قراءة في مسيرة التقارب المذهبي

3٬813

في تجمع حاشد ضم أطيافا من مختلف مناطق المملكة، وفي جو ساخن من التفاعل والشفافية والجرأة طرح الإعلامي السعودي الدكتور عبد العزيز قاسم رؤاه في مسيرة التقارب المذهبي في ندوة مساء الثلاثاء 12/صفر/1429هـ الموافق 19/فبراير/ 2008م، وأدار الندوة الأستاذ ذاكر آل حبيل حيث بدأ بتعريف للدكتور الضيف، وهو من مواليد الطائف، حاصل على دكتوراه في الإعلام من الجامعة الأمريكية المفتوحة بلندن عام 2007م، وأنهى الكثير من الدورات في التربية والتعليم، والتحرير الصحفي، والاتصال والبرمجة، شغل العديد من المناصب الإدارية في بعض مؤسسات الإعلام المحلي كصحيفة البلاد والمدينة، ألقى الكثير من المحاضرات في ملتقيات ثقافية ومخيمات دعوية في المملكة، كما شارك في العديد من الندوات المحلية، وله مشاركات سياسية وفكرية في فضائيات المجد واقرأ والعربية والقناة السعودية الأولى والإخبارية، كما أنه عضو في هيئة الإعلام الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي، وله عدة مؤلفات منها كتاب “مكاشفات” في جزأين، وأخرى تحت الطبع.

بدأ الضيف طرحه باستقراء الواقع كخطوة أولى لضرورة التقارب كونه مما يدعم فكرته، فأشار إلى بروز الوعي العام الذي يتجلى لدى كثير من العلماء فضلا عن طلائع الدعاة الذين يقومون بدور فاعل في عصرنة تراثهم العقيدي بما يخفف حدة الخلافات الحادة بين الطائفتين، وكالمشتركات الكثيرة بين الطائفتين، كما أشار إلى ما تحمله العولمة من رؤى غربية تعمل على اجتثاث خصوصيات الأمة الثقافية والدينية، ثم فصل الأسباب الحقيقية التي أدت للتنافر الطائفي وتراجع فورة الحماس للتقارب المذهبي رغم نجاح تجارب ماضية في إخفات التعصب بين بعض الفرق الإسلامية الكبرى مدللا على ذلك ببعض الشواهد ذكر منها فتوى الشيخ محمود شلتوت (شيخ الأزهر الراحل) بجواز التعبد على مذهب الفقه الجعفري وتمكنه من إدخاله في مناهج التدريس والإفتاء بجامعة الأزهر، كما تحدث عن الشيخ مهدي شمس الدين واقتراحه إنشاء هيئة لقضايا الوحدة والتقريب إيمانا منه بأن الخلافات السياسية ذات الأسباب الطائفية قادرة على تدمير الوحدة الإسلامية، وتحدث عن جهود الشيخ التسخيري ويوسف القرضاوي اللذان دفعا بالتقارب لأمداء بعيدة عبر ما يشاركون فيه من لقاءات تصب في هذا الهدف، لينتهي بدور الشيخ حسن الصفار وما أحدثه من صدى هائل على المستوى المحلي والإقليمي ضمن مشروعه للحوار بين السلفيين والشيعة.

وتحدث القاسم أيضا عن الأجواء الداعية للتقارب في حوزات قم والنجف العلمية مشيرا لتجربة آية الله السيد محمد حسين فضل الله في أوائل خمسينيات القرن الماضي وتصريحه بتتلمذه على يد بعض من كبار علماء السنة عبر كتاباتهم، كحسن البنا، وتقي الدين النبهاني، وجمال الدين الأفغاني وغيرهم، مشيرا إلى ما ورد في مكاشفاته التي ستنشر قريبا وتدور حول قضايا مهمة في هذا المجال.

ما وصفه الدكتور قاسم بالنكسة في مسيرة التقارب المذهبي أوجزه في أسباب أرجعها للسياسة في الدرجة الأولى، ولما ألقته أحداث العراق من ظلال قاتمة على هذا المشروع، فضلا عن التبشير المذهبي المدعوم، إضافة إلى عدم مشاركة علماء ودعاة المملكة ممن يمثلون المنهج السلفي ولهم تأثيرهم الواضح في نفوس المنتمين له، وأسباب أخرى كثيرة كالتهميش الاجتماعي وغياب العدالة، فضلا عن عدم الشعور بالمواطنة الحقيقية.

وبرؤية فردية انبثقت من معايشة شخصية لمسيرة التقارب المذهبي، ختم المحاضر طرحه بآفاق يتلمس بها دعاة التقارب طريقهم مؤكدا استغلال الوقت الذي يمضي في غير صالح الأمة، كما دعا للمضي في العمل على إنجاح ميثاق الشرف السني الشيعي الذي دعا له الشيخ حسن الصفار مؤكدا أنه سيكون إنجازا تاريخيا غير مسبوق على مستوى الأمة وليس الوطن فحسب، مشترطا غطاء رسميا يرعى هذه المبادرة على غرار مركز الحوار الوطني، وملفتا الانتباه إلى ضرورة إبراز وجوه شيعية أخرى منفتحة تدعو لهذا المشروع وتساهم في خلق تنويع فكري وبلورة رؤية واضحة تكون سببا في إعادة تنظيم صف دعاة التقارب على مستوى الطائفتين.

تأكيد الضيف في بداية حديثه على رغبته في الابتعاد عن أكاديمية الطرح، خلق عفوية تفاعل فيها الحضور بما أثرى الندوة، فأشار كل من الدكتور إبراهيم الجمعان والدكتور توفيق السيف على أهمية المعالجة عبر الاتجاه المدني وإقرار حقوق المواطنة والمساواة بغض النظر عن الانتماءات المذهبية والدينية، الأمر الذي تنتهجه المجتمعات المتقدمة التي تجاوزت الاحترابات الداخلية وانتهت إلى إقرار التعايش بينهما وتأكيد السلم الاجتماعي، واختلف معهما المحاضر الذي أكد على أولوية المعالجة الدينية لهذه القضية أولا.

أما الأستاذ أسعد النمر، فتحدث عن أهمية تقنين العلاقة بين أفراد المجتمع من خلال وضع قوانين واضحة تجرم التعديات والتحريض على الكراهية، وتؤسس لعلاقة اجتماعية متوازنة، ونوه الشيخ حسن الصفار، فقد نوه بالجهود التي يبذلها الدكتور قاسم ودعا إلى توسيع دور المثقفين في تجسير الهوة بين مختلف الأطياف ليكون التقارب مشروعا وطنيا شاملا، كما انتقد التبشير المذهبي المنظم مؤكدا على حرية الأفراد في اعتناق العقيدة التي يقتنعون بها.

وتحدث الأستاذ على البحراني عن أهمية مراجعة المناهج التعليمية بحيث تكون أكثر اعتدالا في التعاطي مع الشأن المذهبي، أما الأستاذ حسين العلق، فقد أشار إلى تأثر الجمهور بما يردده علماء الدين من مقولات قد لا تكون دقيقة، خاصة في قضية التبشير المذهبي وما يثار حولها.

كما طرح الأستاذ سلطان العامر القادم من منطقة القصيم مشروع مبادرة نادي للكتاب، مؤملا أن يؤسس من خلاله إطارا مناسبا للتفكير والنقاش المشترك، للتواصل مع الاتجاهات الفكرية المختلفة.

وجاءت ردود المحاضر على مختلف هذه المداخلات بالترحيب والتفاؤل بالمستقبل في مجال تعزيز التقارب المذهبي شاكرا راعي المنتدى والحضور على هذا التفاعل والنقاش الجاد والإيجابي.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد