أفكار حول الثورة والحرية والشباب

3٬507

جائتني دعوة كريمة من منتدى الثلاثاء الثقافي , كنت ومنذ فترة قد تحدثت مع الصديق وليد سليس وآخرين عن المنتدى وعن الحراك الذي يحدثه في المنطقة , الأسبوع الماضي استضاف المنتدى كلاً من الدكتور توفيق السيف والأستاذ نجيب الخنيزي في محاضرة عن التحولات الجديدة في المنطقة العربية , وخلال هذا الأسبوع آثر الملتقى أن يكون النقاش حول ذات الأفكار ولكن من خلال أوراق شابة , فكنت أنا وصديقي الكاتب ميثم الجشي الذي ألتقيته للمرة الأولى بعد عودته من أميركا.
لدي إعتقاد راسخ أن مجتمع القطيف أو كي أكون أكثر صراحة المجتمعات الشيعية – حتى في زيارتي للضاحية الجنوبية في بيروت – هي مجتمعات متكاملة وحيوية , في القطيف كم هائل من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية والتخصصية والإجتماعية ما يجعل المجتمع أي مجتمع فاعل ونشط وله صوت وأدوار ممتازة في خدمة الوطن والناس.
دلفنا إلى منزل المهندس جعفر الشايب وهو مؤسس المنتدى منذ العام 2000 , كان هناك عرض لتجربتين , الأولى ألقاها الطالب محمد نصر الله حول تجربة مجلس شورى ديموقراطي في مدرسته , مدرسة العوامية الثانوية , أن يتعلم هؤلاء الديموقراطية في المدارس فهذا يوحي بجيل مبدع ومنفتح , وكما ذكرت عن تكامل المجتمع القطيفي فلم تتوقف التجربة عنذ هذا الحد , المجلس الطلابي المنتخب عقد عدة إجتماعات مع المجلس البلدي وجمعية حقوق الإنسان ومدير التعليم , لم يتوقفوا عند هذا الحد ايضاً بل سيستضيف مجلس الشورى السعودي 40 طالباً من الدرسة ليتعرفوا على الشئ الوحيد الذي قد يُطلق عليه برلمان في بلادنا.
التجربة الثانية عرضت خلالها الفنانة التشكيلية المبدعة سعاد وخيك سيرتها مع الريشة , تزامن مع ذلك عرض للوحات – وهي معروضة للبيع لأسبوعين قادمين – في قاعة المنتدى , وللمرة الثالثة حين تتطلع على سيرتها في المطوية التي أمامك تجد أن القطيف تحفل بالعديد من المعارض والقاعات الفنية , المميز في الأمر هو إختفاء ظاهرة الدوائر التلفزيونية المغلقة العظيمة التي يكرهها أصدقائي التغريبيون والعياذ بالله.
الورقة البسيطة أسفل الصورة قدمتها في المحاضرة ولكنني أفدت كثيراً من النقاشات الساخنة والمداخلات والنكات ايضاً التي استمرت طوال 3 ساعات , وانتهت بعشاء باذخ وحميم مع الأصدقاء وليد سليس وميثم الجشي ومحمد الغانم في مطعم شعبي تستثمر فيه الهيئة العامة للسياحة والآثار على بعد خطوات من قلعة دارين التاريخية.
لدي فوبيا من الخطاب والخُطبة والخَطًابة والخطيب والخاطب … إلخ , لذلك ستكون ورقتي حزمة أفكار كما هي عادتي في أغلب المقالات.
في البدء تستحل الحكومة الدولة , ثم يسطو المسخ الجديد على الوطن , ثم يسطو رجل الشرطة على الجميع , ويصبح وجه رجل الشرطة في كل مكان , أمام الجوامع وفي منصات التتويج والمقاهي والجامعات والأزقة وعلى علب المشروبات الغازية وفي طوابير الإنتظار أمام أبواب السفارات وعلى جبين المشانق التي أعدت لأعداء الوطن.
حسناً لماذا يثورون إذن ؟ الحقيقة أن الجوع ليس السبب فكل التقارير التي أصدرها منتدى دافوس الإقتصادي والبنك الدولي تشيد في السنوات الأخيرة بالأرقام الممتازة التي تحرزها تونس مقارنة بالدول النامية في إفريقيا والعالم العربي , وليست البطالة هي السبب فنسب البطالة في تونس هي الأقل في المغرب العربي , ربما هي الرغبة في التغيير وربما هي ثورة للحرية والكرامة.
لماذا لم يحمل الثوار الشبان في تونس شعارات أو أهداف واضحة ؟ العربي بطول الوطن العربي وجنوب السودان هو إنعكاس لرجل الشرطة , هش لدرجة يمكنك أن تجنده بطريقتك , أن تجعل منه إرهابياً أو عميلاً , يفكر في الهجرة , يائس ومستعد تماماً ليشارك في أي ثورة , مشوش ويستطيع أن يكون وطنياً وسارقاً للمال العام في نفس الوقت , هو يحرق نفسه في القاهرة ونواكشوط والجزائر وهو نفسه من يصوت مع إنفصال جنوب السودان وهو الذي يخرج محتجاً في عدن.
هناك حكاية تدعى جمهوريات كأن , كأن هناك صحافة حرة , كأن هناك برلمان ممثل – بفتح الثاء لا بكسرها – كأن هناك حراك إجتماعي جرئ , كأن هناك قضاء نزيه , كأن هناك حوار وطني وتسامح وتعايش وإنتخابات .. كأن هو الحل الحلم والوهم الذي اخترعه رجل الشرطة.
أما قبل ففي أبريل من العام 1985 ثار الشعب السوداني ضد الرئيس جعفر النميري مما اضطره للجوء لمصر وهو في طريق عودته من امريكا بعد حكم استبدادي استمر 16 عاماً , أما بعد فقد تذكرت عبارة تقليدية كانت تعلق في أروقة المدرسة التقليدية تقول : بلوغ الديموقراطية ممكن لكن الحفاظ عليها صعب.ما سبق هو مقال كتبته يوم 16 يناير بعيد سقوط بن علي ورفضت الجريدة نشره !
في صباح يوم الثلاثاء 21 ديسمبر من العام الماضي كنت أقود سيارتي إلى عملي واستمع لقناة الجزيرة من خلال الراديو , كانت الأحداث في تونس للتو تشتعل ومحصورة في نطاق مدينة سيدي بو زيد , وفجأة صرخ احدهم معلقاً ( يا سيدي يا سيدي المواطن التونسي يشعر بالحقرانية ) , الحقرانية هذه الكلمة التي أجاد إخواننا في شمال إفريقيا نحتها لتفسر الحال تماماً , انقطع الإتصال ومذاك عرفت أن ما يحدث يستحق المتابعة.
قرأت قبل ثلاثة أعوام مجموعة مقالات كتبت بمناسبة مرور 40 عاماً على ثورة الطلاب مايو 1968 ونشرت في موقع الأوان الممتاز والمحجوب , حكاية تلك الثورة قد تكون الأكثر قرباً مما حدث في الدول العربية مؤخراً , ثورة لم يتوقعها أحد , ثورة ضد القمع والإمبريالية وصورة الأب المعلقة في البيت ومركز الشرطة , ثورة الشبيبة المتعطش ليقول نحن هنا وهذا هو صوتنا , ثورة واجهها الأمن بقسوة مما جعل الملايين من سكان باريس يخرجون إلى الشوارع تضامناً مع الطلبة.
من رموز الثورة المصرية الشابة وإن كانوا يصرون أنها ثورة بلا قادة وائل غنيم وهو شاب حائز على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال ويشغل منصب المدير الإقليمي لشركة قوقل في مجال التسويق , ونوارة نجم وهي صاحبة المدونة الشهيرة (جبهة التهييس الشعبية) فتاة جامعية ايضاً تعمل في التلفزيون بمرتب قدره 2000 جنيه مصري , راجعوا مقاطع الفيديو للشبان والشابات , راجعوا صور الشهداء سالي زهران وكريم بنونة ومصطفى الصاوي وإسلام بكير , لم يكن مظهرهم يوحي بالفقر أو الحاجة بقدر ماهو تعطش للحرية والديموقراطية والحلم بمصر جديدة قوية.
في برنامج تلفزيوني ظهر الكاتب المصري الذي يستحق المتابعة والمشاهدة بلال فضل ليقول أنه خرج في مظاهرة يوم 25 يناير كما هي عادته في معاداة النظام المصري البائد , خرج وهو يحمل كيس فيه أدوية السكر وملابس متينة لأنه كان يتوقع ككل المظاهرات أن يصرخوا قليلاً ثم تتم مطاردتهم وضربهم وسحلهم وسجنهم , الشبان معه لم يكن لديهم تاريخ من هذا النوع , خرجوا ليفرضوا ما حلموا به طويلاً في عوالم السيلكون على أرض الحقيقة , هذا هو الفارق بين جيلين , بين عقلين وطريقتي تفكير.
ثمة أغنية للفنانة نانسي عجرم في إلبومها الأخير تدعى ( في حاجات ) كنت قد اهديتها لوزير الثقافة والإعلام الدكتور الوسيم عبدالعزيز خوجه تقول في مطلعها ” في حاجات تتحس وما تتقلش , وإن جيت أطلبها أنا ما أقدرش .. في حاجات تتحس وما تتقلش , توجع في القلب وما تبنش ” , هذه الأيام يبدو من المناسب نصح الحكام العرب بسماعها .. وليس مشاهدتها.
بقدر دهشتنا وفرحنا بثورة أصدقائنا الشبان في دول العالم العربي بقدر سخطنا على النخب التي كانت تسلخنا كل يوم وتتهمنا بالغباء والجهل والتخلف والتطرف والموت والضياع والتشرد والمستقبل المظلم وخيبة الأمل , الثورات العربية الأصيلة ستكون ثورة للإنسان العربي على نفسه , أصبحنا أكثر ثقة بأنفسنا وبما نقول وبما نفعل وبما نفكر فيه , الأهم أن وعي الشباب وإرادتهم بدأ يفرض نفسه وبقوة , بعيد سقوط كل حاكم عربي واثناء السقوط ايضاً ومن مظاهر السخط على النخب تنشر قوائم بالأشخاص الذين وقفوا ضد الثورة , حتى هنا في السعودية نشرت قائمة وبالأسماء تدعي ( مثقفون سعوديون من جنبها ) لمثقفين وكتاب رأي وقفوا تماماً ضد حرية الشعوب , لا لشئ سوى لنقطع خط العودة على هؤلاء كي لا يضحكوا علينا وعلى أنفسهم مرة أخرى.
منذ نشوء الدولة السعودية الحديثة وحتى عشر سنوات سابقة لم يكن في السعودية سوى 7 جامعات بيروقراطية , خلال العشر سنوات الأخيرة فقط افتتحت 26 جامعة حكومية وأهلية و 15 كلية وعشرات الكليات والعاهد المتخصصة ومئات من مراكز تعليم اللغة وتعليم تقنيات الكمبيوتر ثم افتتح مشروع التنوير مشروع الملك عبدالله للإبتعاث كل هذا برعاية ثورة الإعلام والإعلام الجديد , كل هذا وأنت تقرأ في جريدة الوطن على سبيل المثال خبر قيام شرطة العاصمة البلجيكية بروكسل سحب رخصة القيادة من الأمير لورانت الإبن الأصغر لملك البلاد إلبرت الثاني لتجاوزه حد السرعة القانونية , الذي يتجاهل ما يحدث للشباب في السعودية الآن هو يغمض عينيه ويخون نفسه والوطن.
ماهي قيم الشباب الآن ؟ قد لا أكون مجازفاً إن قلت أن ولاء المراهقين لجستن بيبر أو ليدي غاغا هو أكبر من ولائهم لإمام المسجد في الحي أو مثقف النادي الأدبي , وهذا لا يناقض تسلح من هم في مرحلة الجامعة وما بعد الجامعة بالقيم الجديدة , الديموقراطية , الحرية الفردية , التطوع , الإحتساب الإجتماعي , التنمية , الإصلاح ( الإصلاح كان إلى فترة قريبة يعني معارضة أو تأزم لا نحتاجه , الآن عادت الكلمة إلى المعنى الصحيح , الإصلاح هو الخير , اكررها الإصلاح هو الخير ) , الثقافة الجديدة , الليبرالية , الإسلام المدني , الحوار , الحقوق , القانون , الإنتخاب , المجتمع المدني , وسأضرب هنا مثالاً صغيراً , في أبريل 2009 نشر مجموعة من الشبان في السعودية وكنت أنا من ضمنهم عريضة تطالب بالمزيد من الإصلاحات في القضاء وهيكلة الدولة , وبعد شهرين من نشر العريضة في عدة مواقع لحث الناس على التوقيع لم يوقع سوى 77 ناشط وناشطة وبأغلبية شابة كانت تلك تجربتها الأولى في المشاركة بكتابة عرائض من هذا النوع , خلال الأسبوع الماضي أصبح توقيع العرائض والمزايدة الخلاقة في رفع سقف المطالب وعدد الموقعين مدفوع من شبان وشابات ليست لهم اهتمامات سياسية صرفة , بل حب لوطنهم هو القاسم الوحيد الذي جمع الفسيفساء بطول الوطن وعرضه.
مع الوقت أصبح لدينا نحن السعوديون وعي مبالغ فيه ونزعة إنتقاد حاد تجاه الإعلام , حتى أن نكتة انتشرت تقول أن مجموعة من السعوديين خرجوا في مظاهرة أمام مكتب قناة العربية في الرياض , مع تتابع الأحداث يكتشف المشاهد العادي خدعة الحياد في تغطية الأحداث التي جرت قبل عامين في ايران ثم التي حدثت في تونس ومصر والبحرين وليبيا , والأهم أنه يكتشف من يقف خلف هذا الخداع ولماذا , أعول على هذا الوعي والعلم على ان نتجاوز إشكالاتنا الطائفية والقبلية.
يقول الله تعالى ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ويقول تعالى ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ ) فالاستقرار نعمة ولكن طول أمده وإن كان يُظن به الخير هو مفسدة , والتغيير مطلب , ومطلب مُلح ومشروع وإنساني ومنطقي , وكلما استرجعت مقولة للإمام علي كرم الله وجهه حين يقول : ربّوا ابنائكم على غير ما درجتم عليه لأنهم مخلوقون الى زمان غير زمانكم , أجد أنني أتقاطع كثيراً مع مطالب الثوار بالتغيير الحقيقي في البلدان العربية وعلى وجه البسيطة.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد