الدكتور جناحي يناقش المواطنة والهويات المتداخلة

3٬936

في مساء الثلاثاء 29/ صفر/ 1430هـ، الموافق 24/ فبراير/ 2009م استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف الدكتور عبد الله جناحي للحديث حول “المواطنة والهويات المتداخلة”، والضيف كاتب من مواليد مملكة البحرين، متخصص في الاقتصاد والعلوم السياسية، وعضو في العديد من الجمعيات، كجمعية الاقتصاديين البحرينية، الجمعية البحرينية للشفافية، أسرة الأدباء والكتاب بالبحرين، وغيرها. حضر عددا من المؤتمرات الدولية والعربية والخليجية الخاصة بمنظمات العمل العربية وحقوق الإنسان، وشارك في العديد من الدورات وورش العمل حضورا وتدريبا في دول عربية وأجنبية. لديه عدد من الدراسات منشورة في المجلات العربية، كالمستقبل العربي ومجلة معهد التخطيط العربي بالكويت والرافد الإماراتية. وقد صدر له من المؤلفات مجموعة كتب، منها كتاب لعبة الاختراق، وكتاب الاقتصاد الريعي ومقومات الدولة الديمقراطية، وغيرهما؛ فيما سيصدر له قريبا كتاب الحركة العمالية وتحديات العولمة الاقتصادية.

وقد أدار الأستاذ محمد الشيوخ الندوة، فتحدث بداية عن أهمية وحساسية الحديث حول موضوع المواطنة في ظل تداخل الهويات لعدم وجود استقرار وتوافق بينها في أغلب دول المنطقة، في ظل غياب رؤية لمشروع وطني قادر على استيعاب هذه الهويات وتوظيفها عنصرا خلاقا لخدمة الوطن.

بدأ الدكتور جناحي حديثه بتعريف المواطنة، متبنيا في ذلك تعريف المفكر الإسلامي الدكتور (طارق البشري) لها بأنها “صفة الفرد الذي ينتمي إلى جماعة سياسية معينة تكون قد قامت على أساسها الدولة؛ بوصف يشير لمشاركته – كمحكوم – مع الحاكم المتمثل في الدولة المالكة لسطوة إدارة الشؤون العامة بموجب حاكميتها”. وأشار المحاضر لوجود هذا المفهوم في أغلب الدول العربية بشكل نظري، باعتباره مجموعة علاقات تعاقدية قائمة بين الفرد والدولة، غير أنه مفهوم يحجبه الفكر المرتبط بالعلاقات العشائرية أو الطائفية.

كذلك أشار الضيف لتبنيه رؤية المفكر العربي المغربي (محمد عابد الجابري) في تقسيم مجال الهوية الثقافية إلى دوائر ثلاث؛ يتمثل أولها في الفرد ككائن له احتياجاته التي تدفعه نحو الانعزال أو الاحتجاج أو الرفض والتطرف؛ فيما تتمثل الدائرة الثانية في الجماعة بمختلف أشكالها القبلية أو الطائفية أو الإثنية، والتي يلجأ لها الفرد في ظل غياب بدائل أخرى، مشيرا للقوة المؤثرة التي تمثلها هذه الدائرة في الجمع السياسي والاجتماعي والقيمي.

الدائرة الأخيرة مثلها المحاضر في الوطنية أو الأمة المحتضنة لتينك الدائرتين، بما تملكه من مقومات جذب موجه يترجمه توفير مباديء الوطنية كمبدأ مبدأ المواطنة، ومبدأ المشاركة السياسية، ثم مبدأ التوزيع العادل للثروة. وأكد الضيف على أن تقوية أو إضعاف أحد هذه الدوائر الثلاث أمر يتحكم فيه مدى فاعلياتها؛ بحيث يؤدي إهمال أحدها إلى اختلال يسبب تحكم أحد دائرتي الفرد أو القبيلة للعلاقة الجدلية والتفاعلية بينها جميعا.

بعد ذلك انتقل المحاضر للحديث عن معوقات تعزيز هذه المبادئ، فأشار فيما يخص مبدأ المواطنة إلى قيم الاقتصاد الريعي كمحدد اقتصادي، معرفا لهذا الاقتصاد بعدم اعتماده على الإنتاج الذي يشترك فيه غالبية السكان بقدر اعتماده على الثروات الطبيعية التي تحتكرها القلة، وتتمثل غالبا في الحكومة التي تبدأ في ممارسة توزيع المزايا والمنافع على أفراد المجتمع؛ وفق سياسات خاصة أنتجت فسادا ماليا أدى إلى إرباك العلاقات الاجتماعية من خلال تعزيز فكرة (الراعي والرعية) بدلا من فكرة المواطنة.

وتطرق كذلك لعائق الاستبداد السياسي، مشيرا لأشكاله، ومنبها لأخطرها، وهو الاستبداد باستغلال القانون المتمثل في الدستور وغيره، واصفا تلك الأشكال بمقوضات الديمقراطية التي تقوم عليها دولة المؤسسات والقانون. واستعرض في ذلك نموذج التجربة الأوروبية التي كتب لها أن تتطور بفعل جملة من العوامل التاريخية والاقتصادية والاستعمارية والدينية والفكرية، ساهمت في ترسيخ مبادئ المواطنة في عقلية المجتمع الأوربي، بدءً بمبدأ المواطنة، وانتهاء بمبدأ تحكيم القانون، فاستطاعت بذلك أن تصل إلى دولة المؤسسات المعاصرة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا من قبل.

ولتحقيق وتعزيز المواطنة حدث المحاضر عن بعدين مهمين، أولهما المواطنة (الأفقية)، وعنى بها العلاقة بين المواطنين وبعضهم البعض، والتي يمكن تحقيقها عبر القيم المشتركة والعمل معا في إطار المجتمع المدني، لخلق حالة من الاندماج المؤدي بدوره للتكامل بين الجميع، بغض النظر عن اختلافاتهم القائمة.

وانتقد بعض التجارب البحرينية التي يرى تعزيزها للطائفية المقوضة للاندماج المطلوب، فتحدث عن ثنائية الصناديق الخيرية والأوقاف والمحاكم، بين طائفتي الشيعة والسنة، الأمر الذي تعدى أثره للمؤسسات التعليمية، حيث بدأت تسعى لفرز طائفي بين الشيعة والسنة، مما يعني احتمالية مخاطر انفصال بين الأجيال الصاعدة من أبناء وطن واحد.

البعد الثاني للمواطنة أشار فيه الضيف للمواطنة (الرأسية)، وعبر عنها بالعلاقة المؤسسية بين المواطن والدولة من خلال النظام العام والمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات وخدمات وعقوبات وأمن، تتحمل فيه الدولة المسؤولية الأكبر في قدرتها على إدارة التنوع وابتكار سياسات وآليات الدمج الاجتماعي للجماعات والطوائف وذلك بسبب السلطة التي لديها.

في ختام حديثه، أكد الدكتور جناحي على أن مبدأ المواطنة بمعناه الحديث – القانوني والديمقراطي – لم يحظ بتأصيل عميق في الفكر القومي العربي التقليدي في القرن العشرين، وأنه ظل مهجورا في النظرية القومية العربية، مؤكدا تسبب ذلك في تحوير الكثير من المفاهيم والقيم في عقلية الفرد العربي، وأكد أنه لا سبيل لتغيير تلك القيم والأفكار سوى بتغيير منهج التعامل مع الفرد انطلاقا من فكرة (الراعي والرعية)، ليتم بذلك تحويل القبيلة إلى (اللا قبيلة)، وتحويل الغنيمة إلى (اقتصاد إنتاجي، ثم تحويل العقيدة بمفهومها الواسع إلى (مجرد رأي).

في مداخلات الجمهور، أشار الأستاذ زكي أبو السعود لما يعكسه – في رأيه – مفهوم المواطنة من تطورات اقتصادية واجتماعية، معبرا عما يراه من مظاهر اقتصاد ريعي في المنطقة بكونه مخلفات نظام اقتصادي قديم لا يزال يمثل عائقا أمام تطور المجتمع، الأمر الذي يتطلب الخروج منه جهدا كبيرا يقوم على تفكير جاد لتطوير الاقتصاد المحلي للتخلص من التبعية التي خلفها الاستعمار، وأكد عدم أمكانية تحقيق ذلك دون قرار سياسي.

وأثار أبو السعود فكرة الفصل بين الدين والدولة، مشيرا إلى أن “عدم تسييس الدين أو تديين السياسة” أحد أسباب تقويض المواطنة، مستشهدا لذلك بما أحدثه التطور الاجتماعي من فصل للدين عن الدولة وثبات ذلك من خلال المؤسسات الدستورية أوجد مساحة كافية لمختلف الأحزاب المدنية لمختلف الديانات والمذاهب كجزء من مجتمع ديمقراطي استطاع التعبير عن نفسه بحرية عززت مفهوم المواطنة في قناعته. وأشار الأستاذ وسيم العلي لنموذجية شخصية الرسول (ص) كحاكم عادل استطاع بسماحة الدين رعاية مجتمع ضم العديد من الديانات، وذلك في ظل الحديث عن المجتمع الغربي كنماذج يستشهد بها في مجال المواطنة. وأكد أن اعتماد الدين الإسلامي راعيا في ذلك أمر يقوم عليه فهم الدين، مستفسرا عن إمكانية توحيد مفهوم هذا الدين في ظل تعدد مفاهيمه.

وتطارح الحضور العديد من المرئيات بهدف الوقوف على أفكار من شأنها المساهمة في خلق تغيير في واقع المواطنة، كما في فصل السلطات الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وإيجاد سلطة رقابية على السلطة التنفيذية، ثم تنظيم انتخابات، متفقين على أن التغيير الحاصل في وعي الفرد العربي، ورغم تقدمه البطئ، إلا أنه قادر على خلق ضغط شعبي من شأنه إحداث تغييرات في الأنظمة السياسية.

 

لمشاهدة الصور إضغط هنا

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد