منتدى الثلاثاء يناقش الخلاف المذهبي واشكاليات الطائفية

4٬044

أقام منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف ضمن برنامجه للموسم الثقافي السادس عشر ندوة بعنوان “الخلاف المذهبي واشكاليات الطائفية”، وذلك بتاريخ 21 جمادى الأول 1437هـ، الموافق 1 مارس 2014م، استضاف فيها الكاتبان والباحثان في قضايا الدين والحداثة الأستاذ محمد الشافعي والأستاذ عبد الله الدحيلان، تناولا فيها الأبعاد المختلفة لهذا الموضوع واشكالاته بمشاركة نخبة من المثقفين الذين ساهموا في اثراء الحوار بمداخلاتهم.

وضمن برنامجه الأسبوعي لاستضافة فنانين في فعاليات مصاحبة للندوة، فقد شارك الفنان محمد يوسف السيهاتي في عرض مجموعة من أعماله الفنية وتحدث عن تجربته الفنية وبداياته في هذا المجال مستعرضا أهم المعارض المحلية والدولية التي شارك فيها، وبين أن أعماله الفنية التي عرضها في المنتدى تجسد الواقع المحلي بشتى أطيافه مؤكداً على ضرورة الاهتمام بهذه الفنون الجميلة ونشرها كثقافة مجتمعية تساهم في تحسين الذائقة الفنية.

أدار الندوة الأستاذ مجتبى عمير حيث قدمها بالتنويه لخطورة تداعيات الخلاف المذهبي، موضحا أن الوضع المأزوم في أكثر من منطقة عربية يستدعي العمل على توالي الحلول والمبادرات لمعالجة أزمة الاصطفاف الطائفي، وداعيا الحضور الى التفكير المعمق في أبعاد هذه المشكلة والعمل على تشخيصها من أجل تجاوزها. وعرف بضيفي الأمسية وهما الأستاذ عبد الله الدحيلان من مواليد الدمام وخريج كلية الآداب بجامعة الملك سعود وعمل بجريدة الحياة. أما الأستاذ محمد الشافعي المدون فهو من مواليد مدينة سيهات بالمنطقة الشرقية حاصل على ماجستير هندسة من جامعة تلسا بولاية اوكلاهوما يعمل مهندسًا بشركة أرامكو السعودية، وهو عضو في العديد من المنتديات الثقافية بالمنطقة وعضو مؤسس لمنتدى سيهات الثقافي، وله العديد من المقالات المنشورة حول قضايا الدين والحداثة.

في بداية حديثه، أوضح الأستاذ عبد الله الدحيلان على أن الطائفية ليست أن تؤمن بفكرة محددة أو الانتماء إلى جماعة دينية معينة، إنما هي في تسييس الانتماء المذهبي والتحول إلى عشيرة وعصبة تقوم على تحصيل مصالح تلك الطائفة، والصراع على النفوذ داخل كيان الدولة، فهي تولد جماعات تتنافس على تحقيق سيادتها وتغييب مصالح الجماعة الوطنية الموحدة. وأشار الدحيلان إلى أن الطائفية منهج سياسي لا اعتقاد ديني؛ نتيجة تشكيل رابطة سياسية تلزم أفرادها بتحصيل مصالح الطائفة أولا، ومن يحاول الخروج عن هذا الطوق يتم نبذه وتفسير تصرفه أنه ضد مصلحة الطائفة بالضرورة. كما تشكل الحالة الطائفية حصارا داخليا لأفرادها كأن يبقوا رعايا مطيعين لزعماء الطوائف الذين ينمون زعامتهم من خلال توجيه الخطاب المتشدد والمحرض على الكراهية ضد الآخر المقابل.

وواصل في حديثه أن الطائفية قد تتجاوز الحالة الدينية لتشمل الأفراد من ذوي المرجعيات العلمانية الذين يظلون حبيسي الخيار الطائفي وينظرون الى الصراع على أساس طائفي، مشددا على أن الطائفية ليست خطاب كراهية مذهبي وحسب – كما يروج البعض عند تشخيص الطائفية – ولكنها قد تكون ذات قالب سائل يتم تقديمه في خطاب تسامحي لا ينفك عن تفسير الصراع والأحداث بعين مصلحة الطائفة. وأكد أن الطائفية في حال نموها تمهد لاحتراب أهلي فعلي، ومثال هذا ما جرى في العراق ولبنان في أوقات متفاوتة، موضحا أن المشكلة الطائفية ليست دينية وان تلبست بذلك، بل هي مشكلة سياسية حديثة.

من جانب آخر أعتبر المحاضر أن بناء الدولة القطرية العربية الحديثة أساس رئيسي في بروز المشكلة الطائفية، نظرا لتغييب العلاقات السليمة بين المواطنين التي تقوم على العدالة والمساواة، وهو ما يدفع الهويات للبحث عن ذاتها المفقودة في حقها في التمثيل والعدل وتكافؤ الفرص، ما جعلنا أمام جماعات متصارعة على السيادة، وليس أمام دول حديثة تفترض وجود أمة لها هوية وطنية موحدة تشمل كافة المواطنين. وتساءل الدحيلان عن أسباب التراجع عما أسماه حركة الكفاح الثقافي التي كانت تقوم بها النخب الطليعية سابقا، من التعبئة ضد العدوان والاستعمار والهيمنة على مقدرات الأمة، حيث أثمرت هذه الدعوات إلى الوحدة والتكامل العربي، وحضور قضية فلسطين في المجال العام كقضية قومية مركزية مشتركة.

ونوه إلى أن تراجع المشاريع القومية والوطنية أدى إلى تعزز التوجهات الطائفية التي تعمقت منذ 1979م مع انتصار الثورة الإيرانية ثم احتلال العراق عام 2003م، موضحا أن النخبة العربية عجزت عن تحمل المسئولية في التصدي للسعار الطائفي، بل وساهمت بعض أطرافها لتكون بيدقا في تأجيج الصراع وتكريس تفسير الصراع تفسيرا مذهبيا، عبر تبني خطابا دوغمائيا شعبويا، يصعب عليه تحييد الساحات المحلية من نيران الصراع في المنطقة، وتقديم حلول التقسيم والمحاصصة الطائفية، بالتزامن مع فتح الأذرع للترحيب بالتدخلات الخارجية حتى ولو من العدو الصهيوني.

ولفت المحاضر إلى أن هذه النخب انحازت لجماعات إبادية ذات مشروع طائفي لتقسيم الوطن العربي، وقامت بالتبرير المستمر لفتاوى التكفير وخطاب الكراهية، ولاحقا ذرف دموع التماسيح عند وقوع تفجيرات طائفية، تماما كما حدث في الكويت والسعودية. وختم الدحيلان حديثه بأنه رغم الواقع العربي وما يعانيه من تصدعات وتحديات، إلا أنه يجب على النخب المعتدلة والواعية أن تفعل دور جيوب المقاومة الثقافية، لنشر الوعي والتحذير من المنزلق الطائفي بقدر المستطاع، وإعادة البوصلة لوجهتها الصحيحة من جديد، فرغم هذا السوء والعتمة لا يزال هناك بصيص أمل لا ينطفئ.

وبعد ذلك استهل الأستاذ محمد الشافعي ورقته بالحديث عن الدوافع التي تقودنا لتناول موضوع الطائفية والتعاطي معها من فترة لأخرى أنها تعود إلى ما قبل انفجار الهويات في المشرق العربي حيث كان الحديث عن الطائفية مرتبط بدوافع تنموية متعلقة بالمجتمعات المحلية كتعايش المواطنين داخل بلدانهم، وإتاحة الفرص المتساوية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولكن بعد حدوث الانفجار الكبير للهويات في المشرق العربي وخصوصا بعد الغزو الامريكي للعراق، أصبح الحديث عن الطائفية هو حديث لوقف الاقتتال والاحتراب، ووقف الارهاب وتدمير الدولة الوطنية الحديثة وانجازاتها. وبين أن جميع محاولات المعالجات للمشكلة الطائفية كانت موضعية تتناول الطائفة على أنها تنوع مجتمعي وهذا خلل في المصطلح، موضحا أنها ليست تنوعا دينيا أو عرقيا أو غيره، وإنما هي حالة من حالات تمترس داخلي يرفع من مكانتها لتكون القيمة العظمى في المجتمع. وأكد على أن الطائفية اليوم هي الخطر الحقيقي الذي يهدد الاستقرار والأمن المجتمعي بسبب بقاء وتضخم الروابط التقليدية داخل إطار الدولة الحديثة وسعي المؤمنين بتلك الروابط الحفاظ على تموقعهم داخل النظام الاجتماعي القائم على مرتكزات مختلفة بل ومتناقضة.

وأكد الشافعي على أن الدولة الوطنية الحديثة لا تقوم على أساس التفريق بين عقائد الناس بل تلتزم الحياد حيال ذلك، وتقوم أساسا على ثنائية الحقوق والواجبات. واستوضح المحاضر الحالة التي نعيشها الآن في المنطقة العربية مقارنا إياها بأوروبا في العصور الوسطى على أنها نعمة، فما حدث في أوروبا كان أكثر بكثير من الذي نعيشه الآن من حيث حجم الحروب التي وقعت فيها، لكن أوروبا تجاوزت هذه المرحلة بتأسيس الدولة الوطنية الحديثة. واشار إلى أن الدولة القطرية التي قامت في منطقتنا لم تتمكن من الحد من الروابط التقليدية أو توظيفها لتعزيز الكيانات الوطنية، بينما تطورت مفاهيم ومبادئ وقيم حديثة في أوروبا ساهمت بشكل كبير في تفكيك الروابط التقليدية القديمة القائمة على أساس العشيرة والطائفية وتم أبدالها بالصيغة الجديدة وهي الدولة الحديثة.

وشدد الأستاذ محمد الشافعي على ضرورة النظر في تجربة الدولة الحديثة عند الأوروبيين ومقارنتها بالتطور الذي حصل في منطقتنا لنكشف من أين تستمد الطائفية قدرتها على البقاء في مجتمعنا، فالدولة الحديثة في العالم العربي لم تمر بالتدرج السليم لتطورها وإنما حدث فراغ كبير بسبب الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، واستيراد بعض الدول لمفهوم الدولة الحديثة كمنتج ناجز وجاهز ولبنان نموذج واضح في هذا المجال. وتطرق المحاضر في نهاية مشاركته الحديث حول الخيارات التي تواجهها مجتمعات المنطقة في ظل استمرار المشكلة الطائفية وهي إما العمل على المحافظة على مكتسبات الدولة الحديثة وتنمية وتطوير الأطر المناسبة لبنائها، أو العودة إلى ما قبل الدولة الحديثة وحكم الجماعات الأصولية، مؤكدا على أنه لابد من تحقيق انزياح حقيقي بين مركزية الطائفة والجماعة وتعزيز حضور الدولة المدنية واعتمادها في تنظيم المجتمع، لأننا في مواجهة متوالية تاريخية تراكمت فصولها منذ القرون الوسطى.

بعد ذلك بدأت مداخلات الحضور، فأشار الأستاذ منصور آل سلاط إلى أن حركة التحرير الوطني العربي حملت معها الكثير من الأخطاء على مستوى المثقفين وعلى مستوى الحركة الوطنية نفسها، وقادت إلى تجاوز العديد من المسلمات والمعطيات الأساسية، كما أكد الأستاذ صالح آل عمير على أن الآمال المعلقة بالشباب هي المنقذ الوحيد من هذه الأزمة الطائفية، ولهذا فإنه يجب العمل على غرس مفاهيم القبول بالآخر ونبذ خطاب الحض على الكراهية. وتحدث الأستاذ احمد الخميس عن الدولة القُطرية ومدى هشاشتها وضعفها وأن انهيارها أو ضعفها يقود إلى العودة إلى الشبكات التقليدية في العلاقات بين مكوناتها، ونحن أمام تحديات تستوجب معالجات فكرية وسياسية.

واشار الأستاذ احمد الخرمدي إلى غياب الأنظمة والقوانين التي تجرم خطاب الكراهية مؤكدا على دور المثقف العربي في كونه أداة فعالة في تغيير المجتمع للأفضل. واشارت الأستاذ هدى القصاب إلى أن الطائفية ليست قضية دينية وإنما هي سياسية، وأن هناك بعض المثقفين يمارسون التأجيج، مطالبة بالعمل على برامج لتنشئة جيل نقي بعيد عن التعصب والكراهية. وأكد الدكتور هاشم الصالح أن الطائفية ليست مشكلة سياسة فقط بل هي مشكلة تدين أيضاً وثقافية استبدلت بمفهوم الطائفة القبلية، فينبغي وجود معالجة ثقافية ودينية جديدة قائمة على الانسانية الذي هو عمق الدين وأساسه وفق النصوص القرآنية، وأعرب الأستاذ زكي أبو السعود عن وجهة نظره في وجود علاقة بين الدولة الحديثة والطائفية، وأن الاستبداد هو الذي أبقى على مشكلة الطائفية فيقوم باستخدامها وابرازها عندما يلزم الأمر.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد