الناقد الحرز يستعرض أبرز التحولات التي أثرت على المشهد الثقافي والتفاعلات الناتجة عنها

400

في لقاء متميز حضره نخبة من المثقفين والأدباء والمهتمين، تناول الناقد والأديب محمد الحرز مراجعة ونقد المشهد الثقافي السعودي في محاضرة تحت عنوان “المشهد الثقافي السعودية: رؤية نقدية” استعرض فيها أبرز التحولات التي أثرت على المشهد الثقافي والتفاعلات الناتجة عنها، وذلك مساء الثلاثاء 9 صفر 1441هـ الموافق 8 اكتوبر 2019م، وأدار الأمسية الأستاذ محمد التاروتي، وحل الشاعر الأستاذ هاشم الشخص ضيف الشرف فيها.

وقبيل الأمسية، تم عرض فيلم قصير بمناسبة اليوم العالمي للمعلم يعالج مشاكل التعليم وتحدياته، ثم تحدث الاستاذ عدنان الحاجي المهتم بالترجمة العلمية والذي أصدر عدة كتب متخصصة عن تجربته واهتمامه بالترجمة ومنهجيته في العمل في هذا المجال. كما تم تكريم الاستاذ عبد الله النفيسي لمبادرة شباب الشرقية لرياضة المحركات والرياضات الحديثة حيث عرّف بتجربة المبادرة وأهدافها في حماية الشباب وتوجيههم لممارسة الرياضة لغرض الترفيه واستثمار الوقت على أسس سليمة ومتقنة. وشارك فنان النحت الأستاذ عبد العزيز العبد اللطيف بتقديم تجربته في فن النحت والحديث عنها وتطورها عارضا مجموعة من اعماله الفنية في المنتدى.

بدأ مدير الندوة مقدمته بالحديث عن تطور المشهد الثقافي في المملكة باعتباره تحولا مهما ملفتا لأنظار مشيرا إلى موقعية ودور المثقف في ظل هذه التحولات الكبيرة ومدى تأثيره وتفاعله الايجابي معها. وعرّف بالمحاضر صاحب الاصدارات النقدية والأدبية المتعددة والكاتب في الصحف المحلية وله مشاركات منبرية متعددة وأمسيات شعرية في مهرجانات ثقافية داخل وخارج المملكة.

في مقدمة ورقته، تحدث الأديب والناقد محمد الحرز عن صعوبة حصر “المشهد الثقافي السعودي” في مسار واضح وبسيط من التناول والتحليل، فهو نوع من الفسيفساء الذي لا يقبل الاختزال، وهو في حراك مستمر يستجيب للتحولات التاريخية بالقدر الذي يحقق فيه أفراده تحولاتهم النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وأكد على ارتباط المجال الثقافي بالمجال السياسي والتأثير المتبادل بينهما، متسائلا عن سبل تفكيك العنوان آخذين بعين الاعتبار مسألة التنوع القبلي والطائفي والمناطقي ومعرفة الأنماط المتعددة للثقافة المستمدة من حقل العلوم الاجتماعية، ليحدد المفهوم في استعارة مصطلح “تثاقف” من العالم الاجتماعي روجي باستيد بمعنى “كل ثقافة هي صيرورة دائمة من البناء والهدم واعادة البناء، وما يختلف هو أهمية كل مرحلة تبعا للوضعيات”.

وتحدث المحاضر عن ثلاثة محاور أثرت بصورة عميقة في نسيج المجتمعات الخليجية والعربية، وأحدثت تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية لا زالت تفعل فعلها إلى حد اليوم وهي: ايدلولجيا تصدير الثورة الايرانية (1979م)، وحرب تحري الكويت (1990م)، وأحداث الربيع العربي (2011م). فحول السعودية، بيّن الحاضر أن مسار التنظيم المرتبط بين البيئات المتعددة للعمل قد أنتج ما يمكن تسميته “ثقافة المؤسسة” لتكون وسيلة أو أداة لرصد التحولات التي تصيب المؤسسة والسياق التي توضع فيه، وانتاج ثقافات فرعية وروابط اجتماعية لا تنتمي إلى المؤسسة بقدر ارتباطها بأفرادها أنفسهم مستشهدا بالموائمة التي افرزتها بيئة شركة أرامكو الت يامتد تأثيرها في النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لأجيال متلاحقة. واشار إلى موقعية الأندية الأدبية التي لم تحقق هذه الموائمة بين الانسجام واختلاف المسارات.

وواصل في حديثه عن المشهد الثقافي بأن الدراسات التي تناولته من طرف باحثين سعوديين لم تخضع إلى الصرامة المنطقية والموضوعية، ولا إلى طرق منهجية تتصل بالحقل الانثروبولوجي، كما أن الجامعات لم تخصص وحدات بحثية خاصة حول هذا الموضوع. وانتقد تركيز بعض الباحثين على تركيزهم على تأصيل فكرة الحداثة في المجتمع السعودي دون أن يؤصل الفكرة ذاتها ممفهوم أو يستخلصها كتجربة من سياقها التاريخي، وضرورة وضع فكرة الريادة بما يتلاءم والارث الكبير لمنطقة الجزيرة العربية والخليج وتأثرها بمحيطها الاقليمي. كما أوضح أن هناك قلة من الباحثين الذين تناولوا الصراع بين تياري الصحوة والحداثة ربطوه بالتطورات التاريخية التي سبقته كالمد القومي وغيره، من أجل وصله بتاريخه السياسي والثقافي وعدم الارتهان لفهم ثنائي وقراءة ايديولوجية.

وانتقل للحديث عن تأثير المحاور المفصلية الثلاثة سابقة الذكر على التفاعل بين مركبات المشهد الثقافي، مشيرا إلى أن فكرة تصدير ايديولوجية الثورة الايرانية أثرت في التركيبة الاجتماعية باستعادة التدين المتشدد واستحضار الهويات الطائفية، وأن وقع ذلك على الطائفة الشيعية كأن أشد بحكم الروابط التاريخية للمذهب. كما كان لحدث دخول جهيمان الحرم أثر في تولد خطاب الافتراق وانسحبت المحاكة الساخرة التي كان يستمدها الناس من الذاكرة الشعبية، وتعمق الشرخ مع المد الصحوي الاسلامي وانتشاره بقوة في جميع مناطق المملكة.

وحول حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت)، قال الاستاذ الحرز ان ظلالها احتلت كامل عقد التسعينات الميلادية، حيث شهد الخطابان الاسلامي والحداثي في المملكة تحولات فكرية أكثر من السياسية امتدادا لصراعات وسجالات الثمانينات. وأضاف أنه في الثمانينات كان الرهان على الأدب والشعر اشتغالا وكتابة وسجالا من سمات الخطاب الحداثي بينما كانت مواقف الخطاب الصحوي في الفترة ذاتها تتسم بالتشدد في جل المسائل العقدية والفقهية. وفي التسعينات تم التركيز على أبرز النظريات الحديثة لدى الحداثيين، وكشف الخطاب الصحوي عن مراجعات نتج عنها تحولات في قضايا مثل “الولاء والبراء”، مشيرا إلى أن كل ذلك لم ينتج عته تغيير في بنية التفكير لكلا الخطابين.

وأنهى الحرز ورقته بالإشارة إلى دخول الخطاب الروائي كلاعب جديد في أواخر عقد التسعينات وبدايات الألفية الثالثة، باعتباره خطابا لم يتخذ موقعا لا على مستوى السجال الثقافي ولا على مستوى التلقي عند الجمهور، موضحا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر سرعت من وتيرة صعود الخطاب إلى الواجهة. وأضاف أنه مع أحداث الربيع العربي أصبحت الرواية لاعبا اساسيا في الدفاع عن الحرية الفردية والتعبير الأكثر موائمة للأحداث بوصفها نشدانا للحرية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية التي جاء بها الربيع العربي.

بدأت مداخلات الحضور بتساؤل من الاستاذ خليل الفزيع حول البيئة الثقافية في نجد حيث أن المحاضر لم يذكرها مشيرا فقط إلى الأحساء والقطيف والحجاز والجنوب مع أن تأثير البيئة الثقافية التجدية كان ولا يزال كبيرا على المستوى الوطني، كما أبدى رأيه حول أثر الربيع الربيع باعتباره كان سلبيا وكارثيا على مختلف الأصعدة في المنطقة العربية. الأستاذ عبد العظيم آل شلي أشار إلى إغفال المحاضر إلى الأشكال الثقافية المختلفة كالفنون والموسيقى وتركيزه على الأدب والرواية، وكذلك اغفال دور الانشطة الثقافية المدرسية كالمسرح والمسابقات الثقافية، إضافة إلى أن الرواية في السعودية عليها ملاحظات كثيرة كما لها أيجابيات أيضا.

وتساءل الدكتور محمد العسكر عن أنماط التواطؤ والمداهنة والوصولية لدى المثقفين وأثر ذلك على مشاريع التنوير، أما الأستاذ عدنان الحاجي فطالب باعتماد التحليل الكلي (ماكروسكوب) وليس الجزئي فقط من أجل معرفة ودراسة الاتجاهات الاجتماعية والتحولات فيها. وطرح الشاعر باسم العيثان رأيه حول المرحلة الراهنة من التثاقف في المجتمع السعودي لكونها منفتحة أكثر مما مضى وعن امكانية ممارسة المثقف لدور أكثر سعة وحرية، وقال الشاعر علي البحراني عن المثقف ينبغي أن يكون له دور ايجابي أكبر للدفع للأمام نحو طريق مختلف وألا يكون سلبيا للحالة القائمة في مجتمعه.

وتساءلت الأستاذة سهام الخليفة عن موقعية المرأة ودورها في المشهد الثقافي في هذه المرحلة، كما طرح الأستاذ منصور سلهام أهمية استعادة موقعية أعمال عبد الرحمن منيف الروائية ضمن عملية التنوير. وأبرز الكاتب حسين السنونة في مداخلته دور النخب الوطنية من كتاب تنويريين كانوا منتمين لأحزاب وطنية وكذلك الوافدين العرب للمملكة الذين ساهموا في التنوير، وطرحت الأستاذة رائدة السبع تساؤلا حول الحد الفاصل بين موقعية المثقف في التعبير عن آرائه أو الرضوخ لرأي الجمهور والسعي للشهرة.

وفي نهاية الندوة ألقى ضيف الشرف يها الأستاذ السيد هاشم الشخص قصيدة شعرية عن القطيف، وكلمة أثنى فيها على المنتدى ومسيرته الثقافية وأشار بالجهود المبذولة في هذا المجال لتنمية الوعي الاجتماعي وتفعيل دور المثقفين.

 

رابط الخبر اضغط هنا

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد