ضمن أهتمامه بتوعية المجتمع حول القضايا الصحية، وتزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة السرطان، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف في موسمه الثقافي السادس عشر الدكتور عبد الواحد نصر المشيخص استشاري الجراحة بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، في محاضرة ثرية تحت عنوان “الأورام السرطانية: المسببات والعلاج”، وذلك بتاريخ 7 جمادى الأول 1437هـ الموافق 16 فبراير 2016م، وأدار الندوة الدكتور علي زكي الخباز، بحضور جمع من المتخصصين والمهتمين.
وكعادة المنتدى في أقامة فقرات ثقافية مصاحبة للندوة في كل أسبوع، تحدث فنان الخط العربي عبد السلام العباد – الذي أقام معرضا فنيًا بالمنتدى- عن بداياته وتطور تجربته مع الخط العربي ابتداء من تقليده الخط رسما بأدوات تقليدية إلى أن تميز في هذا المجال، كما تناول في حديثه أهم المعارض المحلية والدولية التي شارك فيها، وتحدث أيضًا عن أعماله الفنية التي عرضها في المنتدى. وتم كذلك تكريم الأستاذة التربوية زكية العبد الجبار على نشاطاتها الاجتماعية المتواصلة حيث تحدثت عن تجربتها في العمل التطوعي والاجتماعي من خلال وعيها الأسري المبكر بالمسؤولية تجاه المجتمع، كما أشادت بجهود المؤسسات الأهلية والمهرجانات التراثية التي تحتضن الطاقات والكفاءات وتهيأ لها فرص العمل التطوعي.
في بداية الأمسية قدم مدير الندوة الدكتور علي الخباز المحاضر الدكتور عبد الواحد نصر المشيخص معرفا به أنه من مواليد مدينة العوامية بالقطيف في العام 1958م، وحصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة دبلن بالمملكة المتحدة في عام 1984م، وزمالة كلية الجراحين الملكية في تخصص الجراحة في عام 1989م. وعمل الدكتور المشيخص كأخصائي ثم كإستشاري جراحة ثم رئيسا لأقسام الجراحة في مستشفى الدمام المركزي، وفي العام 2005م أسس قسم الجراحة في مستشفى الملك فهد التخصصي فور إفتتاحه، وعمل رئيسا للقسم لمدة 6 سنوات متتالية، له كتابات متخصصة وهو عضو في رئاسة تحرير عدة مجلات ودوريات طبية معروفة.
استهل الدكتور المشيخص حديثه بتوضيح شعار منظمة الصحة العالمية الذي اختارته هذا العام بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة السرطان، وهو “نحن نقدر … أنا أقدر، معا نتحدى السرطان”، ثم بدأ في سرد الإحصائيات المسجلة والصادمة حول هذا المرض، حيث أكد على أن هناك 140 مليون حالة سرطان جديدة تشخص كل عام حول العالم، ينتج منها 80 مليون (57 بالمئة) حالات وفاة بسبب السرطان. وأشار إلى أن لكل منا دور يمكننا عمله لتقليل حدة السرطان وتخفيف أثره السلبي على المصاب وعائلته ومجتمعه، حيث أن السرطان مرض مجتمع وليس مرضا شخصيا، فالأثر الذي يتركه في أوساط الأسرة والمجتمع كبير وشامل. وتناول المحاضر بعضا من النماذج الواقعية التي عاشها ضحايا هذا المرض بأشكال مختلفة والتي تبين مدى الحاجة لدعم ومؤازرة المرضى المصابين به، مؤكدا على أن الشفاء التام من السرطان ليس بالأمر المستحيل بل هو ممكن.
تطرق بعدها الدكتور المشيخص إلى بعض الإحصائيات التي وثقها السجل السعودي للأورام خلال الفترة من 1994-2008م حيث سجلت 135 ألف حالة خلال الفترة المذكورة، أي بمعدل 9 آلاف حالة سنويا، كانت نسبة إصابة الذكور فيها 51.6٪، والإناث 48.4%، موضحا أن الإحصائية أثبتت ارتفاعا بمعدل 1.5% في كل عام، وأن أكثر الفئات العمرية إصابة بالسرطان هي ما بين 40-64 سنة. وأشار أيضا إلى أن سرطان الثدي يأتي في مقدمة أنواع الإصابة يليه سرطان القولون والمستقيم، ثم الغدد اللمفاوية، الغدة الدرقية، وسرطان الدم، والكبد ثم الرئتين. وأشار المحاضر أن الدراسات تشير إلى أن المنطقة الشرقية هي الأعلى في الإصابة بأورام السرطان، ثم منطقة الرياض وتبوك والقصيم ثم الجوف والمدينة. وفي المنطقة الشرقية يعتبر سرطان الثدي هو المتصدر في أنماط الأورام السرطانية، ويليه القولون والمستقيم، وبعده الغدة الدرقية، وثم اللوكيميا.
تطرق بعد ذلك الدكتور المشيخص للتعريف بالسرطان موضحا أنه ورم خبيث يمكنه إصابة كل أعضاء الجسم تتميز خلاياه بالانقسام اللامحدود والغير طبيعي وينتشر عبر الدم او الجهاز الليمفاوي إلى مختلف أعضاء الجسم. وبين أن هناك بعض الأورام قد تكون حميدة حيث تكون عبارة عن تجمع للأنسجة داخل غشاء محدد وليس له القدرة على الانتقال إلى أنسجة بعيدة كالأكياس الذهنية، وأورام الثدي الليفية وأورام الرحم الليفية ولكنها قد تتطور لورم سرطاني خبيث. كما أشار إلى أن السبب الرئيس لأورام السرطان لم يكتشف بعد ولكن هناك مسببات يمكنها في الأغلب أن تحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية بسبب تفاعل عدة عوامل منها جينية كحدوث طفرة في الحمض النووي، وبيئية كالإشعاعات المضرة والمواد الكيميائية، وبعض الأمراض المزمنة كالسمنة والتهاب القولون والكبد الوبائي والأيدز، وعوامل أخرى مثل كثرة الوجبات السريعة والتدخين والكحول ونمط حياة الكسل والخمول.
وشرح المشيخص أعراض السرطان موضحا أنها تختلف باختلاف نوع الورم ومكانه مع وجود أعراض شائعة منها نقص الوزن بدون مبررات، إستمرار عسر في الهضم وصعوبة البلع، تغير طارئ في عملية التبرز، النزيف الدموي من فتحة الشرج او حلمة الثدي، بحة أو تغير في الصوت، إلتهاب رئوي متكرر، تغير ملحوظ في الشامات أو الزوائد الجلدية. أما حول تشخيص الورم السرطاني فأكد المحاضر على أنه يتم من خلال إجراء فحص سريري شامل، وفحوصات طبية شاملة، وتاريخ مرضي مفصل، وتحاليل دم مخبرية، وفحوصات إضافية متخصصة، والفحص بالمنظار وأخذ العينات المخبرية. وبين المشيخص على أن السبل العلاجية للمرض تعتمد على نوعية المرض وحجمه ونوعه، وما إذا كان هناك أي انتشار للمرض في أعضاء بعيدة والوضع الصحي العام للمريض. وأسهب المحاضر في شرح سبل علاج السرطان مشيرا إلى أن العلاج الجراحي يكون بإستئصال جزئي أو كلي للورم، والعلاج الكيميائي ويعطى على شكل جرعات في شكل حقن أو محاليل أو حبوب لهدف القضاء على الخلايا السرطانية وإيقاف نموها.
وأوضح أن العلاج الإشعاعي عبارة عن تسليط أشعة سينية عالية مباشرة إلى الورم نفسه، مما يتسبب في إتلاف الخلايا السرطانية وإيقاف قدرتها على التكاثر والنمو، كما أن العلاج الهرموني يعطى لوقف تأثير الهرمونات المنشطة للخلايا السرطانية، ولكن بعد الخضوع لإحدى العلاجات السابقة. وأشار إلى أن العلاج البيولوجي “الموّجه” هو عبارة عن عقاقير تعمل على تقوية جهاز المناعة في جسم الإنسان وتتميز بقدرتها على التوجه مباشرة للخلايا السرطانية فقط واصابتها دون إلحاق الضرر بالخلايا السليمة الاخرى.، أما العلاج التلطيفي أو الرعاية التلطيفية فهي تحويل المصاب الميئوس منه إلى قسم يهتم برعايته واعطائه جرعات تخفف عنه الألم والمعاناة وهي تعالج الأعراض فقط وليس الورم نفسه.
تناول بعدها المحاضرة أهم عوامل السيطرة على مرض السرطان منها الوقاية كتجنُّب حالات السمنة وتجنُّب تناول المشروبات الكحولية والإقلاع عن التدخين وتناول الأغذية الصحية والإسراع باستشارة الطبيب – دون تردد – عند حدوث أي اعراض او تغيرات غير طبيعية في الجسم. وبين المشيخص أن الكشف المبكر للمرض من أهم عوامل السيطرة والوقاية وذلك عن طريق إجراء الفحوصات الدورية والمتابعة الدائمة حين الشعور بأي أعراض غريبة أو كالتي ذكرت سابقا، وأخيرا فإن من سبل الوقاية خلق بيئة صحية مليئة بالنشاط والحيوية.
بدأت المداخلات بمشاركة من الأستاذ فيصل الصديق حول عوامل شفاء بعض مرضى السرطان في حين أن آخرين لا يستطيعون المقاومة وتأثير العامل النفسي على المريض، كما تحدث الأستاذ إبراهيم البراهيم عن أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض السرطان في المنطقة الشرقية عن بقية مناطق المملكة، مستوضحا عن التفسير العلمي لذلك. وطرح الأستاذ أحمد الخميس تساؤلا حول سبب نشوء الورم السلطاني هل هو ناتج عن الخلل في منشـأ الخلية أم في ضعف مناعة الإنسان المصاب نفسه، وعما إذا كانت الهندسة الجينية تستخدم في علاج مثل هذه الحالات.
وطرحت الدكتورة إباء الخميس تعليقا حول النسب العالية للإصابة بمرض السرطان في بعض المناطق دون غيرها، ووجود قواسم مشتركة بينها يؤدي لارتفاع الإصابة فيها وعن معدل الإصابات الموجود عالميا. وتساءلت الأستاذة نجاة العبد الجبار حول الأشعة الملونة وتأثيرها وآثارها الجانبية ومدى فاعليتها، كما تساءل الأستاذ مصطفى الشعلة عن جدوائية العلاجات البديلة ومدى فاعليتها، مؤكدا على أهمية تفعيل برامج الكشف المبكر على المستوى الوطني.
المحاضرة الكاملة: