شعراء القطيف يتغنون بحب الوطن في منتدى الثلثاء

3٬312

استضاف منتدى الثلثاء الثقافي بالقطيف أخيرا عددا من الشعراء السعوديين في أمسية شعرية أقيمت تحت عنوان «الوطن في شعر القطيف». الشعراء الذين تم استضافتهم هم محمد الحمادي، الذي صدر له أخيرا ديوان «الجنون اللذيذ»، وعقيل المسكين، الذي ساهم في تأسيس منتدى عرش البيان للشعر في سيهات، وأعد ملفا خاصا عن المشهد الثقافي في المملكة ساهم فيه كثير من المثقفين على امتداد الوطن، وله مجموعة إصدارات آخرها (عندما تضحك القوافي).
كذلك شارك في الأمسية صالح الخنيزي وهو مشرف على أكثر من منتدى أدبي على الشبكة، سجل له برنامج أوراق شاعر لقاء بث من إذاعة الرياض، وياسر آل غريب العضو المؤسس في لجنة وارث للأعمال الفنية في صفوى، وصدر له ديوان «الصوت السعفي».
وقد افتتح الحمادي الأمسية مؤكدا تمركز الوطن في قلب إنسانه أين كان، فهو الألم والأمل معا. وفي الألم المعنون بـ (الخط الأحمر) تحدث الحمادي عن تنفسه للتاريخ وتقليبه أوراقه، وعن مطاردته للأحداث التي خرج بها بأن لا شيء يستدعي الوقوف من قبله عليه فهو بذرة نمت في غير مواسمها؛ حتى صارت حريتها خطا أحمرا مات الربيع به وشرعت الأفكار أبواب عنادها في عناده؛ فبات اشتعال ذاتٍ يرسم فكرة ويخطها حروفا تنادي في عذابه بحقيقة لا مناص من نكرانها، وهي الحقيقة التي ختم بها نصه بقوله: «ما عاد يحييني الغرام لأنني، حرف ضعيف من حروف بلادي».
ولموجة أخرى يغرق بها في ألم آخر أشعل الحمادي (سيجارة الحرية)، ودخنها خيوط تأملٍ اعترف باختراقها لمساماته، وتحريكها لشوق قابع في شرايينه يدفعه نحو اعتراف أن لا شيء في المدى «سوى أنت، وبعض رماد يتطاير فوق يدي»، ثم «لاشيء سوى أنت، وصمت زوايا حائرة، وستائر أوهام»، وما ذاك إلا لأن وطنه لا مثيل له، وطن يبدو فيه المكان حيرة، والزمان لغزا يجعله ومحبوبته يختنقان «نختنق الآن وما بعد الآن، ها نحن غريبان، نرتل سمفونية عشق في وطن ليس ككل الأوطان».
بعد ذلك انطلق لنص (الوطن المصلوب) وكانت انطلاقته تلك «من اللامعقول أفتش في كل سراديب الأوهام عن الحزن الأسود، عن كلمات تختصر الوجع الساكن في كل زوايا تاريخي»، واستحضر لرحلته ألف غرام وألف سؤال عن «وطن أرسمه خارطة في أعماقي، أعزف منه تسابيح، تقاسيم على وشم حياتي، فأنا مصلوب منذ سنين على أخشاب تشرد روحي»، لينتهي برجاء لوطنه أن «حررني من كل طقوس الحزن، وعلمني حين أحبك كيف أمارس حرية ذاتي».
في ختام جولته، تحدث الحمادي عن (تقاسيم في حضرة الوطن) عبّر فيها عن رسمه للوطن بصورة زاهية الألوان لما رسم الوطن في داخله جمالا وتربع في جهات دمه حتى سرى هيامه على ابتهالات صلواته فأزهرت في قلبه بذلك باقات حب تفدّي (الوطن.. لغة أخرى)، وطن لا يتعقد بإمكانية ارتقائه إلا بمعانقة جبينه لترابه الطاهر، فهو «وطن على ترب الخلود مجسد، سحرٌ تناثر فوق كل شجوني».
الشاعر عقيل المسكين ارتقى المنصة وصوت (عزف الروح ونبض القصيد) خلف أضلاعه ينادي «يا بلادي يا بلادي يا بلادي، أنت يا أرجوزة من عزف روحي، أنت يا قيثارة في لحن شادِ»، ولا زال يرد أنتِ أنتِ؛ مستميحا سامعه العذر، معللا «هذه الأنات أشواقي وزادي، إنها ينبوع حب دافق باليمن والإيمان يجري للتلاد، إنه الحب الذي يسقى رويا، للبرايا من بلادي عن بلادي».
وفي هدية منه (إلى سيدي الوطن) وجه المسكين خطابه للوطن ووصفه فيه بأنه «وطن الأمانة والرسالة والهدى، وطن يشيد بفضله الإسلام، وطن السماحة والمكارم والندى، وطن تحار بكنهه الأفهام… وطني وما فقر عراك وأنت أنت جنائنٌ يهفو إليك غمام»، وما زال يردد وطني… وطني؛ حتى بلغ بيت القصيد بطلب ممعن في الحب» قل للآلي راموا جراحك: ها أنا وطن الجميع وإنني القوام»؛ لينهي نصه بدعاء صادق أن «وطني فدتك من العيون نفوسنا، ورعتك من غير الزمان كرام، وطني سلمت من المكائد والعدا، وعليك من رب الأنام سلام».
«..عندما تـُغرس الأحلام في شهقات الماء، عندما تغمض الأنثى غيوم اللقاء، عندما تسف الترابَ قهقهات الفناجين، فناجين تحصد الليل، عندما يكون الألم أملا، عندما يكون الوطن شعرا، يكون الشعر وطنا». بهذه الكلمات بسمل الشاعر صالح الخنيزي، وكان له مع (وجع المراسي) جولة يعلم فيها أن ذلك يتم مع «الهواء الطلق حين يجتاز الشعور» ولذا، كان يرغب في امتطاء الحقيقة، ليمضي في امتزاج الوقت، في ظل أغنية يكتفي منها ببعض البوح قبل أن يخيم الليل الكئيب؛ فالألحان تتراكم في جسده.
الألحان تقول لصالح أنّ «وطني شهيد الماء، تهرقه الحقول على تجاعيد الزمان، وينحني ألما فترتعد الفصول، وطني شهيد النخل يفترش اللحود مهاجرا ويهيم في مزج الوعود، وطني شهيد حمامة صُلبت وبعثرت الرسائل في الهجير» أما هو فيقول للألحان: «وأنا الشهيد أهيم في جرحي المقيد بالنصال وبالورود، سيظل ينزفني الزمان صدى على وجه السماء، حقيقة تهب الوجود ضياءه ما ردد الفجر الآذان».
وفي (رسائل بددتها الريح) استحضر الخنيزي ذاكرة تقض أضالع النسيان، حين كانت ممرات القوافل تبدد الأحلام، وحين كانت نساء الحي تنتحب وتندب بحارة تكسرت بهم السفن وماج بهم البحر في قساوة إبريل وهم ينادون «أتنتهي فينا الحكاية يا سماء؟ أتنطفي فينا الشموع، وروزنات النذر فاضت من أباريق الدموع؟»
صور كان قد عشعش فيها اليباب جلبها الشاعر بخضرة القطيف وطنا أراد أن يكسر به «الصمت المعبأ في الجرار، فحصادنا المنسي قد سئم الغلال، ونخلنا لم تحفظ الصحراء حكمته». ولذا دعا:» أيها النجم ابتسم في كف عشتاروت، ضاع الحلم في ريش خرافي فلا تهرق دموع اللحن، مزقنا الضياء».
الجولة الأخيرة كانت للشاعر ياسر الغريب، وإلى من اسمها محفور في بطاقته الشخصية، إلى التي أخذ من أولها قبس القلق، ومن آخرها فاكهة الفردوس، إلى (كيتوس) محاطة بالعشق من ست جهات غنى لها، دعا لها أن (افتحي نافذة الجرح) لتحفها الشمس بخيوط نور، ليس لأنك تفتقرين إلى النور فـ «أنت بيضاء من الداخل كالنسرين، لكن حكمة الأقدار شاءت هاهنا أن تلبسي ثوب السواد، كم توزعتِ على الكل مواويل غرام، وتواشيح وصال، وأبى قلبك أن ينحاز يوما للآحاد»، وما السر ذلك إلا ما خلص به الغريب في خاتمه نصه «أنت آمنتِ بدين أخضر، فلتفرشي سجادة العشب وصلي، لا عليكِ الآن من هرطقة الشوك ومن وشي القتاد».
وألقى الغريب نص (وطن الوطن) الذي وصفه بالأدب المثالي، وفيه شرح رؤيته للوطنية التي يراها في «أن أكون مدافعا، عن مقلتيّ إذا استثار ضباب، وطنيتي هي أن أظل كما أنا، عقل يسوح وخافق جواب، وطنيتي قد لا أجيد بوصفها، لكن بها تتفتح الأبواب».

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد