«وجدانيات» المعاتيق والعبد الله تلهب مشاعر جمهور «الثلاثاء»

3٬530

في أمسية شعرية متميزة، وشعر إبداعي رنان، وحضور جماهيري متفاعل، تعانق الفن مع الشعر في الندوة التي شارك فيها الشاعران حبيب المعاتيق وحيدر العبد الله، وأدارها الإعلامي محمد الحمادي مساء الثلاثاء ضمن فعاليات ال منتدى لموسمه الثقافي الخامس عشر.
تضمنت الأمسية معرضاً فنياً أقامته فنانة المنمنمات إشراق العويوي، التي حازت على العديد من الجوائز المحلية والإقليمية على أعمالها الدقيقة، والتي اضافت إلى هذا الفن اللمسة الخليجية لتجعل منه أداة فنية جديدة في المنطقة. والمنمنمة تعني الإنتاج الفني صغير الأبعاد، ويتميز بدقة الرسم والتلوين، ومعرضها نال إعجاب واستحسان الحضور.
وقدم حمد الحمادي كلا الشاعرين بتعريف موجز، فالشاعر حبيب المعاتيق من مواليد جزيرة تاروت في شرق المملكة، وهو يجمع بين الشعر العربي الفصيح وفن التصوير، حيث أصدر أول ديوان له بعنوان ”حزمة وجد“، وحصل على العديد من المراكز المتقدمة في مسابقات وفعاليات أدبية داخلية واقليمية.
وعرف الشاعر حيدر العبد الله بانه فهو من مواليد محافظة الأحساء بشرق السعودية، ويدرس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وقد حاز على لقب وبردة شاعر شباب عكاظ عام 2013م، والمركز الأول في مسابقة نادي جازان الأدبي لعام 2014م.وتناوب الشاعران المبدعان على مدى أكثر من ساعة وسط إصغاء وتصفيق الحضور لإلقاء قصائد شعرية ممتعة مقفاة وغيرها في مختلف أبواب الشعر ومواضيعه، شملت الغزل والعاطفة والوجدان والهروب والحزن والهجران.
المعاتيق الذي تألق في إلقائه وأبدع في اختيار قصائده، حيث افتتحها بقصيدة ”يا ضحكة الأحباب“ التي ضمنها آهات الألم والبعد، كما عبر فيها عن تأوهات الشاعر المرهف الإحساس:
ظمآن، هل عالم بالحال يفهمنيالشوق أعنف مما ينبغي، وأنالازال سيد أيامي، وأمنيتيهل أنت يا ضحكة الأحباب ملتفتةيا قوم أضعف من أتقي عنتهللوصل لم تعد إلا – في الهوى – أمته
وتلاها بقصيدة مؤثرة يخاطب فيها ابنته «آمنة» التي كانت تزوره في سجنه مع أمها، عنونها ”شيء من الحطب المحروق“، بيّن فيها غربته عن عالمه وعن ابنته العزيزة عليه، مخاطباً إياها:
غربتان التقتا في أوج أوجاعي العظيمة،وأنا تجتاحني في عصف عينيك الهزيمة،مااا لهذا الحيف من حد.أنت والدمعة والغربة والسجنوجيش من تباريح النوى ضدي.مر عامان..وفي كل مساء يكبر الشوقفما عدت أرانيغير هذا الساهر المصبوب في جلدي.إنه الحاضر، والآمر، والزاجر، والآكل، والشارب، والقارئ، والكاتب،والمحي موات الروح، والمنهي عذاب الروح، والمبدي.وأنا حارسه الساهر في خدمته،كلما حاول قلبي يا ابنتي العصيانلا يجدي.
وأخذ المعاتيق الحضور لعالم انساني أوسع حيث قرأ نص ”عيناك ومد من الغربة“، المهدى إلى طفل التوحد ورفاقه من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذي نال عليه جائزة في مهرجان مرضى متلازمة داون عام 2010م، سطر في هذا النص أجمل التعبيرات الأدبية والمشاعر الإنسانية:
في المساحات التي تشرعها عيناك للآتينفي واد من الوحشة، يمتد سؤالوعلى خديك تنهل من الدمع التباريح التيلم تعد تقنعها كل الاجابات على أية حالبات في علم المدى
أنك مولود توحدت مع الدمع وجوداسلت في وجنة هذا العمر منسيا وسال
وواصل المعاتيق في عزفه على أوتار العاطفة الإنسانية في قصيدة ”أمي.. تباريح كونية“، ألهبت حماس الحضور بقوله: حين أشاهد أمي تهز رجليها كمن يهدهد وليداً، وهي تغني ”ياطيبين اللبن“ أعلم أنها قلقة جدا على أحد إخوتي.
لا تزالين على عتمة أيامي الشعاعيا أمان العالم، الطفل أنالا زال يا أمي إذا أفلت من ملفعك البني ضاع.عشت في زنديك أحلام صغار الطيركان الحلم الأكبر، لو باغتني البرد ذراع.وإذا عدت من المأتم بالحلوىعشت يا أمي تباريح الكتاكيت الجياع.
وفي قصيدته المعنونة ”الحنين الذي لا يريد العبور“، جال في رحاب المشاعر المفعمة بالألم والمحبة:
ضعي فوق صدري الذي كاضطراب الصواري يدا،أصيخي إليه، فخير الأحاديث تلك التي حدثتها الصدور.تعالي على رسل خديك، نستاف نخب الهوى، ونتلو حديث الجوى،وننسى هموم النوى،وخلي العناق؛ اللهيب الأخيرعلى نهج بعض البراكين لما تثور
وختم الشاعر حبيب المعاتيق قصائده برائعته ”بعض اللحظات“:
بعض النظرات فتيلة نار عمياءإذا اندلعت في القلب، تلم الأخضر والأملح.بعض النظرات رصاصة موت طائشة،لا تقتل من ألف بريء، إلا أنت على الأرجحبعض النظرات إذا عبرت لا تفتح عينيكستفتح عينيك، ستخسر كل شبابك لو تفتح.
وبدأ الشاعر حيدر العبد الله القادم من هجر، والمتلبس شعراً وأدباً وحباً، قدم العديد من قصائد الحب والعشق، قصيدته المطولة ”زفاف إلى اللغة“:
إلى لغة أشهى من المأس جيدهاكأني بها والثوب يغتاب كرمةتحسست الأنثى التي هي والتيوطافت على الأحلام كالمستحيل،ونائمة أضحى الكلام جميعهتحج المعاني، كل معنى يريدهاعلى صدرها قد زاحمته نهودهاعلى ضفة الرمز استحمت ورودهاأو كأسطورة لا شيء إلا خلودهالديها، ولما يصح منها رقودهاأرى البحر – منزوعا من الرمل -جزيرة أشباح ونخلة تائه
وتهتز حتى يشبع الصوت والصدىوينطفئ الإصغاء، وهي تزيدنيحولها يجف، ولم تفلت من الماء بيدهامتى جاع لم يبخل عليه جريدهاويسقط من تمر القوافي نضيدهاسكوتا على نبر اللظى وأزيدها
انتقل بعد ذلك إلى قصيدة ”العطر“ في تجربة يلمس فيها معاني العطر وأسراره وتأثيره المتبادل بقوله:
العطر يملؤه الصهيل وتعيش داخله الخيولفتح به يعد الندى، وتشي البحيرة والخميلأن الأزاهر أمة، والعطر بينهم رسولهو ردهة ترتاح فيها الريح، والأنثى تقيلأسراره سحب يغازلها بلا كلل هطولحتى إذا ما دولب المفتاح.. وانطفأ الفتيل؛فاحت وباحت بالذي كانت تبخره النخيل
وفي رائعته الجميلة ”تقاسيم شرقية“ تألق العبد الله بشاعرية راقية، وبإلقاء متميز وجاء فيها:
أرى وترين يرتعشان لي،تراودني «زليخاه»، فأطويعلى جوعين، تشربنا المراياولا إمعان يشبع.. لا صلاةمعي «القانون» تترعني يداه،
متى إمتلأ المكان بنا كلينا..بل أرى عطشين، فالقانون صنويرواقا بين سكرته وصحويعلى وجعين، في غرق وطفوتطبب، لا صدى، لا موج يروي!وأترعه بموالي.. وحدويخوى! ونظل نملؤه.. فيخوي!
وكانت آخر قصائده التي ألقاها هي ”أغنيات للطفلة التي لعبتني“، والتي نالت استحسان الحضور وجاء فيها:
أخاف من تشوقي إليك!أخاف من تخوفي عليك!أخاف أن أنام في يديك!آه.. لو كنت لم تكوني بقلبي!آه.. لو كنت لم أكن فوق متني!خففت لي فراشة الحب صدري..غير أن الحياة قد أثقلتني!أنصتي للخريف في قعر صوتي..رعشة الكون كلها أخذتني
وبين ثنايا قصائده الرائعة، كان يترجل أبيات شعر نبطية عن الحب والبعد والهجران عبر فيها عن شاعرية مرهفة ولغة انسيابية جذابة.
ومع هذين الشاعرين المفعمين بالمشاعر الجياشة والأحاسيس المرهفة، أنهى مدير الندوة الأمسية الشعرية وسط تصفيق الحضور وتفاعلهم.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد