الصالح يستعرض أثر المخدرات في المجتمع وسبل معالجتها

4٬065

في باكورة نشاطه لموسمه الثقافي التاسع، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف مساء الثلاثاء 21 شوال 1429هـ، الموافق 21 أكتوبر 2008م مرشد علاج الإدمان الأستاذ يوسف الصالح محاضرا عن المخدرات وسبل مواجهتها في المجتمع.

وقد أدار الأستاذ محمد الشيوخ الندوة معرفا بالضيف، وهو من مواليد القطيف، حاصل على العديد من الشهادات في إكمال علاج الإدمان والانتكاس، فضلا عن العلاج الأسري من ولاية مينيوسوتا في الولايات المتحدة الأميركية، شارك في العديد من المؤتمرات الصحية وألقى الكثير من المحاضرات التطوعية في المدارس والمراكز والمخيمات، وله مساهمات فعالة ضمن أنشطة اليوم العالمي للمخدرات. أصدر الكثير من الأشرطة التوعوية والنشرات والمطويات حول أضرار المخدرات والكحول والتدخين وسبل معالجتها، إضافة إلى الكتيبات الإرشادية. ومنها تشريح الانتكاسة، هل أنا مدمن، الاستياء والتعافي. قبل أن يبدأ الضيف طرحه، تحدث الشيوخ عن إحصائيات أكدت التصاعد المطرد لنسبة الإدمان على مستوى العالم أجمع، وعن وجود أسباب عامة مؤدية إلى هذا الإدمان، مشيرا لذلك كأحد المحاور التي سيتحدث عنها الضيف بجانب الحديث عن الوسائل المتاحة في المجتمع لمعالجة هذه المشكلة.

بدأ الضيف طرحه بشكر المنتدى وحضوره للفرصة التي أتيحت له للمشاركة فيه بموضوع هام وحساس كالمخدرات، وأكد على صراحته التي سيغلف بها حديثه والتي بدأها باعتراف صريح له حول كونه مدمن سابق لعشرين عاما مضت، عايش فيها معاناة المدمنين شخصيا، واستطاع بفضل الله التخلص منها ليكون عونا لكل مدمن يطلب منه العون والمساعدة.

وتحدث المحاضر عن بدايته مع المخدرات – وكانت خلال دراسته للمرحلة المتوسطة- ملفتا الانتباه إلى دور الأسرة المفترض في التعاطي مع هذه المشكلة؛ فذكر أولا أن الاعتراف بوجودها حقيقة هو الخطوة الشجاعة الأولى في رحلة العلاج. واستعرض السلوك العام للأسر في علاقاتها الداخلية، والمساهم في دفع الأبناء – غالبا – للولوج في علاقات مريبة تستتبع سلوكيات مشكلةٍ لا يحمد عقباها.

كذلك تحدث المحاضر عن عدم كفاية الوجود المادي للأبوين داخل الأسرة، وركز على ضرورة الحضور النفسي المتمثل في الاهتمام والاحتواء والمشاركة الوجدانية من قبلهما محذرا من افتقاد الأولاد لذلك داخل منازلهم وبحثهم عنه خارجها في ظل وجود عديمي الأخلاق الذين يبحثون عن من يستغلونهم لينفذوا بهم خططهم الدنيئة من إجرام وإدمان. وعن صور الاحتواء، ذكر المحاضر بعض الأمثلة المستقاة من تجارب شخصية ومعاصرة عن أهمية توطيد الآباء لعلاقة الاحترام والتقدير والتواصل مع أبنائهم، كما تحدث عن الاستيعاب الواعي لبعض المصطلحات التربوية كالثقة والصدق وتوظيفهما بشكل مناسب في عملية التربية.

كل ذلك كان من خلال استعراض مفصل لرحلة التعاطي والترويج والسجن التي عاشها المحاضر في عشرين سنة قبل أن يولد من جديد. وكان المحاضر قد أشار في تلك التفاصيل إلى محاولة تحكم والده في أمور البيت بأسلوب لم يكن مناسبا له لما وجد فيه من جفاف وتسلط وإن لم يكن من السوء بالدرة التي كان يتصورها كمراهق.

ذكر المحاضر أن شعوره بالاغتراب في بيته والخوف من تهديدات والده له من الفشل في الدراسة حثه على البحث عن حلول عند من لا يملكون لنفسهم نفعا حتى أوقعوه في مشاكلهم، وكان أولها التدخين الذي تطور إلى شرب الكحول، ثم تدخين الحشيش، فشم الهيروين، حتى انتهى إلى الترويج لكل ذلك.

كذلك تحدث المحاضر عن تصوره لحق المدمن في أن يمارس حياته دون قيد أو شرط، الأمر الذي دعاه للسفر إلى تايلاند ليمارس حياته بحرية، حتى تعرض هناك للسجن لمدة تسعة أشهر بتهمة الترويج. كما تحدث عن سجن آخر واجهه في المملكة نتيجة تحمله تهمة لم يكن مذنبا فيها، لا لشيء، سوى تصورا منه أن دواعي الرجولة تستدعي أن يكون شهما مع أحدهم. وكان قد تناسى أن طفلا له سيولد بعد شهرين من زوجة تعب والداه في إيجادها له لسوء سمعته آنذاك.

من هذه الزاوية، تحدث الأستاذ يوسف عن الخجل الاجتماعي، وأثره السلبي في معالجة المشاكل الأسرية، مشيرا بذلك لظرف إدمانه الذي لم يستطع أهله التعاطي معه بجرأة تستدعي الاعتراف بإدمانه أولا، وذلك خوفا من نظرة الناس جيرانا وأهلا لهم وردود أفعالهم تجاه ذلك، الأمر الذي استغله شخصيا للسيطرة على أهله منطلقا في ذلك بيقينه أن التعامل مع المدمن لا يتجاوز أحد طريقتين:- أن تسيطر عليه لجبنه.- أو يسيطر عليك لعلمه بجبنك أنت منه، وهذا طريق الهلاك.

وفي موضوع الخجل الاجتماعي، ذكر المحاضر قصصا وشواهد كان الأهل فيها لأولادهم المدمنين معاول هدم لا طوق نجاة، منها اضطرار سيدة ستينية لشراء مخدر الهيروين لابنها منه شخصيا حين كان يروج له، خوفا من أن تسوء حالته ويعلم بها جيرانها وذويها.

بعد ذلك انتقل الأستاذ اليوسف إلى الحديث عن مؤامرة يحيكها تجار المخدرات في الخارج لتصنيع مواد مخدرة قادرة على تدمير الشباب، وتنافسهم في الوصول إلى الخلطة الأسرع لذلك، مشيرا في ذلك إلى أحد مصدره الذي كان قبل توبته عاملا في أحد مصانع الحبوب المخدرة تلك. وأشار إلى احتمال أن تكون الحبوب الخضراء التي انتشرت مؤخرا باسم (المنتخب) نتيجة هذه المنافسة الوضيعة؛ لما سببته لمتعاطيها من حالات لا يزال الأطباء عاجزين أمامها من الوقوف على علاج لغرابتها.

ولأن الحديث ذو شجون تطول، توقف المحاضر على أمل أن يكمله من خلال إجاباته على تساؤلات الحضور ومداخلاتهم. وقد أبدى الحضور معه تفاعلا تمثل في مداخلات لم تخل من وجهات نظر أثرت الطرح، فضلا عن استفسارات رد عليها المحاضر ردا وافيا.

الأستاذ فؤاد نصر الله أشار لفرق التعامل مع المتعاطين للمخدر في دول الغرب – التي لا تمنع تعاطيه بل تعاقب على ترويجه فقط – عن الدول العربية متسائلا عن الحكمة في ذلك إن وجدت. وأجاب المحاضر بالحدود التي تضعها تلك الدول على المتعاطين بحيث لا يتجاوزن بأذاهم إلى غيرهم عبر الترويج المستلزم العقاب حتما.

وتساءل الأستاذ منير النمر عن مدى تطور سبل المروجين في عملهم إن كانوا تجاوزا بها الوسائل التقليدية باستغلال التقنيات الحديثة كالانترنت مثلا، الأمر الذي أكده المحاضر ممثلا لذلك بحبوب (الفراولة) التي رُوِّج لبيعها عبر الشبكة على الفتيات في يوم الحب Valentine Day.

الأستاذ جعفر الشايب استفسر مشيرا لانتشار القطيف بشكل واسع عن إمكانية تأسيس جمعية في القطيف تتجاوز نشاط جماعة الخط المستقيم المحدود، ، لتكون بذلك عونا يساهم في معالجة المشاكل الناتجة عن ذلك. وأشار المحاضر إلى أن انتشار المخدرات في القطيف ناتج في أكثره عن عمل الجاليات التي تستغل بيوتات القطيف القديمة أوكارا لها، وأردف بخبر عن تأسيس الجمعية الوطنية الخيرية للوقاية من المخدرات برئاسة فخرية للأمير جلوي، ويؤمل أن يؤسس لها فرع مستقبلا في القطيف.

وقد تضمن الحضور أعضاءً من مجموعة الخط المستقيم في القطيف، شارك منهم الأستاذ مصطفى الأسود بسؤال عن سبب انتكاس الراغبين في التعافي. وفي ذلك تحدث المحاضر عن ضرورة الدعم الأسري للمريض خلال فترة العلاج وعد الاتكال على المصح، مقترحا الاقتداء بمصحات الدول الغربية في بناء مساكن خاصة للمتعافين يقيمون فيها إلى أن يتم التأكد من تعافيهم.

كذلك تحدث عن أهمية التثقيف الاجتماعي العام لخلق حالة من التفاعل بين الناس وبين الجهات المتصدية لقضية المخدرات، واقترح تنفيذ برنامج (رواد الوقاية) الذي ينتظر رعاة يتبنونه لتأهيل طلاب المدارس من أجل أن يساهموا في حملات التوعية والتثقيف داخل المدارس.

وعن تأثير الإدمان على نفسيات أبناء المدمنين تساءل الأستاذ جعفر الصفار، وفي هذا الصدد أشار المحاضر إلى تأثر جميع أفراد العائلة إجمالا والمقربين من الأصدقاء سلبا، مشيرا إلى تجربته الشخصية في ذلك، وحذر من إمكانية حصول ما يسمى الإدمان بالوراثة. وفي ختام الندوة، قدم مديرها للأستاذ يوسف جزيل الشكر لشفافيته متمنيا له التوفيق في أداء رسالته الإنسانية.

يذكر أن راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب كان قد رحب بالحضور في بداية الندوة مستعرضا أبرز إنجازات المنتدى في الموسم الماضي، وكان مفعما بالبرامج المنوعة ثقافيا وأدبيا، وأشار لاستضافة المنتدى للعديد من الشخصيات الأكاديمية التي ساهمت في خلق تنوع فكري شمل قضايا حقوق الإنسان، والتقارب المذهبي.

كما أشار لإشراك العديد من الأنشطة الأهلية الفنية للتعريف بها وتشجيعها للمزيد من الإبداع، وللمعرض الفني الذي تم به عرض أعمال بعض الفنانين التشكيليين والفنانات، فضلا عن زاوية كتاب الأسبوع التي خصصت لعرض قراءة لأبرز الكتب الصادرة في المنطقة.

تم ذلك بتأكيد راعي المنتدى على سعي المنتدى الجاد لتحقيق أهدافه في خلق جو حواري واعٍ يدفع بالمجتمع إلى التكامل الفكري والثقافي.

 

لمشاهدة الصور إضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد