تناغمت إيقاعات المساء وتراتيل الشعر مساء الثلاثاء 12/فبراير/2008م، الموافق5/صفر/1429هـ في منتدى الثلاثاء الثقافي إذ كللته بأمسية شعرية للشاعرين محمد مهدي الحمادي وزكي السالم، قدم لهما الشاعر ياسر الغريب معرفا الحضور بهما، والشاعر محمد الحمادى شاعر من مواليد القطيف للعام 1399هـ، حاصل على بكالوريوس في التاريخ من جامعة الملك سعود بالرياض عام 1421، يعمل في وزارة الثقافة والإعلام في التلفزيون السعودي، استضافته الإذاعة السعودية في برنامج «أوراق شاعر»، كما استضافته مجلة الشرق التي تصدر من الدمام في لقاء خاص به عام 1425هـ، نشرت له الكثير من القصائد في الشبكة العنكبوتية وفي الصحف السعودية والعربية مثل «اليمامة، اقرأ، الشرق، المجلة العربية، الصباح التونسية» وغيرها، وله العديد من الدواوين المطبوعة مثل بقايا من جراح، مسافر، فلسفة الحب.
أما الشاعر زكي السالم، فهو من مواليد الأحساء للعام 1388هـ، حاصل على دبلوم المعهد الثانوي التجاري بالأحساء، ويعمل بالقوات البحرية في المنطقة الشرقية، أجرت معه استضافته الإذاعة السعودية كذلك في برنامج «أوراق شاعر»، وأجرت معه بعض القنوات لقاءات أدبية، كقناة الأنوار والفرات الفضائيتين، نشر قصائده في الكثير من الصحف والمجلات المحلية والعربية، وله الكثير من المقالات والرؤى النقدية، هو عضو مؤسس لمنتدى شعراء الأحساء، كما أنه عضو نادي المنطقة الشرقية الأدبي، وله مجموعة شعرية مطبوعة بعنوان مرفأ الأماني.
بدأت الأمسية بالشاعر الحمادي الذي رحب بالحضور، وشكر المنتدى على دعوته الكريمة التي وجهها له، مشيدا بنشاطه الملموس وما يضيفه من حراك ثقافي في المنطقة.
«نصفها في الكأس»، كانت بسملة نصوصه، إذ وجه خطابه فيها لمحبوبته التي كان لجمالها الخيطي على جرحه متكأ، كما كان لها بين فواصل شهقاته أغنية يطاردها أناه المجنون في شتى صوره، حتى بات يطالبها حينا بأن تكون مغامرة تخالف هواه تنطفئ إذ يشتعل، وتشتعل إن هي أرادت، معللا بما ينفخه ذلك فيه من قدرة على نسيان ماض أليم يرهقه إن هي لم تغامر، يقول لها:
وغامري كي لا تخونك أعين الشبق المخيفة
حرري جسدا بمفترق الطريق يصارع الأضواء
واعتقلي العبارة
أوثقي الماضي بحبل من مسد
إني إذا هبت جموع الخوف تسلك وجهك الناري
أمشي حاملا وجعي القديم
وبعض قافية يراقصها الرماد
الأستاذ زكي السالم، أتبع الحمادي بنص يوازيه غزلا، واستبقه بشكر للمنتدى وراعيه وترحيب بحضوره.
وكان السالم قد تلبس نصفه الآخر توأما لروحه، فجاءت صدور أبيات نصه (توأم الروح) متوائمة مع أعجازها كفلقتي بذرة ألقيت بفيض قلب وهوى مستور فكانت النتيجة أن:
حتى إذا ما جـئتُ أقـطفُ جَـنـيَهَـا ألفيت شخصكَ عالـقا بجــذوري
فمزجت فِي دنــياك كل مشاعـري وأذبت فيك مطَامِحي ومصـيري
ودخلت في نفسِي فكنت شهيقها وطـردتَ كل منـافِـس بـزفيـري
وقبل أن يبدأ الشاعران ترتيلة أخرى، استعرض مقدم الأمسية الشاعر ياسر الغريب ما كتبه الأستاذ عبد الحفيظ الشمري حول ديوان الحمادي الثالث (فلسفة الحب)، فذكر رأيه في أن الديوان جاء محملا بوهج الحب والعاطفة التي تبحث لها عن وطن تسكنه، تقر به وتكبر من خلاله فوق الألم، وأقوى من الجراح التي تخلفها الذكريات غير المبهجة غالبا.
فلسفة الحب، ديوان شعري يحمل بين دفتيه عددا من القصائد المتجلية باسم الحب والعاطفة والشعور الرقيق بالآخر الذي يحمل بذور الألفة والجمال، وذاك ما يبحث عنه الشاعر.
الحمادي، لم يكن ليحصر ذاته في محبوبة التي يراها شفاها يحترق نصفها في كأسه ويعاني نصفها الآخر مرارات فراقه، فهناك عشق آخر تمثل في وطنه الذي كانت له في حضرته تقاسيم أخرى نقشت على روحه ما انتشت بها أينما حلت، ذاك أنه ما زال يقبس من رؤاه حقيقة أضاءت شمسها ظلام حياته، يقول الحمادي:
وطني رسمتك للحقيقة صورة مزهية الألوان فـي لوحاتـي
وطني أذوب في حنانك أحرفي لتلم في شغف القصيد شتاتي
ها أنت تصنعني بشوق جارف وتعيش كالنبضات في أبياتـي
الأستاذ نزار رفيق بشير كان قد كتب مقالة نشرها في جريدة الجزيرة استفزت الأستاذ الغريب، فتحرش بالشاعر السالم ليلقي نصه «عـــودي» إذ ذكره بتساؤلات نزار عن أسباب هربها وصدودها مما سبب له الوجع والآهات.
الأسباب ذاتها تساءل عنها السالم في نصه، بيد أنه لم يخرج بنتيجة سوى تأكيد رغبته في عودتها بعيدا عن كل الاحتمالات الممكنة:
عودي فقد شُق الفــؤاد لـكِ وهــيـــــأ للمـــزيــد
وتـوزعت فـيه الـــرؤى حيرى ، تفتش عن فقيد
حتى خرجتِ بوجـهك الـ وضاء من خلـف الحدود
وأنا من الشوق المبرح رحت أهزأ مـن قيــودي
فأظل أحـطمها وأعـــدو نـحو قلـبك مـن جديـــد
وفي ذات الجو المشحون بالشوق وألم الفراق، كان للحمادي ذكريات تراوح بين مد وجزر تداعب أعضاءه وتنساب في صدره كلما هاج به الشوق:
أظل وحيدا بين أجداث غربتـي أعــانق أشــلائي ويخنقني فكـري
أعيش عذاباتي وأحيا تعاستي فيسكن حد السيف بالقلب والنحر
وعلى عكس السالم الذي كان يأمر حبيبته رغم حاجته لها بالعودة، كان الحمادي يتذلل لمحبوبته، يسألها العودة دونما أمر فيقول لها:
مياهك تحيينـي وتطفـي لواعجـي فصبي محيط العشق واحتضني بحري
حـزيـن وقيــدي دائـمـا مـا يذلنــي ففـكي القـيود الـسود واقتلعـي أسـري
وفي محاولة لتغيير جهة الشعر إلى الهزل، قرأ السالم ما كتبه من مواساة للشاعر السيد عدنان العوامي لما أضاع مفكرته التي كانت تضم بين دفتيها أرقام هواتف أصدقائه وأذويه فقال مما قال:
يا للمصائب قد جــاءت مـهرولــةً كأنما حُمــِلتْ من فوقِ «دَبـابِ»
فرحتُ أضربُ فيهــا غير مـكترثٍ أنّ الـذي فِي يَميني خــنجرٌ نابِـي
ورحتُ ألطمُ وجـهي باليدين معاً وأنطحُ الرأسَ من غيظي بدُولابِي
وأشربُ البحر لا أُبقي على سمك حتى غدوتُ عـــليهم شرَّ إرهابِـي
ليعرض على السيد العوامي عرضا مغريا جاء فيه:
إن كان يُرضيك خذ قلبي مفكرةً ومحجري دفتراً والحرفَ أهدابي
وخذ دمائي مداداً والعروق بهـا الأقلامَ والـنبضَ منـها لهثَ كُتـاب
بيد أن الحمادي كان لا يزال مصرا على استغلال المساء للتخلص من بعض زفراته الأليمة فألقى نص «طفل على قارعة الأمل» الذي صاحبه عرض مرئي أخرجه الأستاذ محسن الحمادي، وأهداه لذوي الاحتياجات الخاصة من الأطفال، وفيه كان الطفل القعيد صورة من الأمل الذي يحلق بأروقة الفضاء ليداعب قدرا حزينا أعجزه، فالأبيض الموشوم في قلق السحاب يصوغ بالأمل المنى، يقول الشاعر:
هذي خيوط الشمس
نافذة السلام
على فؤادك
مترع لحن الوفاء بكفك اليمنى
ونبض الحب في يسراك
يخترق السماء مع ابتهال المؤمنين
تتالت القصائد بين الشاعرين غزلا بها لأمسية وشاحا ملونا بوردي الغزل وبياض الأمل ورمادي الروح حين يلفها الإدبار، فاستنطق السالم حبيبته جرأة وتماوج مع جرأتها استسلاما حينا، وصدا حينا آخر، وتنسك الحمادي في محرابها هياما، ليتوضأها لقاءا حينا، ويصليها فراقا حينا آخر.
وصفا، فأجادا الوصف، وصورا، فأتقنا التصوير، لم تكن هناك كاميرا، كان الخيال، والصدق، والشفافية فقط، وكلهم كان الكفيل بكل ذلك.
الشاعر الأستاذ ياسر الغريب كان يذيل كل نص برؤية نقدية يستلهمها مما يطرح، وربما من قراءات سابقة لشعراء وكتاب، فاستحضر محمود درويش، والغذامي، والبياتي وأدونيس، متطرقا لشاعرية الشاعر، وقيوده، وهواجسه.
وفي مقابل ذلك كله، كانت أذهان الحضور قبل أعينهم تلتقط الصور، وأرواحهم قبل آذانهم تشنف، فتحدث الأستاذ الشاعر سعود الفرج عن تألق الحمادي، وعن نفسه الشعري الذي لا يمل عطاءً، وعن عاطفته الصادقة ورقته المنسابة، وأشار لعدم اكتراث الحمادي بالأغلال الاجتماعية التي تسعى لخنق التعبير، الأمر الذي جعله أكثر انفتاحا في التعاطي مع مشاعره، كما أشاد بصدق عاطفة السالم كذلك، ووصف قصائده بالسهلة الممتنعة التي تعكس للمتلقي موهبة متفننة بمعاني الجمال لا يسعه أمامها إلا مشاركته الموقف.
وأشاد الشاعر سمير المسلم بقدرة الشاعرين على الانفصال عن روح الحزن لتغليب حالة الحب على المنجز الشعري، الأمر الذي يعجز الكثير من الشعراء في ظل ظروف الكبت والقيود الاجتماعية.
من جانبه، حذر الأديب السيد عدنان العوامي من الانسياق خلف التعليق على النص الأدبي بالسماع العابر للقصيدة واصفا ذلك بالظلم، كونها فن يحتاج لتأمل وتماثل وانسجام في أحساس المتلقي حين يتلقى النص.
أما الأستاذ الشاعر علي المطاوعة، فقد أكد أن ما تم طرحه ليثري المشهد الثقافي بالإبداع، لاستيفاء الشاعرين شروط ذلك بما تحقق فيهم من حمل المفردة وخلق الصورة رغم تكرر بعض المفردات بشكل واضح في بعض النصوص.
وختم الأستاذ جعفر الشايب الأمسية بشكره للشاعرين لما شنفا به أرواح الحضور وأطرباها، وباح بأمنيته أن تكون مثل هذه المناسبات الأدبية ناقلا مهما لتطلعات سامية للآخرين مؤملا أن تتبلور الكفاءات الأدبية التي تزخر بها منطقة القطيف والأحساء لتبرز على الساحة الوطنية، الأمر الذي يمكن تحقيقه في حال تم خلق حالة من التضامن والدعم لمثل هذه الأنشطة، مذكرا باقتراح المنتدى في أمسية سابقة لإيجاد رابطة للشعراء في المنطقة ترفع كفاءاتها المبدعة وتحتضن واعديها لتبرز ليس فقط على الصعيد المحلي بل العربي.