المجتمع والدولة والتحديات المعاصرة

3٬559

استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء الماضي 18/1/1425هـ الموافق 9/3/2004م الدكتور تيسير الخنيزي محاضرا حول المجتمع والدولة والتحديات الراهنة في السعودية، وقد قدم المحاضر الأستاذ ذاكر آل حبيل الذي رحب بضيوف المنتدى وعرف المحاضر، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كنساس بأمريكا في العلاقات الدولية والسياسات المقارنة، يشارك في العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية حول قضايا المجتمع المدني والعلاقات العربية – الأمريكية وغيرها.

بدأ المحاضر حديثه باستعراض ملامح الطفرة الاقتصادية التي مرت بها المملكة منذ منتصف السبعينات وآثارها الاجتماعية والسياسية، مشيرا إلى أنها لم تتمكن من تنمية الحالة الإنتاجية في أفراد المجتمع ورفع قدراتهم الذاتية، مع أنها خلقت فرصا واسعة للنمو والتطور على مختلف الأصعدة، وشرح المحاضر – مفصلا-  العلاقات المتداخلة بين مختلف مكونات أبعاد النمو في الدولة، مؤكدا على أن الأبعاد الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية مجتمعة تشكل المكونات الأساسية لمشروع التنمية الإنسانية في أي بلد، وأن التنمية تكون ناقصة وعاجزة إذا لم تغطي هذه الجوانب الرئيسة جميعها.

وأشار الدكتور الخنيزي إلى أن التطورات التي مرت بها المملكة خلقت أمامها تحديات كبيرة في اتجاهات مختلفة، وهي تحديات حقيقية وطبيعية في كل مجتمع يتطلع للنمو والتقدم، ولكن السؤال – كما أشار المحاضر – هو كيفية التعاطي مع هذه التحديات بصورتها الإجمالية وتحويلها إلى فرص جديدة بدلا من أن تكون كوابح وعوائق أمام مشروع التنمية.

وحول التحدي الاقتصادي، تحدث المحاضر عن استمرار العجز المالي طوال الثمانينات والتسعينات الماضية نتج عنه مصاعب اقتصادية جمة تمظهرت في ارتفاع نسبة البطالة، وزيادة الدين العام، وامتصاص القطاعات الغير إنتاجية للسيولة، ومنها المساهمات العقارية، وغيرها، كما أن انعدام التوازن بين متطلبات السوق المحلية ومخرجات التعليم ساهم في خلق أزمة حادة في نقص الكادر البشري المهيأ لتشغيل وإدارة المشاريع العملاقة.

ومن هذه النقطة، انتقل المحاضر للحديث عن التحدي الثقافي والتعليمي والتي لخصها بأن مناهج التعليم عجزت عن مواكبة التطور الذي مرت به المملكة، وحصرت اهتماماتها في جوانب ثانوية، بل إنها لم تساهم بالشكل المطلوب في تكريس مفاهيم المشاركة الوطنية وتعزيز دور المواطن ومسؤوليته عن التنمية، وأشار إلى أن ثقافة الإقصاء لعبت دورا في تهميش دور المواطن وإقصائه عن تحمل مسئوليته الوطنية تجاه أبناء وطنه والتفاعل معهم بصورة مكثفة لتطوير مشاريع البنية الأساسية التي تتطلب جهود بشرية كبيرة.

وحول التحدي الاجتماعي، أبرز الدكتور الخنيزي أهمية قيام مؤسسات حديثة جامعة تعمق المفهوم الوطني وتعالج السلبيات التي نتجت عن مشاريع التنمية، مؤكدا على أن التنمية بطبيعتها تسبب خلخلة في النسيج الاجتماعي والتركيبة الاجتماعية، وتستبدلها بأطر مستحدثة قد تتعارض مع تقاليد المجتمع وأساليب حياته، وأشار إلى أن احد الإفرازات الاجتماعية لثقافة الإقصاء والتشدد هي مظاهر التطرف التي تسود بعض فئات المجتمع.

وفي المجال السياسي، أكد المحاضر على أبرز التحديات هي التعارض بين تبني الدولة لسياسة وطنية جامعة  تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية ووجود تيارات فاعلة تهدد هذه الوحدة المنشودة بنشر ثقافة إقصائي ذات أبعاد أيدلوجية، كما أكد الخنيزي على أن وفرة النفط ساهمت في تبلور نظام سياسي ينعم بالاستقرار ويتميز باستقلاله عن المجتمع، أما مع التطورات الحالية، فإن هنالك حاجة ماسة إلى إعادة تقاسم الأدوار بين الدولة والمجتمع، وتوزيع السلطات بالصورة التي تساهم في الاستقرار السياسي والاجتماعي وهو ما يتعارف عليه بتوسيع مؤسسات المجتمع المدني الأهلية. وأشار المحاضر إلى أن الإصلاح السياسي المنشود ضروري للدولة كما هو للمجتمع مشيرا إلى ما تم تداوله في هذا المجال من سجالات رسمية وأهلية كان آخرها ما توصل إليه ملتقى الحوار الوطني.

وأشار الخنيزي في نهاية حديثه إلى الدراسات المتعلقة بالمراحل الانتقالية في المجتمعات والأزمات الخمس التي تمر بها وهي أزمة الهوية، والمشاركة، وتوزيع الثروة، واختراق المجتمع، والشرعية، مؤكدا على أن مشروع الإصلاح هو السبيل لمعالجة التحديات القائمة على صعيد المجتمع والدولة، وهو القادر على الحد منها وتحويلها إلى دوافع تنمية حديثة في مختلف المجالات، معددا مبررات الإصلاح السياسي وعوائقه.

وكان قد حضر الندوة الصحفي المعروف الدكتور عبد الله الكعيد، والفنان عبد العزيز الحماد اللذان شاركا بمداخلات مهمة حول التنمية الإنسانية وأهميتها، مؤكدين على ضرورة الاهتمام بالتعليم، وأنسنة مشاريع التنمية، وإتاحة المجال للتعبير عن الرأي. وشرح الدكتور الكعيد التطورات التي تمر هيئة الصحفيين السعودية آملا أن تكون نموذجا يحتذى به للمؤسسات والجمعيات الأهلية التي يمكن أن تتشكل قريبا.

بعد ذلك، أعطيت الفرصة للحضور لكي يتقدموا بمداخلاتهم وأسئلتهم، حيث تركزت حول موضوع الندوة، وأكد الدكتور يوسف مكي على أهمية التفكير في المستقبل والعمل على وضع اللبنات الصحيحة لمشروع تنموي وطني شامل، يحافظ على الانجازات، ويعالج الثغرات القائمة مشيرا إلى أهمية الجدية والفاعلية في هذا المجال، كما تحدث المصرفي المعروف الأستاذ زكي ابو السعود حول تجربة شركة أرامكو مقارنة بمشاريع الهيئة الملكية في الجبيل وينبع، حيث أن الأولى استطاعت أن تبني جيشا من المواطنين المؤهلين والقادرين على تنفيذ المشاريع الكبيرة من خلال برامج تدريب وسياسة واضحة.

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد