النقد الموجه لمناهج التعليم الديني ليس موجها إلى الدين

3٬320

ألقى الدكتور حمزة المزيني محاضرة في منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء الماضي تحت عنوان (قضايا في التعليم)، تناولت أبرز التحديات والمشاكل التي تواجه التعليم ومناهجه في مختلف المجالات. وحضر الندوة عدد كبير من المشتغلين والمهتمين بموضوع التعليم، وإعلاميون وشخصيات دينية واجتماعية. وقدم الندوة أسعد النمر الذي تحدث عن أهمية موضوع التعليم وتطويره في هذه المرحلة التي تعج بالعديد من المتغيرات على مختلف المستويات. وأكد في البداية مشرف المنتدى جعفر الشايب على أن التعليم يعد لبنة أساسية في التحول الحضاري للمجتمع، ومشيدا بالدور الذي يلعبه الدكتور المزيني في متابعة وطرح آراء جادة وبناءة في مجال تطوير التعليم ومناهجه. وبدأ المحاضر حديثه بنقد الثقافة السائدة من ناحية ركونها للمألوف وعدم قدرتها على التجديد أو قبول النقد، مؤكدا على أن ذلك من أبرز معوقات التقدم والتطوير، ومشيرا إلى أن موضوع التعليم يشتمل على قضايا إيجابية عديدة ولكن المهم هو العمل على دراسة ونقد وتصحيح السلبيات من أجل تطوير مختلف جوانب التعليم وجعله وسيلة رافعة تساهم في النهوض الحضاري لأي مجتمع. وذكر المحاضر بعض المشاكل التي يعاني منها التعليم ومن أبرزها عدم تهيئة المباني المدرسية بصورة مناسبة مما يسبب في تكدس أعداد كبيرة من الطلبة في الفصول الدراسية ويؤدي ذلك الى ضعف استيعابهم للمواد التعليمية. كما تحدث عن مشكلة ضعف كفاءة المعلمين نتيجة لتخرج العديد منهم من معاهد تعليم أولية كانت تهتم بتخريج معلمين بصورة سريعة أدى إلى عدم قدرتهم على تطوير ذواتهم، إضافة الى غياب التدريب المستمر لتكييف المعلمين مع المستجدات التقنية والعلمية في مجال عملهم. واستعرض الدكتور المزيني مشكلة انحراف مناهج التعليم عن غاياتها المستهدفة في السياسة التعليمية للدولة، بحيث اتجهت للأدلجة والشعارات التي تساهم في توليد حالة من الاحتقان الهائل في نفوس الطلبة، بدلا من أن تساهم في تعليم وإتقان المهارات العلمية والأدبية اللازمة. وأشار الى أن نتيجة ذلك هو ايجاد شخصيات قلقة قابلة للتجييش وخاصة مع وجود برامج ومعلمين يستغلون الشعارات المؤدلجة ويخلقون برامج عملية تساهم في تطويع الطلبة بدلا من بناء قدراتهم الذاتية وشخصياتهم المستقلة.
كما أشكل أيضا على طول فترات بعض المناهج التربوية وخاصة الدينية منها، بحيث تكرر نفس المعلومات ولسنوات دراسة الطالب بصور مختلفة، وتقوم بالتركيز على قضايا من المفترض ان تكون التربية الأسرية مسؤولة عنها وليس المدرسة. وخلص المحاضر إلى أن ذلك ينتج عنه أن معظم هذه المواد لا يكون لها تأثير حقيقي في شخصية الطالب حيث تتبخر المعلومات تدريجيا حال الانتهاء من اختبارات المادة، مؤكدا على أن التربية الدينية ينبغي ان تهدف الى تعليم علوم الدين والحث على التقيد بالأخلاق في التعامل مع الآخرين والعمل على إيجاد المشتركات وليس تصنيف الناس واتخاذ مواقف صدامية منهم. وأشار المحاضر الى أن هنالك جدية في هذه المرحلة الى تطوير مناهج التعليم من قبل العديد من الجهات المسؤولة نظرا لشعورها بأهمية هذا الجانب وضرورة التعاطي السريع معه، وبالخصوص أهمية مراعاته لقضايا التنوع والتعددية القائمة في المجتمع السعودي حتى لا يؤدي ذلك الى ايجاد مواقف سلبية ومتشنجة ضد الآخرين أو فهم الدين بصورة ضيقة طبقا لتفسير معين. وأعرب عن تفاؤله لبروز الحالة النقدية لمناهج التعليم ومختلف شؤونه، حيث بدأ التمييز بأن النقد الموجه لمناهج التعليم الديني ليس موجها الى الدين أو الى المؤسسة بقدر ما هو موجه لطريقة التعليم ومنهجيته، معتبرا بأن مقاومة التغيير والتطوير أمر طبيعي ينبغي التعاطي معها بالصبر والجدية وليس بالانفعال. وبعد محاضرته فتح المجال للنقاش بين الحضور واستقبال الأسئلة والمداخلات، حيث أشار الدكتور المزيني في رده على إحدى المداخلات الى مصطلح (ثقافة الموت) السائدة في بعض برامج التعليم مؤكدا على أنها توجد لدى الطالب استعدادا نفسيا لاعتبار الموت مسألة طبيعية ومقبولة ومرغوبة والاستخفاف بالحياة مما يجعله فريسة للاتجاهات التحريضية التي قد تزين له أعمال العنف. كما أكد على أن تعليم الدين ينبغي أن يركز على الأخلاقيات السلوكية والحياة الاجتماعية في ضبط التعامل مع الآخرين من أجل تأكيد وتحقيق السلم الاجتماعي، مشيرا الى أن مشاكل التعليم لا تقتصر على المناهج فقط بل تمتد الى مختلف جوانب البيئة التعليمية. وتحدث الدكتور معجب الزهراني في مداخلة له على الموضوع حيث أشاد باهتمام الدكتور المزيني بقضايا التعليم في مختلف أبعادها، مشيرا الى أن هنالك خللا في مفهوم العلم حيث أنها تنقسم الى علوم دقيقة وعلوم إنسانية بما في ذلك العلوم الدينية بصفتها علما لا ينبغي أن تكون لها قدسية خاصة حيث أنها جزء من العلوم الإنسانية، ولذا فينبغي مواجهة الضلالات المعرفية التي تشوب أي من العلوم بكل تجرد وموضوعية. وأكد بعض المتداخلين في حوارهم الثري حول قضايا التعليم على أهمية بلورة ثقافة وطنية توحيدية في مناهج التعليم تعزز الوحدة الوطنية وتقرب بين الاتجاهات المختلفة والمتعددة في المجتمع، وأن يساهم التعليم في ايجاد شخصية وطنية عابرة للمذاهب والمناطق والانتماءات المغلقة وقادرة على التعاطي مع الشؤون الوطنية بكل جدية وإخلاص.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد