منتدى الثلاثاء يناقش مراجعة التراث بين التقليد والتجديد

3٬184

هيثم حبيب – القطيف وصف الباحث التاريخي خالد النزر كلمة “التراث” بالمفردة متعددة المعاني وتعني مجموعة من التجارب الإنسانية المتراكمة التي مر بها مجتمع ما خلال فترات زمنية، وتشمل القيم الفكرية كالدين والأخلاق والعادات والتقاليد والأمور المادية والملموسة. وذكر خلال الندوة التي أقيمت في منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف التي حملت عنوان “مراجعة التراث بين التقليد والتجديد” وشارك فيها أيضا الباحث في فلسفة العلوم الدكتور علي الحمد وأدارها محمد التاروتي أن الدعوة للتجديد في قراءة التراث ليست بالجديدة. فقد استشعرها العديد من علماء المسلمين وعملوا على طرحها بعدما شعروا بأنهم يتوجهون إلى مؤخرة الركب الحضاري العالمي. وأصبح التجديد والمراجعة في الوقت الحاضر مطلبا ملحا ينادي به العديد من المفكرين، موضحا أن الدافع الأكبر لذلك هو العمل على إعادة التموضع الحضاري للأمة.
واستعرض الباحث النزر نصوصا في هذا المجال لكاتبين معاصرين هما الشيخ حيدر حب الله والكاتب عبدالرحمن شهبي، حيث يقول حب الله : “إن تطور العلوم الخارج- دينية يفرض تلقائيا تجديدا في الفكر الديني، وأنه من الطبيعي أن نقرأ الإسلام وفقا لأخر إنجازات المجال المعرفي كما فعل ابن سينا والفارابي والكندي وابن رشد الذين رأوا الإسلام وفقا لمقتضيات عصرهم بعقل يوناني”. وبين النزر أن هناك انقسامات فئوية حول مراجعة التراث كوجود فئة تعارض التغيير في كل شيء وهي لا ترى مطلقا أي داع للتجديد، فيما هناك فئة أخرى لا تعارض عملية التجديد في حد ذاتها لكنها قاصرة عن رؤية مبررات كافية لذلك، معتبرة ضرر البحث في التجديد أكبر من نفعه وخوفا من اهتزاز ثقة الناس في موروثهم الديني.
أما الفئة الثالثة فيأخذها سوء الظن بنوايا الداعين إلى التجديد باعتبارهم حاملي أفكار سربها المستشرقون وتبناها المضلون واللادينيين حسب تصنيفهم. وأشار إلى وجود فئة وصفها بالإحيائيين الذين يقرون بأن تخلف المسلمين يعود إلى عدم التمسك بالدين وتعاليمه كما هي، وأن السبيل إلى نهضة المسلمين تأتي من خلال إحياء السنن والفرائض.
أما الدكتور علي الحمد فانتقل بزاوية الحديث للتساؤل عن العقل البشري وإشكالية قصوره، معتبرا أن آلة فريدة من نوعها وهي الوسيلة النهائية للحكم على مجمل القضايا مشيرا له الى أنه – أي العقل- مرجع لنفسه بسبب خضوعه للبرهان، حيث إن البرهان العقلي يقهر العقل للتصديق فلا يلام على ما ثبت له صدقه.
وذكر أنه يمكن للإنسان ان يتبع عقول الآخرين، لكن هذا الاتباع بلا قيمة مادام لا يبنى على إثبات عقلي بصحة الاتباع وأفضليته على الوسائل الأخرى، مستشهدا بتقليد الآباء والأجداد أو ما يسمى الإيمان الوراثي وهو ليس معيارا مقبولا للحكم بالصواب والخطأ، حيث يطرح موقعية التقليد في الفقه بالنسبة للعقل.
وذكر الدكتور الحمد إنه للإجابة عن مثل هذه الأسئلة ينبغي الرجوع إلى مسألة تقييم العلم الذي يحتوي على ثلاثة مصطلحات مهمة هي: العلوم البحتة كالكيمياء والفيزياء والرياضيات والأحياء وتفرعاتها، والعلوم الإنسانية التي تشمل التاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع واللغة والأدب والفنون، والثالثة العلوم الكاذبة أو أشباه العلوم التي تعتمد الماورائيات كالأبراج وتفسير الأحلام، حيث لا تسير على منهج علمي واضح.
مبينا أنه في كل عصر يثق الناس في علوم عصرهم بناء على ثلاثة جوانب هي موضوع العلم ومنهجه ونتائجه، مستشهدا بالعديد من الأمثلة على كل جانب. وأوضح الدكتور الحمد أن هناك منهجية علمية حديثة تقلل احتمال الخطأ، وتحيد النوازع العاطفية. كما أن العلم الحديث متجاوز للحدود والثقافات بمنهجيته، فيما العلوم غير المنهجية مسببة للعزلة والخصومة بين البشر.
واختتم الحمد حديثه بإشارته إلى أن العلوم الشرعية نشأت في عصور كانت الغلبة فيها للعلوم النظرية، ولم تكن هناك مطالبات للعلماء لإثبات اجتهاداتهم بالمنهج العلمي التجريبي.
أما في العصر الحالي فهناك كثير من الادعاءات النظرية تثبت فشلها الذريع ما أن تخضع للتجربة.وشارك الحضور بعدد من المداخلات، حيث تحدثت الناشطة الحقوقية نسيمة السادة بأن تجديد التراث قضية لا خلاف عليها، لكن الخلاف في عدم وضوح المنهجية.
فيما أشار أحمد الخميس إلى أن التراث يمثل ذاكرة الأمة، ويشكل أساسا في فكرها، لكنه تحول إلى أداة مهيمنة، وعائقا أمام تقدمها وخطرا على وحدتها.
وقال الشاعر عدنان العوامي في مداخلته: إن العقدة الأساسية تكمن في ذات الإنسان ومصالحه، لأنه مجبول على حب التسلط. فيما أكد عبدالباري الدخيل على الضرورة العلمية في الطرح، وذكرت فوزية الهاني أن الحراك التنويري ليس حديثا، بل ممتد وأن المقدس أصبح مداه واسعا، مشيرة إلى تضييق المباحات لتتحول عملية النقد محدودة جدا.
من جهته ذكر طارق النزر أن مناهج مراجعة التراث وطريقتها قد تكون مختلفة بناء على اختلاف البيئة والزمن، وذكر الدكتور هاشم الصالح أنه يتفق مع الحاجة إلى قراءة التراث وتنقيته كونها مسألة ملحة.
وضمن برنامج المنتدى في استضافة مؤسسات اجتماعية والتعريف بها، عرف الطالب علي بزرون بمشروع “ديرتك تستاهل” الذي يهدف إلى دعم الأنشطة والمبادرات الشبابية وتحفيزها، كما شارك الخطاط حيدر العلوي بإقامة معرض حول الخط العربي في أروقة المنتدى.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد