة والصراع الذي حدث بين الملك عبد العزيز وبين قيادات الإخوان حينها، مشيرا إلى أنه بعد سقوط الحجاز لعبت النّخبة الحجازيّة دورا بارزا في بناء الدولة السعودية الحديثة في كلّ مرافقها نظرا لتوفر كوادر متعلّمة وذات خبرة أكثر من بقيّة المناطق الأخرى وبالذات وسط الجزيرة العربية. كما أوضح أنه بعد اكتشاف النفط واستثماره في الجزء الشرقي من البلاد تشكلت طبقات وفئات ونخب اجتماعية جديدة في عموم البلاد لها سِمات تتوافق مع قوة وعلاقات الانتاج الجديدتين.

وتناول في حديثه الدور الذي لعبته النخب السعودية في تحريك العديد من القضايا المطلبية طوال العقود الماضية، مشيرا إلى أن المملكة تشهد منذ عام 2001م عدة تحركات من قبل النخب على عدّة أصعدة رغم ما هنالك من ضغوطات وانتكاسات للعديد من الفعاليّات، حيث تمثل هذا الحراك العلني بتوقيع عدة معاريض وبيانات قُدمت للقيادة بالمطالبة بتحقيق الاصلاح على المستويات المهمة التي تُشكل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبين أن من أبرز معالم هذا الحراك وثيقة “الرؤية” الشهيرة وما أعقبها من فعاليّات، التي جمعت العديد من النخب على اختلافها الفكري والسياسي والتنوع الطائفي والجهوي. وأوضح أن مما أضعف هذه الفعاليات بروز توجهات فئوية في الحراك الاصلاحي ينحوا إلى فرض أجندته الخاصة قديمة أو حديثة وتعمل في إطار ضيق ومحدد سواء ما يهم الداخل أو المستوى العربي، وأن ما جرى على هذا المستوى أفضى إلى اختلافات وتباينات على جزئيّات منها، كما أنه يمكن أن تكون مسيرة الاصلاح أفضل حال لولا الميل لذى البعض لرفع سقف هذا الحراك، الأمر الذي فتح المجال للعناصر المعادية لهذا الحراك أو أيّ انفتاح نحو الإصلاح لتوجيه ضربة مؤلمة لقوى الاصلاح.

وأضاف في حديثه أن العمل تميز بالسير وفق ما هو ممكن بشفافية وعلى مرأى ومسمع من المسؤولين بالبلاد منطلقا من الثوابت الوطنية الأساسية ومن خلال التخلص من الموروث الانعزالي والعمل الذاتي بسماته الفردية أو الفئوية، وبطبيعة الحال فإن ذلك كان من شأنه تعزيز التقارب بين القيادة والقاعدة الشعبية لمصلحة الوطن والشعب، والتصدّي لكل المخاطر المحدقة بالوطن عبر تقوية الجبهة الداخلية، وتكثيف الحوار بين النخب على اختلاف مشاربها الفكرية والانتماء الاجتماعي، وهو ما كان متوافقا مع المسار الذي انتهجه لاحقا مركز الملك عبد العزيز الوطني للحوار الوطني. وأشار في نهاية حديثه إلى ضرورة تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني كي تكون حاضنة لمختلف المكونات ضمن نسيج وطني مشترك يهدف لمعالجة القضايا المؤجلة كحقوق الانسان، وقضايا المرأة، وتعزيز مفهوم المواطنة، ومكافحة الفساد، ومحاربة الفقر وتوزيع الدخل الوطني على المناطق بشكل عادل، مؤكدا على أنها كلّها مهام ينبغي النظر لها باهتمام من أجل تعزيز الوحدة الوطنيّة والحرص على النسيج المُجتمعي.

بدأت فقرة المداخلات بتعقيب لراعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب حيث أكد على أهمية دراسة تجارب النخب العاملة في الساحة، معلقا على تشكل النخب الموالية التي قد لا تعي مدى الحاجة للاستقلالية في العمل الأهلي وغلبتها في كثير من الأحيان في معظم دول المنطقة العربية، مشيرا إلى النخب الثقافية في مجتمعاتنا لم تتمكن من بلورة مشاريع عمل مُشتركة، بل بقيت أفكارها في جو فضفاض ولم تنعكس على أرض الواقع مستشهدا بتجربة الحوار بين السلفيين والشيعة.

وعلق الأستاذ زكي أبو السعود حول تعريف النخبة مشيرا إلى أن النخب الحقيقية هي التي تعمل على التفاعل مع جمهورها والتعبير عن تطلعاتها وطموحاتها، أما غيرها من الفئات التي لا هم لها إلا تحقيق مصالحها تحت عناوين مختلفة فتلك لا يمكن أن تشكل نخبة حقيقية.

وعقب الأستاذ زكي البحارنة بالقول أنّ الساحة الثقافيّة والسياسيّة لا يمكن وصفها بتوفر خطاب نقدي فيها، أو حوار نقدي بين نخبها، فقد يكون هناك أفراد يُمارسون الخطاب النقدي، ولكن كتيارات وكنُخب تعيش حوارا نقديا للوصول إلى نقاط مشتركة فهذا مفقود، مشيرا لوجود عاملين هما حالة التعصب التي تسود الساحة وعدم تبلور الحاجات المُشتركة بين النُخب المُختلفة على الساحة. وطرح الأستاذ عبد الباقي البصارة رأيه في مفهوم “النخبة” مؤكدا بأنه مفهوم شامل وواسع بغض النظر عن مواقفها من السلطة، متسائلا عن الأدوار الكبرى والمهمة التي تلعبها النخب في المجتمعات الأخرى مقارنة بما تقوم به النخب لدينا وكونها لا تلبي تطلعات مجتمعاتها.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

المحاضرة الكاملة:

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد