في ندوة مختلفة عما انتهجه منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف لمواسم عديدة، استضيف المفكر الدكتور توفيق السيف مساء الثلاثاء 24/ربيع الأول/1429هـ الموافق 1/إبريل/2008م في حوار ثقافي مفتوح مع الشيخ فيصل العوامي والدكتور يوسف مكي، وقد أدار الندوة الإعلامي الأستاذ ميرزا الخويلدي؛ فرحب بالضيوف جميعا وعرف بهم للحضور، مبتدئا بالدكتور توفيق السيف، وهو مفكر وباحث معروف، شغل الوسط الثقافي بآرائه الجريئة التي عدت لبنة رئيسية في التجديد للثقافة الدينية، وهو حاصل على درجة الماجستير في العلوم الإسلامية من الجامعة الإسلامية في لندن، وعلى درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة وست منستر البريطانية، والشيخ فيصل العوامي هو أحد أبرز المفكرين الإسلاميين، قدم أطروحات كثيرة في التجديد والإصلاح الديني، أما الدكتور يوسف مكي فحاصل على دكتوراه في السياسة المقارنة، وهو باحث مهتم بالقضايا القومية وكاتب في الصحافة المحلية.
وقد أشار الأستاذ ميرزا إلى مجرى سير الندوة المفترض، والذي سيدور حول محورين أساسين هما التجديد في الفكر الديني، ثم الدين والديمقراطية.. أية علاقة، فاتحا المجال للدكتور السيف لبدء الحديث برؤية موجزة حول هذين المحورين، ليعلق بعده الشيخ العوامي على المحور الأول في حديثه، ثم يعلق الدكتور يوسف على المحور الثاني موجهين له أسئلة تثري لب الموضوع.
تحدث الدكتور السيف بداية عن كون الأفكار المهمة في عمومها وليدة تجربة ذاتية تتحول لتجربة مشتركة من خلال النقاش وليست وليدة مراسلة، داعيا للشك في الأفكار ورفضها قبل قبولها ما أمكن؛ لتطوير التجربة العلمية المؤدية التي تحصن الإنسان من التلقي السلبي في التفاعل.
وفيما يتعلق بتجديد الفكر الإسلامي، عرض بضع نقاط على شكل مفاهيم أشار فيها إلى أن هدف الكلام في تجديد الفكر الإسلامي هو التجديد في حياة المسلمين وليس تجديد العلم والثقافة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تجديد أطراف الحياة سلوكا وممارسة، ثم انتقل إلى الحديث حول أهمية التجديد وأسبابه وأطره، وذلك بعرض أمثلة حياتية شيقة من واقع المجتمع لبعض هذه الأطر كالتجديد في القواعد الفلسفية، والتجديد في بعض المسائل الجزئية، مؤكدا أن الجدل النظري من شأنه استغراق زمن طويل متأخرٍ عن زمن ظهور الحاجة له.
وعن محاور التجديد، أشار إلى كثرة التحديات التي يواجهها المجتمع ويستلزم التعاطي معها كمحور العدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، وختم رؤيته بأن المجددون هم عامة الناس وليسوا خاصة الفقهاء والعلماء والمفكرين فقط.
الشيخ فيصل العوامي تحدث عن صيرورة التجديد معرفا له بكونه استبدال المناهج والأدوات العلمية القديمة بأخرى جديدة، مشيرا لعدم شمولية التجديد للأفكار، الأمر الذي يراه الدكتور توفيق السيف.
وإذ ذكر العوامي أن الهدف من التجديد هو كشف الحقائق التي تقصر الأدوات والمناهج القديمة عن الوصول لها رغم تأكيد وجودها، تساءل عن الأدوات والمناهج الجديدة لقراءة النص الديني في ظل تمسك الأطراف الإسلامية بمناهجها القديمة وجمودها، ثم اقتصارها على التجديد – إن وجد – على اللفظ دون المنهج، مستشهدا على ذلك بمحاولات الشهيد محمد باقر الصدر، وختم الشيخ العوامي حديثه بتوجيه سؤال للدكتور السيف حول عدم اعتماده لأدوات ومناهج جديدة في أطروحاته، الأمر الذي وقف عليه في قراءته لبحوثه وكتبه في هذا الصدد.
من جانبه، أشاد السيف بصحة كلام الشيخ فيصل العوامي ثم نوه لنقطة انطلاقه التي يختلف معه فيها فأكد حيث وجود حقائق، بيد أنه استشكل الوصول لها كون الحقائق المطلقة من خصوصيات الله عز وجل، يتساوى الإنسان به حال الوصول لها كاملة؛ مؤكدا على رؤيته هذه بتأكيد الفقهاء على أن استنباطاتهم الشرعية لا تتجاوز كونها (ظنٌ غالبٌ) لا يمكن القطع بكونها عين علم الله عز وجل.
أسئلة مثيرة وجهها الشيخ فيصل للدكتور السيف تقاطع معهما فيها مدير الندوة في محاولة لتقريب وجهات النظر للحضور تلخصت جميعها بالاتفاق على أهمية تجديد المسلمين لحياتهم، ليكون لهم ذلك دافعا لفهم أفضل للدين، فيما تحدد الاختلاف حول وجود الأدوات المنهجية في كشف الحقائق، ثم إمكانية توظيفها.
المحور الثاني في الندوة بدأه الدكتور مكي الحديث فيه بعرض رؤيته لقضية النسبي والمطلق في الحديث حول الدين والديمقراطية، مشيرا بأن لا تعارض في الروح بينهما، وأن العلاقة هي علاقة نسبية الدين السماوي النشأة بمطلق الديمقراطية الأرضية النشأة، مؤكدا على ذلك بأن القيم الليبرالية في منظومة الديمقراطية كتداول السلطة والانتخاب، وحقوق الإنسان هي قيم يرتبط جوهرها بقيم دينية تحترم في أساسها الإنسان كمبادئ العدالة والمساواة والشورى، يتضح ذلك جليا في الثورتين الفرنسية والإنجليزية اللتان ارتبطتا بحركات الإصلاح الديني حين قيامهما.
وقد استعرض الدكتور يوسف العديد من المحاولات العربية الجادة للإصلاح السياسي والاجتماعي التي أقحمت الديمقراطية في الدين كتجربة جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، رفاعة الطهطاوي، ومحمد رشيد رضا، ولكنها فشلت لكونها مثلت شريحة اجتماعية غيبت الموازنة بين فكرة العدل الاجتماعي والحركة السياسية في الديمقراطية الغربية، وختم حديثه بالتأكيد على أن الإشكالية القائمة حتى الآن ليست مشكلة الديمقراطية بقدر ماهي مشكلة إجراء موجها سؤاله للدكتور توفيق السيف حول كيفية تجسيد قيم الديمقراطية على أرض الواقع.
الدكتور السيف أجاب بعدم وجود تناسب بين الديمقراطية والدين لكون الدين منظم لعلاقة الإنسان المتسعة بالكون المحيط به، فيما تنظم الديمقراطية السلطة المحدودة التي تحكم هذا الإنسان، ثم أوضح أن الحديث عن الديمقراطية لا يمكن أن يقابله إلا الحديث عن الاستبداد، فيما يقابل الإلحاد الحديث عن الدين، ورغم معرفة المجتمع العربي بهذا الأمر، إلى أن غياب الديمقراطية يمنعه من التصريح به حتى حوله لعقبة رئيسية أعاقت عملية التجديد، مما أدى به إلى التخلف والتراجع.
ثم ختم السيف حديثه بطرح ثلاث نقاط حول علاقة الدين بالديمقراطية وكيفية التعاطي معها مجيبا على سؤال الأستاذ ميرزا، فأشار -مقدما- إلى جدة بناء الديمقراطية الذي لا يمكن الاستدلال عليه بأدلة شرعية، إلا أن هناك الكثير من القضايا التي يتعامل بها الناس لفائدتها حتى يضيفون عليها قيمة دينية، كما أشار إلى خطأ تناول مظهر مواضيع التجديد مقابل إقصاء الجوهر، مؤكدا على أهمية الغوص في التجربة للوقوف على أركانها وقواعدها، وأشار أخيرا إلى لزوم قيام المجتمع بإعادة إنتاج الأفكار والمفاهيم والأنظمة فيها بما يتناسب مع طبيعته.
مداخلات الحضور جاءت في أغلبها استدراكية عززت الموضوع من جانب وفتحت باب النقاش مع الضيوف من جانب آخر؛ فقد أشار الأستاذ أحمد المحروس مستدركا على الشيخ فيصل العوامي بقوله أن الشهيد الصدر قد اعتمد في تجديده بما يوافق الحداثة التي تتعامل مع العلوم الدينية للأصول والفقه كوحدة واحدة فتعامل معها كذلك، وأتى بمبانٍ جديدة في المعرفة كنظريته في حساب الاحتمالات، فأكد الشيخ العوامي على أهمية محاولات الشهيد الصدر التي قدمها رغم اعتمادها على ذات الأدوات المنهجية القديمة حاصرا الجديد فيها في إطار اللفظ، ودلل على ذلك بجديد الشهيد فيما يخص نظريتي حساب الاحتمالات وحق الطاعة اللتان لا تشكلان تجديدا دقيقا وتفصيليا لأدوات علم الأصول.
الأستاذ منصور سلاط تحدث حول ضغط الإصلاح على الشعوب العربية نتيجة شعورها بعمق الفارق الحضاري بينها وبين الأمم المتقدمة، متسائلا عن كيفية تحقيق ديمقراطية في مجتمع يعاني الكثير من الممارسات الاستبدادية.
أما الدكتور عادل الغانم فتساءل عن حاجة المجتمع الإسلامي لفصل الدين عن الدولة لتخليص الدين من ماديات الحياة من جانب، وتخليص الحياة من قصور الدين في بعض جوانب الحياة من جانب آخر، ليختم الشيخ العوامي الندوة بالإجابة عليه مشيرا إلى عدم الحاجة لذلك كون التعارض القائم بينهما متمثل في ممارسات المتدينين الخاطئة وهي ما يحتاج لإقصاء.
وقد ختم راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب الندوة شاكرا الجميع على ما تفضلوا به، ثم عرف بأعضاء اللجنة المنظمة في المنتدى أمين التاروتي، موسى الهاشم، محمود المرزوق، زكي البحارنة، وياسر الغريب، كما أشاد بجهود المرسم الحسيني الذي يعرض المنتدى إنتاجه لأسبوعين في خطة سبق الإعلان عنها فاتحا لهم المجال للحديث عن معرضهم، حيث استعرض الفنان علاء الداوود مسيرة لجنة المرسم.
الجدير بالذكر أن المنتدى قد اعتمد زاوية (كتاب الأسبوع) للتعريف بكتاب جديد أسبوعيا يتم الحديث عنه والتسويق لبيعه للحضور، وكان كتاب (الشيخ علي المرهون، رواية مجتمع وتجربة حياة) للكاتب عبد الإله التاروتي هو كتاب هذا الأسبوع.