مراجعات في الصحوة وتجربة الثمانينات بمنتدى الثلاثاء

4٬453

في آخر مناقشاته للموسم الثقافي السابع عشر، تصدر موضوع “نقد خطاب الصحوة والحراك الشيعي” طاولة منتدى الثلاثاء الثقافي في ندوته التاسعة والعشرين، باستضافة كل من الصحافي والكاتب حبيب محمود والمحامي والكاتب خليل الذيابي، وذلك مساء الثلاثاء ١٣ شعبان ١٤٣٨هـ الموافق ٩ مايو ٢٠١٧م، وبحضور جمع من الكتاب والمثقفين المهتمين.

وصاحب الندوة مشاركة الأستاذة صديقة المهدي معرفة ببرنامج “النجاح في عالم متغير” وهو برنامج تدريبي يهدف لمساعدة الشباب على النجاح من خلال دورات تعمل على تنمية القدرات المعرفية على التعلم المستمر وتجاوز عقلية الأحكام الجاهزة، كما تهتم برسم مسارات النجاح عبر تطوير المفاهيم والعوامل المحيطة بالفرد، مشيرة أن هذا البرنامج تتبناه “شبكة نجاح ٢١” ومقرها الأردن من خلال ١٨ مؤسسة شبابية في البلاد العربية تنشط في مجال التعليم الإلكتروني، وتدريب الميسرين على البرنامج، ومهرجان الأفلام القصيرة للنجاح، ومشروع بناء لدعم وتقوية الفرق العاملة على نشر ثقافة النجاح. كما تضمنت الفعاليات المصاحبة مشاركة الأستاذة أنفال السادة بمعرضها التشكيلي للأسبوع الثاني على التوالي، والتي تحدثت عن قيمة الفن كتعبير راق يشبع من خلاله رغبة الأفراد في التعرف على أبعاد متعددة للحياة، وعرفت بتجربتها في ابراز مكانة المرأة ودورها ومسئولياتها الحياتية بالفن التشكيلي، وقدمت عرضاً بمشاركاتها في المعارض الفنية والتي حصلت من خلالها على جوائز وشهادات تقديرية.

أدار الأمسية الأستاذ محمد الشافعي مبرزاً أهمية موضوع الندوة بأنها محاولة لكشف التركة التي خلفتها الحقبة السابقة لاسيما في بعدي انتعاش الاسلام السياسي والتخندق المذهبي، مشيراً إلى أن القراءة النقدية هي بداية الطريق للتخلص من الارتهان للتوتر والوضع المأزوم المثقل به واقعنا الثقافي والاجتماعي. وعرف بضيفي الندوة الأستاذ حبيب محمود الذي التحق بالعمل الحكومي ثم تفرغ للعمل الصحفي ويشغل حالياً مدير التحرير لصحيفة الشرق، كتب في نقد الأدب والتشكيل، يهتم حالياً بتدوين الفلكلور من منظور لساني اجتماعي، له ثلاث روايات ومجموعتي شعر، والأستاذ خليل فرحان الذيابي خريج كلية الشريعة والقانون بالجوف، محام ومستشار قانوني، كاتب اسبوعي بصحيفة الجزيرة السعودية، صاحب مدونة الثقافة القانونية، له العديد من البحوث والأوراق العلمية منها بحث “المحاماة في المملكة بين الواقع والمأمول” و “العقل الجمعي في التعليم الجامعي”.

الورقة الأولى كانت للأستاذ حبيب محمود الذي بدأ بتوصيف شيئاً من أجواء مرحلة الثمانينات الأولى، وما كان يصل إلى سمعه من أسئلة وكلمات من بعض الأقران كانت حينها عصية على الفهم والوضوح غير أنها تعكس صدى تجربة اسمها “أحداث ١٤٠٠”. وسرد تسسلسل أهم الأحداث التي شكلت تعقيدات الوضع آنذاك بدءاً من انتصار الثورة في إيران عام ١٩٧٩م ثم اشتعال الحرب مع العراق وتعقّد العلاقات الايرانية الخليجية، وصولاً إلى عودة السفارتين السعودية والايرانية واصفاً الفاصل بين عامي ١٩٧٩ -١٩٩٣م بأنه خريفاً موحشاً اختلط فيها السياسي بالقوميّ والمذهبي والعسكري والأمنيّ. بعد ذلك تحدث الأستاذ حبيب محمود عن الشيعة السعوديين في البعد المذهبي بتفرعاته الثلاثة الرئيسة الزيدي والإمامي والإسماعيلي، إذ لو ضيّقنا البحث على الإمامية فإن الأمر يقودنا إلى مدرستين فقهيتين مختلفتين الإخبارية والأصولية، وحين نركّز على الثانية فيمكن تقسيمها إلى مدرسة “إرشادية” وأخرى “حركية”. والحركية يذهب بنا شقٌّ منها إلى “ولاية الفقيه” وشقٌّ آخر إلى خلاف ذلك.

تحدث الأستاذ حبيب محمود بعد ذلك حول التجاذبات السياسية في المنطقة الخليجية قائلاً إن التغيّر الهائل الذي حدث في إيران عام ١٩٧٩م كان مُراقباً من قبل حكومات الخليج وشعوبها، وعلى مستوى الأنظمة؛ لم يكن القلق نابعاً من كون النظام الجديد في إيران شيعيّ المذهب فالشاهُ شيعيٌّ أيضاً، وإيران ذات غالبية شيعية ديموغرافياً منذ وصول الصفويين إلى حكمها في القرن ١٦ الميلادي ، فالقلق الخليجي نبع من عودة الحراك الثوريّ إلى المنطقة العربية، ونجاح الثورة في إيران حرّك مياهاً راكدة، وأوحى لإسلاميين – حتى من خارج الدائرة الشيعية – أن يتحرّكوا، كلٌّ على طريقته، وحدثت المفاجأة المُباغتة في أول أيام محرم ١٤٠٠هـ، داخل الحرم المكي الذي اقتحمه جهيمان العتيبي ٢٠٠ مسلّح من أتباعه، وأصدروا بيانهم الأول وبعد أقلّ من ١٠ أيام؛ حدثت اضطرابات القطيف مشيراً الى أن الفارق الثقافي هائلاً بين حركة جهيمان ومظاهرات القطيف حيث نُسب إلى حركة جهيمان مطالبتها ـ ضمن ما طالبت به ـ بإبعاد الشيعة من البلاد. في حين كان قادة حراك القطيف يجدون في جهيمان “ثائراً”.

من بعد ذلك استطرد بالحدديث عن أحد تداعيات الثورة الايرانية بالقول أنها أيقظت حراكاً دينياً غير مسبوق على الرغم من الفوارق الأيديولوجية الحادة؛ فإن التيار الديني أخذ يفرض واقعه في المجتمعات العربية، وهكذا في القطيف كان التيار الديني يتـّسع وهذا هو بيت القصيد؛ إذ إن الممارسة الدينية، في القطيف، تبنّت منهجين مختلفين، أحدهما التزمه المحافظون، والآخر مارسه الثوريون، وقد وقع الجميع في حالة تنافر على أساس جدليّ عمّق الشرخ الاجتماعي. وكان التكاثر اللافت لرجال الدين قد فرض واجهة دينية لم يُستثمر كما ينبغي لتعميق صورة رجل الدين في المجتمع، لافتاً النظر أن تكاثر العمائم إنما هي نتائج ظروف سكانية وسياسية وأيديولوجية وتعليمية واقتصادية، وأردف بالقول أنه على الرغم من تبدّل كثير من الأوضاع وبروز كثير من الحقائق الجديدة في شأن المرجعية والتقليد الفقهي بتعدد المرجعيات؛ فإن حزازات تلك المرحلة ما تزال تُلقي بآثارها في النفسية الاجتماعية في القطيف منذ مطلع القرن الهجري الحالي.

ثم تطرق لتأثير الظرفين السياسي والأيديولوجي لفهم بعض الحقائق المتصلة بموقع القطيف وطنياً ومذهبياً من الظرف السياسي الذي عاشته منطقة الخليج منذ الثورة الإيرانية حتى تحرير الكويت، ولاسيما الصراع المحتدم بين شعارات تصدير الثورة والقلق الخليجي من احتمالات نتائج الحرب العراقية الإيرانية ووسط هذا الواقع العسكري السياسي فإن الواقع الإقليمي آنذاك تضمّن أيضاً حالة تناطح مذهبي بين ضفتي الخليج، وهو تناطح ألهم طرفيه الكثير من مفردات الهجاء المذهبي، فوُضعت “المجوسية” بإزاء “الوهّابية” في أدبيات اللغة الإعلامية اليومية، وفي الوقت الذي استمرّت فيه المساجد وأئمة الجمعة وكتّاب الصحف يحملون راية التشنيع على الرافضة ” ويخلطون السياسي بالعقـَدي، في هذا الوقت كان الاعلام الايراني يحمل خطاب الثورة وأخبار الحرب، فكانت الفاتورة باهظة، عززت حالة الانعزال الثقافي والانكفاء على الذات المحليّة جداً، ودعت إلى محاولة إنتاج ثقافة وقائية تواجه مدّ التشنيع المذهبي.

وانهى الأستاذ حبيب حديثه بالتأكيد بأن على شيعة الخليج بالذات أن لا يدفعوا أيّ جزء من فواتير التناطح السياسي في المنطقة، ولكنّ ما يجري هو أنهم يُساقون إلى تحمّل أجزاء من فواتير هذا التناطح بإرادتهم حيناً، ومن دون إرادتهم وفهمهم أحياناً أكثر..! اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط متشابكة على ذلك النحو الذي تتخالط في تشابكها الامتدادات القومية والتشظيات الأيديولوجية والمصالح الدولية في مقابل الحقائق الجيوسياسية، وهنا على الشيعة أن يفيقوا من الوهم الأيديولوجي، حتى لا يستمر مسلسل إمدادات الوقود السياسي لهذه الحساسية، كما كانوا في ثمانينيات القرن الماضي.

طرح الأستاذ خليل الذيابي الورقة الثانية في نقد مرحلة الصحوة، ممهداً الحديث بالقول إنه لا يوجد تعريف جامع للمصطلح لأن تعريفها منقسم بين ثناء باعتبارها تجديداً للخطاب الإسلامي أو نقد همش دورها وسطح رؤيتها، لكن المحاضر ذهب إلى توصيف الصحوة بأنها حركة ارتدادية للمجتمعات المسلمة التي تدعو إلى الانغماس في القيم الدينية اللحظية منها والمستقبلية دون مراعاة للمحتوى ومآلاته. وتطرق لخلفية نشأتها الفكرية بالقول أنها ترجمة لهاجس الفراغ المرجعي الذي أصاب المسلمين إثر سقوط الخلافة فتوالت التيارات الإسلامية المتعددة في تلبس هذا الخطاب من خلال تغذية المريدين حسبما يراه التيار وبما يخدم مقاصده كالقاعدة وداعش والتيارات المتطرفة الأخرى التي استخدمت سياسياً، مذكرا بما ذهب إليه الدكتور جاسم السلطان بأن الصحوة كانت استجابة ظرفية لهزيمة ٦٧، وفي إشارة لتقييم الصحوة فكرياً ذكر أنها استطاعت أن تبني لمريديها حصانة عن أفكار التيارات المناوئة لها.

انتقل الأستاذ الذيابي بعد ذلك للبحث في أسباب ازدهار حالة الصحوة في شقيها المتطرف والمعتدل، وأشار إلى أبرز تلك الأسباب وهي التركيبة القبلية والمناطقية للمجتمع المحلي وحداثة التمدن مما سهل لأقطاب الصحوة الباس الرأي السياسي باللباس الديني، الأمر الذي أدى إلى انجراف الكثير من مريديها نحو التطرف. وفي محاولة لتشخيص المشكل الرئيس لمسألة الصحوة تطرق المحاضر لموضوع تحولها من فكر الدعوة إلى عقيدة التطرف من خلال تفعيل نصوص الولاء والبراء والفهم الجاهل لذلك، وحشر القاصرين علمياً في مسائل ضخمة تحتاج إلى التفسير بعقلية الفقيه المعاصر الذي يوازن بين المصالح الكبرى والصغرى، مستشهداً في ذلك بحالة التصادم مع الرأي السياسي التي حصلت إبان الغزو على دولة الكويت.

وتناول الباحث خليل الذيابي عرضا لتمثلات الصحوة على الحياة الفردية والاجتماعية من خلال استذكاره لممارسات الصحويين وإقامة برامج ومخيمات لاستقطاب الطلبة المتميزين وبرمجة عقولهم بافكار مقولبة ايدولوجيا تشكل بنية فكرية تتعارض مع واقع الحياة العامة. وذكر ان بعض اللمارسات تشمل مخالفة الوالدين والانكار عليهم والتصدي للتوجيه العام في المجتمع ومراقبة المخالفات الشرعية وغير ذلك، مختتماً حديثه بالتركيز على أهمية الوعي المجتمعي كمحدد في تصحيح مسارها أو نهاياتها.

كانت أولى المداخلات للأستاذ حسين العلق الذي أشار الى أهمية استخراج العبر والدروس من أحداث وملابسات تلك الحقبة والتي من أهمها المعالجة السياسية للقضايا التي تنشأ بسبب التحولات الفكرية والسياسية، وفي مداخلته انتقد الأستاذ نادر البراهيم عدم تطرق الورقتين لموقعية الفكر الحداثي في صراعات تلك الحقبة، وتحدثت الأستاذة نسيمة السادة عن جدلية الربط بين الدين والسياسة والعاطفة وأهمية دراسة قرب العامل السياسي وبعده في الأحداث والاستفادة من التجارب السياسية الايجابية لبعض الدول في احتواء الأزمات.

الكاتب محمد الجلواح تحدث عن الفرق بين دراسة التجارب لقراءة النجاحات والعثرات وبين جلد الذات مؤكداً أن الأخير يصد عن الاستفادة من أحداث الماضي، وانتقد الأستاذ محمد المحسن تسييس الدين وأشاد بكتاب الباحثة الفرنسية “لورانس لوير” حول السياسة الشيعية العابرة للأوطان. كما أشارت الأستاذة منى الشافعي إلى فروقات جوهرية فكرية وسياسية بين حركة اقتحام الحرم المكي عام ١٤٠٠هـ والحراك الشيعي في الثمانينات، وناشدت الأستاذة عالية فريد في مداخلتها القيادات السياسية والدينية للحكومات والتيارات في المنطقة العربية لاحتواء حالة الاحتراب القائمة اليوم لأنه لا مكاسب حقيقية وراءها.

وأسفت الإعلامية عرفات الماجد لتغلغل الحالة القبلية والمناطقية في مجتمعنا، الأمر الذي يعيق بقوة الاستفادة من التجارب الديمقراطية العالمية، وأكد الدكتور عبد الله عبيدان على أهمية تأطير العلاقة بين المكونات المجتمعية والدولة والمكونات ببعضها على أساس المواطنة والمصلحة العليا للوطن، ودعا إلى أهمية أن ترتقي المكونات المجتمعية بوعيها بحيث لا تكون الأحداث الخارجية هي معيار العلاقة بينها.

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

التقرير على اليوتيوب:

المحاضرة الكاملة:

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد