استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف الشيخ شاكر احمد الناصر متحدثا حول اشكاليات التطرّف وسبل التعايش في ندوة حضرها مثقفون وإعلاميون للنقاش حول ظاهرة التطرّف وأسبابها وسبل تعزيز التعايش السلمي في المجتمع تحت عنوان “مواجهة التطرّف وتعزيز التعايش” وذلك مساء الثلاثاء ٣٠ ربيع الثاني ١٤٣٧هـ الموافق ٩ فبراير ٢٠١٦م.
وقبل بدء الندوة وضمن الفعاليات الأسبوعية للمنتدى، تحدث الفنان قُصي العوامي الذي أقام معرضا فنيا عن تجربته الفنية في تنوع مسارات عمله كاستخدام الكولاج والمعاجين والخشب، وتنوع أساليبه ومنها توظيف الخط العربي في اللوحات التشكيلية واقتباس مقاطع من قصائد شعرية لشعراء عرب معروفين. وبين ان من بين أبرز أعماله الفنية تصوير متابعة انعكاسات الضوء في السماء اضافة الى اعمال تجريدية وواقعية وتوظيف اكثر من موروث ثقافي كالزخرفة والبناء والخط ولوحات رمزية مختلفة.
أدار الندوة رئيس اللجنة المنظمة للمنتدى الاستاذ عيسى العيد الذي تحدث عن الوضع الطائفي المتردي في المنطقة والناتج من تغلغل التطرّف وآثاره المدمرة على المجتمعات المحلية. وأشار الى خطورة هذه الحالة على المدى البعيد، مؤكدا على ضرورة التصدي لهذه الحالة عبر تعزيز مفاهيم ونماذج التعايش السلمي والترويج له. وعرف ضيف الندوة الشيخ شاكر الناصر بأنه من مواليد بلدة الاوجام شرق السعودية، أنهى دراساته الدينية مبكرا وعمل في مجال التعليم، حاصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الانجليزية من جامعة الملك عبد العزيز بجدة وله عدة دراسات وأبحاث في مواضيع دينية وتاريخية واجتماعية تميزت برؤية نقدية واتسمت بالجرأة في المعالجه.
بدأ الشيخ الناصر حديثه بالتأكيد على هدفيَّة خلق الانسان لاعمار الارض، وأن التنوع سنة طبيعية وارادة الهية، مشيرا الى ان الاديان جاءت متوافقة مع بعضها وليست متناقضة، وأنها دعت الى احترام اتباع كل دين وليس حربهم او ازدرائهم والانتقاص منهم. وانطلق من ذلك ليتوسع في توضيح مفاهيم العلاقة بين اتباع الاديان وأنماطها، سواء بين الاديان المختلفة او داخل الدين الواحد، مؤكدا على أن البعد الانساني هو الجامع المشترك بين الاديان وأن الدين يوجه سلوك الانسان نحو الخير ويرتكز أساسا على العلاقة بين الانسان وربه.
واستعرض الشيخ الناصر نماذج من التعامل الانساني بين المختلفين دينيا مقارنا ذلك بمواقف متطرفة ومتشددة تنحو باتجاه معاداة المختلف دينيا واستصغاره وازدرائه نتيجة لتراكم منظومة ثقافية متشددة لا تعطي الاخر الحق في الاختلاف. ومن بين الأمثلة التي اوردها في حديثه ذكر ان الرسول (ص) عندما دخل مكة منتصرا، أمر بتكسير الأصنام المعلقة على الكعبة بهدف تطهيرها لكنه (ص) لم يأمر بدخول أي بيت للبحث عن ذلك. وأوضح ان النظرة الضيقة لتفسير النصوص الدينية وسحبها من إطارها الزماني والمكاني وتطبيقها على الآحاد من الناس هو ما يقود الى مثل هذا الفهم المحدود، داعيا الى قراءة الآيات والروايات ضمن سياقاتها التي جاءت فيها. وبين الشيخ الناصر أن هناك عوامل عديدة تساهم في تفجر العلاقة وتوترها في المجتمعات المتدينة من بينها القراءة المنغلقة للتراث، واستغلال الدين كأحد أدوات الصراع السياسي والمصلحي، وغياب الضوابط العلمية وأجواء الحوار المنضبط، وضعف القيادات الدينية البارزة عن تحمل مسئولياتها، والاستغلال السيئ للفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، وغياب الوعي بالمصالح العليا المشتركة.
وبين ان الكثير من هذه الصراعات القائمة تتغلف بغلاف ديني كي تأخذ قدسية اكبر، منتقدا التعاطي مع المختلف دينيا على أنه عدو يناله السب والشتيمة واللعن والدعاء عليه بالإبادة من على المنابر. وحول العلاقة بين اتباع المذاهب داخل الدين الواحد، أوضح الناصر أن نشوء المذاهب أتى نتيجة لتعدد الاراء والاجتهادات والقراءات الفقهية والعقدية والتاريخية، وأن الصراعات التي نشأت بينها بسبب التوظيف السياسي، حيث أنها مرت بمراحل تاريخية طويلة كانت العلاقات بين اتباعها تتسم بالإيجابية والحوار العلمي الموضوعي. ودلل على ذلك بأن التنوع المذهبي لم يكن مبررا لأي صراع بين الأتباع، حيث أن العلاقات كانت إيجابية في المجتمعات العربية إلى عهد قريب مما يعني أنها طارئة وتعود لأسباب سياسية. ومن أجل تعزيز التعايش بين المختلفين دينيا، دعا الشيخ الناصر إلى الاحترام المتبادل وعدم النيل من مقدسات الآخرين، وضرورة إلغاء الجدل في المعتقدات والخلافات الفقهية خارج الإطار العلمي، وفصل قضايا وأحداث التاريخ عن المعتقد، وتصدي المرجعيات الدينية لتعزيز الاحترام المتبادل.
وبدأ النقاش بمداخلة من مدير الندوة عن دور كتب التراث في التحريض الطائفي وكونها مصدر لكل موارد الخلافات القائمة مؤكدا على أهمية تنقيحها ومراجعتها كي تفك هذه الأزمة القائمة، وأشار أستاذ صالح عمير إلى اعتبار الطائفية مرض سرطاني خطير في الأمة ينفجر بين فترة وأخرى مشددا على دور المرجعيات الدينية في المعالجة وتخفيف التوتر الطائفي. وقال الأستاذ حسن الجميعان أننا قررنا عدم التصالح مع واقعنا وعدم انسجامنا مع هذا الواقع وأصبحنا نعيش في بُطُون التاريخ، مؤكدا على أن العلماء والمرجعيات الدينية لم تقم بدورها المطلوب.
وطرحت الأستاذة هدى القصاب اشكالا حول آلية تفسير النص المقدس بما يتناسب مع الواقع حيث أنه ظل حبيس التاريخ والعقليات التقليدية التي بقيت متحجرة ومتصلبة، إضافة لكون الجدليات متركزة حول القضايا الجزئية التي تؤسس للاختلاف المتواصل. وأكد الدكتور عبد العزيز الحميدي على أهمية تربية الأبناء على الاحترام وتعليمهم مسببات الخلافات وطريقة التعامل معها بصورة مرنة وأخلاقية. أما الأستاذ زكي البحارنة فأكد على أن هناك مغذيات داخل كل طائفة تقود إلى التوتر وتصعيد الخلاف مع الآخر، كما أن هناك مسببات خارجية أيضا تعمق الطائفية وتؤثر في مساراتها. وأوضح الأستاذ علي الرضي أن المذهبية الضيقة هي من أسباب التوتر والخلاف وأن التعايش خارج الذهنية المذهبية قد يكون هو الحل الأنسب.
وأشار الأستاذ محمود العيد أيضا إلى مشكلة التراث وتأثيره على الحوار بين المختلفين حيث أنه يغيب العقل في معظم الأحيان ويبقى التمسك بالنص هو السائد. وفي نهاية الندوة علق راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب بأن الجميع شركاء في المشكل الطائفي بلا استثناء، فالتوتر القائم هو نتيجة للتراكمات وخطاب التحريض المشترك من كل الأطراف، مشيرا إلى أن السياسة تلعب دورا كبيرا في تأجيج الخلاف وتنمية التطرف والتحريض ضد الآخر، وأوضح أن المعالجة لا ينبغي أن تقتصر على الأخلاقيات والمناقبيات وإنما على وجود قانون واضح يعزز قيم المواطنة ويحمي أي طرف من الاعتداء على معتقداته وثوابته ويعاقب أي تحريض أو خطاب كراهية، واستشهد بحياة المسلمين على اختلاف وتنوع مذاهبهم في الدول التي تنعم بقوانين واضحة وحازمة.المعالجة ليست اخلاقية بل قانونية
المحاضرة الكاملة: