الفضيل يعتبر مكة أول نموذج للمدينة الكونية

3٬327

زيد الفضيل
الفضيل أثناء محاضرته
شارك أعضاء منتدى الروضة الثقافي والاجتماعي (المركاز) بجدة في الندوة الثقافية التي استضافها منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء الماضي وبحضور ثقافي وإعلامي متميز ألقى فيها الدكتور زيد الفضيل محاضرة حول (المثاقفة في التراث المكي). وأدار الندوة الكاتب ذاكر آل حبيل عضو اللجنة المنظمة للمنتدى حيث استعرض أهمية الثقافة في بناء الإنسان وبلورة وعيه وتمكينه من التعايش مع أبناء جنسه، مشيراً إلى أهمية المنتديات الثقافية الخاصة في بث الوعي ونشر الثقافة وتعزيز التواصل بين مختلف أطياف المجتمع واتجاهاته. واستعرض الحبيل ملامح من سيرة المحاضر الدكتور زيد الفضيل الحائز على شهادتي ماجستير في فلسفة اللاهوت وفي التاريخ الحديث من جامعة الملك سعود ويعمل حالياً على انجاز متطلبات شهادة الدكتوراة في التاريخ من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة وعمل محررا ثقافيا في جريدة (الرياض) ورئيساً للقسم الثقافي بمجلة (الحج) كما انه أحد اعضاء مجلس إدارة منتدى الروضة الثقافي والاجتماعي بجدة. وتحدث المحاضر بداية عن تجربة منتدى الروضة بجدة ومبررات تأسيسه لتعزيز التضامن وتنمية المعرفة والجمع بين الهم الاجتماعي والفكري، مستعرضاً تطلعات المنتدى إلى تفعيل حركة التفاهم والحوار بين مختلف الأطياف الفكرية وتشكيل بوادر ما يمكن أن يتبلور في الوعي من فهم سليم لدور ووظيفة مؤسسات المجتمع الأهلي. مشيراً إلى أن المنتدى حوى ضمن مؤسسيه ورواده علماء ومثقفي جميع أطياف المجتمع الفكرية الذين أخذوا على عاتقهم مهمة تحقيق خاصية الإصغاء لبعضهم البعض وتفعيل جوانب الحوار البناء بعيدا عن المزايدات الكاذبة والخطاب الصوتي العقيم مواكباً الرؤى الوطنية القاضية بذلك والساعية إليه.وقدم المحاضر بعد ذلك ورقته التي جاءت تحت عنوان (المثاقفة في التراث المكي – الشخصية المكية نموذجاً) واستهلها بتعريف الثقافة بأنها (جميع السمات الروحية والمادية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، والتي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة والحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والمعتقدات والتقاليد) موضحا الفرق بين مفهوم (الثقافة) و(العلم) و(المعرفة) وما شاكلها. وتحدث الدكتور الفضيل بعد ذلك عن تأثر الشخصية المكية بقدسية المكان وبروح ومظاهر التعاليم الدينية الحاضة على قيم التسامح والمحبة والخير. وانطلق المحاضر متحدثاً عن دور مكة الثقافي قبل الإسلام وبعده وحتى وقتنا الراهن حيث إنها مثلت شكل الدائرة للإشعاع الديني الثقافي المتوهج فكانت المصدر والانعكاس في وقت واحد، فمنها خرج العلم والعلماء واليها عاد العلم والعلماء عبر آلية ما يعرف بـ(المجاورة) لبيت الله وكعبته المشرفة. واحتفظت مكة المكرمة بمرجعيتها اللوجستية لمختلف القوى السياسية الراغبة في تسيير أمر الأمة، إذ ما من سلطة يمكنها أن تحوز على كامل الشرعية لبسط نفوذها السياسي على العالم الإسلامي إلا بعد تمكنها من حكم مكة المكرمة.
وتحدث الدكتور الفضيل عن المثاقفة باعتبارها عملية التغيير والتطوير الثقافي الطارئ على مختلف الجماعات البشرية جراء حميمية التواصل والتفاعل بين بعضهم البعض، الأمر الذي تظهر ملامحه في مجمل الأنماط الثقافية السائدة، مؤكدا على أن ذلك يؤدي إلى تنمية كيانها الثقافي بشكل خلاق وغير مضر بمقومات الهوية الوطنية أو القومية وثوابتها، وعليه فإن شيوع (المثاقفة) في أي مجتمع بصورتها الإيجابية سيوفر مساحة كبيرة لنماء ثقافة ايجابية تعنى أساسا بنقد الذات من خلال بعث حركة نقدية بينية شاملة. وأكد المحاضر في ورقته على أن المكيين عاشوا سمات وخصائص ثقافة المثاقفة بسبب ما قدر لمدينتهم أن تكون أول نموذج للمدينة الكونية تفتح ذراعيها للآخر مهما كان جنسه أو مكانته . ولخص توصيف الشخصية المكية ضمن خصائص الشخصية الحجازية حسب وصف الرحالة الأديب المصري محمد لبيب البتنوني في كتاب (الرحلة الحجازية) بقوله (خليط في خلقهم، فتراهم قد جمعوا إلى طبائعهم وداعة الأناضولي، وعظمة التركي، واستكانة الجاوي، وكبرياء الفارسي، ولين المصري وصلابة الشركسي، وسكون الصيني، وحدة المغربي، وبساطة الهندي، وحركة السوري، وكسل الزنجي، ولون الحبشي، بل تراهم جميعاً بين رفعة الحضارة وقشف البداوة). وأكد المحاضر على أن الأثر الايجابي لحركة المثاقفة في مكة المكرمة امتد إلى الجوانب العلمية أيضا مشيراً إلى أن الوافدين كانوا محور النهضة العلمية ومصدر نشاطها من خلال مشاركة العديد من الجاليات السالفة في نمو وتيرة الحركة العلمية عبر اهتمامها ببناء المدارس وإقامة الحلقات العلمية. وأكد الفضيل في نهاية محاضرته على أمله في إعادة وتيرة التعددية الايجابية وتوسيع دائرتها لتشمل مختلف المذاهب الإسلامية التي أقرتها وثيقة مكة التاريخية مؤخراً ونص عليها المؤتمرون من زعماء الأمة وقادتها. ثم تحدث الشيخ الدكتور عدنان الزهراني – عضو منتدى الروضة الثقافي الاجتماعي- مؤكداً على الدور الذي لعبته مكة ومازالت في المجال الثقافي على مستوى العالم الإسلامي ومشيراً إلى أهمية التواصل بين المنشغلين في هذا المجال الهام وتعزيز المشتركات من خلال التعارف وتبادل اللقاءات والحوارات. كما تحدث الدكتور واصف كابلي عن أنماط الحياة الاجتماعية والتجارية والثقافية في مكة المكرمة ودور أهالي مكة في اهتمامهم في خدمة حجاج بيت الله قبل انتشار ثقافة الاستهلاك والسعي وراء الربح المادي من ذلك، مشيرا إلى اطلاعهم وتعاطيهم مع مختلف الثقافات والاتجاهات المذهبية والفكرية وتعاملهم معها بصورة إيجابية ومتبادلة. كما تحدث الشيخ محمد العطية حول تجربته الشخصية في معيشته في مكة المكرمة والايجابيات التي عايشها خلال هذه التجربة، مؤكدا أنه لم يشعر بالغربة أبداً وهو يعيش بين مختلف الأنماط الثقافية والفكرية بل وجد فيها ثراء فكرياً متنوعاً.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد