نجران عبر التاريخ.. حضارة وتعايش

3٬640

استضاف منتدى الثلاثاء بالقطيف مساء الثلاثاء 10 شوال 1424هـ الباحث الأستاذ علي بن حسن المستنير محاضرا في ندوة أدارها الأستاذ محمد المحفوظ تحت عنوان “نجران عبر التاريخ.. حضارة وتعايش” حضرها عدد كبير من مثقفي المنطقة وإعلامييها، وقدم راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضر منوها بأهمية التعارف والتواصل بين الفاعليات الثقافية والاجتماعية في مختلف مناطق المملكة. والأستاذ المستنير من مواليد نجران، أنهى دراسته الجامعية في الولايات المتحدة وتنقل في العديد من الوظائف الحكومية، وله أبحاث وكتب منشورة حول تاريخ منطقة نجران.

بدأ المحاضر حديثة بالإشارة إلى أبرز الأحداث التاريخية التي مرت على منطقة نجران، وما واكبها من حضارة وتعايش وتسامح بين مختلف الأديان السماوية التي سكنت المنطقة على مر العصور من يهودية ونصرانية وإسلامية، وذكر أن نجران سميت بهذا الاسم نسبة إلى الملك نجران بن زيدان بن سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان، لأنه كان أول من عمرها ونزلها، وأن المسيحية دخلت نجران عن طريق رجل صالح يدعى فيميون من بقايا أهل دين النبي عيسى(ع)، وقد عرف اليونانيون نجران كسوق تجاري على طريق القوافل التي تحمل عروض تجارة البخور وتعود إليها بعروض فارس ومنتجات اليونان مارة بالحيرة، ومنها عبر نجد، حتى تصل نجران، لتفترق في طريق مختلف بعد ذلك، أما في فترة العصر الروماني، فقد قام القيصر أغسطس بتجهيز حملة رومانية بقيادة قائده العسكري (اليوس جاليوس) ما بين سنه 24-9 قبل الميلاد، حيث توجهت الحملة من مصر وبعد سير مضن وقتال في المناطق التي مرت بها وصلت الحملة إلى نجران.

وقبل مجيء الإسلام، كان أهل نجران على دين النبي عيسى (ع)، وقصة مباهلة الرسول عليه الصلاة والسلام مع نصارى نجران موضحة في كتب التاريخ، إلا أنه في سنة 518 ميلادي، قام آخر ملوك سبأ الملك الحميري يوسف أسأر يثار والمعروف عند المؤرخين العرب بيوسف ذو نواس – الذي سبق واعتنق اليهودية – بغزو نجران لنشر اليهودية فيها، والقضاء على من بقي على دين النبي عيسى بن مريم (ع)، ولكنهم لم يستجيبوا لدعوته، فحفر لهم الأخدود وأوقد فيها النيران، وأمر بحرقهم فيها، وفي هذه القصة نزلت الآيات الكريمة في سورة البروج. وبذلك، فإن نجران كانوا أول شهداء التعصب الديني في التاريخ، كما يشهد لهم القرآن الكريم بذلك، وقد وجدت نقوش بحبل حماطة الواقع على طريق الخميس – نجران من جهة الشرق بالخط المسند مؤلفة من 12 سطراً توضح تلك القصة وعدد القتلى والغنائم التي أخذها الملك ذو نواس بعد أن قتل من قتل وأحرق من أحرق.

وجاء في كتب التاريخ أن سكان نجران الأولين، كانوا من بني الأفعى من قبيلة جرهم، ويعدون سكان نجران الأولين، وكانت لهم السيادة في نجران، إلا أن تتابع الهجرات الكثيرة من الجنوب إلى الشمال أتت بمهاجرين جدد، جعلت منهم قوة تفرض هيمنتها على السكان الأصليين الذين ألفوا الدعة، ثم يندمج الطرفان بالقربى والمصاهرة. لذا، نجد أن السيادة في نجران في وقت لاحق تنتقل إلى بني الحارث بن كعب من قبيلة مزمج، وبالذات في بني عبد المدان منهم، ثم تتعاقب الهجرات بعد ذلك، وتتمكن قبيلة همدان بن زيد بفروعها المختلفة من القبائل الهمدانية، من يام، ووادعه، ووائله، وشاكر، من فرض قوتها في المنطقة، وتصبح لها الغلبة في وقت لاحق نتيجة لكثرتها، وعصبيتها المستمدة من باقي قبائل همدان الأخرى، المستوطنة في الأجزاء الشمالية من اليمن.

وقد أسلمت قبيلة همدان في السنة العاشرة من الهجرة على يد الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وأسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب الإمام علي (ع) بذلك للنبي (ص)، فلما قرأ كتابه خر ساجداً ثم جلس وقال: “السلام على همدان، السلام على همدان”. وكان إسلامهم في شهر رمضان من السنة العاشرة في الهجرة، أرسلت همدان بعدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفداً برئاسة مالك بن نمط الهمداني.

ومنذ إسلام قبيلة همدان، وعلى مر التاريخ الإسلامي، اقترن ذكر همدان بمناصرة أهل البيت (ع)، وكانوا ضحية للتعصب الديني للمرة الثانية – بعد واقعة الأخدود – إذ ناصبهم الأمويون وولاتهم العداء، وألحقوا بهم الأذى، فقد سار إليهم، بسر بن أرطأة بأمر من معاوية بن أبي سفيان وأغار عليهم في ديارهم في نجران واليمن، فقتل منهم الكثير، ونكل بهم ثم أمر جيشه بسبي نسائهم، فكانت نساؤهم أول نساء سبين في الإسلام.

وذكر المستنير أنه على الرغم من أن أهل نجران عبر التاريخ تعايشوا في تسامح ديني مع بعضهم البعض من يهود ونصارى ومسلمين، إلا أنهم كانوا ضحايا دائما للتعصب الديني القادم من الخارج، والذي يكون خطرا على الآخرين عندما يقترن بالسلطة والقوة التي تعمل على فرضه على الآخر، والتعصب يعني تسفيه عقائد الآخرين وقناعاتهم أو احتقارهم كما يعني منعهم بالقوة عن التعبير عنها وومارستها.

وقد أكد المحاضر على أن التعددية العقائدية ورادة في القرآن الكريم ومسموح بها، وكذلك حرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد، ولكن هناك طبقة من بعض الفقهاء المنغلقين والمتزمتين فسرت القرآن في اتجاه الانغلاق العقائدي، والتضييق في حرية الفكر، والتعصب ضد الأديان الأخرى، وهذا التيار الانغلاقي العقائدي هو الذي انتصر تاريخيا، مع أن هنالك تيار متسامح في التراث الإسلامي، ومثال ذكر موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما سمح لليهود بالعودة إلى القدس، وقد طردوا منها سابقاً.

بعد المحاضرة، فتح الباب للنقاش أمام الحضور التي تعددت مداخلاتهم حول التركيبة الاجتماعية والمذهبية في نجران، وأهمية التواصل الاجتماعي والثقافي بين أبناء المناطق المختلفة حيث كشفت الندوة عن ضرورة مثل هذا التواصل، وشارك في النقاش مجموعة من أبناء منطقة نجران المقيمين في المنطقة الشرقية.

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد