على مستوى التعبير والنشر معاً؛ لن نجد في القطيف من اعتزّ بهويته المحلية وعبّر عنها في الشعر العامي؛ كما صنع على المصطفى. وإذا كان هناك من أصوات شابّة راهنة؛ فإنها عيالٌ على عياله.. وربما عيالٌ على عيال من عيال عياله..!
في القطيف شعرٌ عاميٌّ كثيرٌ، كثيرٌ جداً. إلا أن كتّابه الناشرين ـ على الأقل ـ لم يكونوا على مستوى الثقة في هويتهم، ولم تصنع مواهبهم في الشعر عُشر ما صنعه المصطفى في هذا الصدد. وأقصى ما قدّموه ـ لسانياً ـ لا يتجاوز استعارة هوية أخرى، وتحميل لسانها مضامين التعبير الشعري..!
الفنُّ ابن أرضه أولاً وأخيراً، والموهبة الأصيلة هي القادرة على استحضار هذه الأرض إلى منصّة الفن عبر لغة إنسان الأرض، لا لغة إنسان أرضٍ أخرى. لا تحتاج هذه القيمة إلى إعمال تفكير طويل، ولا إلى مناهج نقدية تحلّل بُنية اللغة وبُنية المضمون في شعر علي المصطفى، وتقارنها بمنتج الآخرين الذين كتبوا بلهجات دارجة في القطيف..!
ببساطة؛ كلهم ـ تقريباً ـ استخدموا اللهجة العراقية، الجنوبية تحديداً، ليكتبوا الشعر. ومن دون أن يشعروا؛ مسخوا هويتهم لصالح هوية أخرى.
قد يبدوا هذا التشخيص قاسياً في عمومه. بيد أن جولةً واحدة فيما طرحه أدباء القطيف، من أدبٍ عاميٍّ، يقودنا بسهولةٍ إلى هذه النتيجة، نتيجة الاستلاب الطاغي في أدبنا الشعبيّ.
علي المصطفى كان استثناءً في هذا الإنتاج الجَمعيّ المتراكم عبر أجيال بلا أدنى مقاومة ثقافية أو اجتماعية. كتب شعره بلسان أهله، واستلهم إشارات أرضه، فاصطفّت النخيل وبساتينها في مصفوفات أغانيه الهامسة، وتماوجت السفن، وتناثر لؤلؤ بحر القطيف، وتتابعت أسماء الأرض التي تفتّحت حواسه على تفاصيلها.كلُّ شيءٍ قطيفي في شعر علي المصطفى، وهذا هو الطبيعي التلقائي في أي تجربة إبداعية أيّاً كان صنفها.
في التشكيل؛ لا تحتاج إلى رسم غابات الأمازون لتُبت أنك إنسانيٌّ، بل إلى أن تجعل من نخل أرضك أو بحرها أو رمالها ثيمة تنفتح على إنسانية التعبير فيها. ليس مهمّاً أن ترسم كلاسيكياً، أو أن تجرّد النخلة من خوصها وعذوقها. المهمُّ أن تكون أنت ذاتك، وتكون أنت أرضك، وتكون أرض مجتمعك، ثم تأتي القوالب والمدارس لاحقاً.
كذلك في الموسيقى، في السرد، في المسرح، في كلّ فن. علي المصطفى أدرك ذلك تماماً، فيما لم يشعر الآخرون بما يفقدون..!