المشاركة السياسية للمرأة

3٬198

يقول تعالى { المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
إن مفهوم المشاركة السياسية في الحياة العامة يتسع ليشمل في أضيق حدوده المشاركة في اتخاذ القرار، والمساهمة في آليات تنفيذه، وتقييم نتائجه، والاستعداد للمراحل التالية، وإعادة النظر في القوانين القائمة، وطرح مقترحات لقوانين وأنظمة جديدة، وذلك في جميع نواحي الشأن العام، وعلى أعلى المستويات، وفي كافة أجهزة الدولة، وسلطاتها الثلاث. من هنا يجب أن نحدد من يحتاجه المجتمع لذلك؟ وهل ينمو مجتمع ويزدهر في ظل تعطيل طاقاته، وشل حركتها؟
من البديهي جداً أن المجتمع يقوم على ركيزتين، المرأة والرجل، وأي ضعف في أداء أحدهما لا شك أن سيكون له مردود سلبي على المجتمع. وهذا هو حال واقعنا المعطلة إحدى ركيزتيه. إذ أن المرأة تستبعد من تلك المشاركة، وتحرم من حقها الطبيعي في ذلك. فبالرغم مما أثبتته المرأة السعودية من جدارة وكفاءة ونضج عقلي؛ مما يؤهلها لأن تساهم في قيادة الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي، وأن تسهم في رفع الوعي العام للمجتمع، إلا أنها لم تعط الفرصة الكاملة للقيام بذلك!
حيث أقصيت عن علو مراتبها التي أوجدها الخالق عليها، حين سلبت منها عديد حقوقها. فلم تتسنم مراكز قيادية لها أثرها في الشأن العام كما الرجل، إذ لم نرها في الإعلام رئيسة لتحرير الصحف الرسمية، ولا في البنوك والمستشفيات مديرة لها، ناهيك عن القضاء، أو أن تكون سفيرة أو وزيرة، أو في أي موقع من مواقع السلطة. وجلّ ما وصلته أن اقتصر تعيينها في مناصب الوزارات ذات الطابع الخدمي بعيداً عن الوزارات السيادية، كنائبة لوزير التربية والتعليم، وبالأمس أعلن عن تعيين امرأة أخرى في منصب وكيل للشؤون التعليمية، حتى عندما أريد إدخالها إلى مجلس الشورى وضعت كمستشارة ليس لها حق التصويت، وأقتصر نشاطها على حضور جلسات المجلس التي تبحث وتناقش قضايا المرأة، والتعليم والصحة، ومقابلة الوفود النسائية الدولية، وأحياناً التمثيل الخارجي للدولة، وهي على حالها هذا من عشر سنوات، بالرغم من استفادة المجلس منها التي لا تقل عن استفادته من أعضائه الرجال، إن لم تكن أكثر من بعضهم. أما وجودها في المجالس البلدية كناخبة ومرشحة فهي أبعد ما تكون عنها حتى اليوم، بالرغم من وعود سبقت من أصحاب القرار في الدورة السابقة، بأن يكون لها حق التصويت في الدورات التالية!
ومن أبرز أسباب هذا الدور الناقص غياب إدراك المرأة ذاتها لحقوقها، ولدورها في الحياة السياسية، وشعورها بالتبعية والاتكالية على الرجل، وعدم وضوح الرؤية والرسالة لديها، وانخفاض سقف أهدافها وطموحاتها، مما ساعد كثيراً على تعزيز هذا الإقصاء.
كذلك تدني مستوى الوعي العام، والصورة النمطية المغلوطة عن المرأة في التراث المحلي، وليس من المقبول أبداً أن يكون تراث المجتمع أو ثقافته عذراً لانتهاك الحقوق الإنسانية الأساسية للمرأة. فالحقوق لم يقررها الرجل ولا المرأة، وإنما هي حقوق راسخة في الشرع المطهر، قبل كونها شرعة دولية.
وأجد أن القرار السياسي والإرادة من القيادة العليا_ هذا إن آمنت بأهمية ذلك_ يلجم الأصوات المعارضة _كما حصل مع نشأة التعليم وغيره_ ويمحو عبر الزمن الرؤية القاصرة، والنظرة الدونية للمرأة عند البعض المخالف، إلى أن يصبح ذلك وضعاً طبيعياً جداً. إذ لا زال ينظر إلى مشاركة المرأة السياسية نظرة المشكك والمرتاب في أحقيتها في اكتسابها، وفي قدرتها على القيام بها.
لذا يبرز هنا أهمية تفعيل ذلك، ووضعه على قمة أولويات الدولة. فبالرغم من مصادقة السعودية ومنذ عام 2000 على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتحفظها فقط على الفقرة 2 من المادة 9، وكذلك الفقرة 1 من المادة 29، وإقرارها بكافة البنود كالمادة 2 المتعلقة بحظر التمييز في الدساتير والتشريعات الوطنية، أو المادة 6 المتعلقة بالمشاركة في الحياة السياسية والعامة، إلا أنها لم تضع الآليات الفاعلة لتطبيق بنودها، ولم تجري أية تعديلات على القوانين والأنظمة الوطنية التي تتناقض مع نصوص وروح الاتفاقية، بل وكأنها تتساوى في ذلك مع الدول غير المصادقة عليها.
كما يجب تعزيز البرامج والأنشطة التي تعمل على ترسيخ القناعة لدى المرأة أولاً، ولدى الآخرين ثانياً، في أن تكون جزءاً أساسياً في بناء النسيج العام، وشريكاً في التنمية لا مستهلكاً لها. وهذا يستلزم منها الانغماس في مجتمعها المحلي، ومعايشة همومه، وتشخيص مشاكله وأمراضه، والنهوض به، والوقوف في وجه الأعراف البالية التي تحجم دورها، من خلال إدراكها لحقوقها وأخذها عنوة لكل ما يحجب عنها، والنضال من أجل ذلك، فالحقوق وكما هو معروف تنتزع و لا تمنح. كذلك عليها البعد عن الأداء النمطي الذي اعتادت عليه الأجيال النسائية السابقة، وتحسين مسار أجندتها اليومية. والتسلح بسلاح المعرفة والثقافة، كذلك وقوفها بنظرة شمولية على علاقات بلدها الخارجية وارتباطه بمن حوله، وكونه جزءاً من المنظومة الدولية.
واليوم، نجد كيف أصبحت المرأة في عديد من بلدان المنطقة، ومن كافة التيارات السياسية، عنصراً فاعلاً في الحراك السياسي والمدني، وأثبتت وجودها بكل جدارة في الأحداث الراهنة التي تعطر جسد عالمنا العربي، وجعلت نفوسنا تنتشي إجلالا ومهابة، يدثرنا صمتنا المتأمل، بجلباب من الإصغاء المتقد للبطولات الفذّة، والعزائم المستأسدة التي كنا نبحث عنها بين جنباتنا. فوقفت صفاً واحداً تؤازر الرجل، وتسعى معه لتحقيق المطالب الشرعية.
لذا من المؤسف له حقاً إبعاد النساء عن المشاركة في الشأن العام، وفي عمليات الإصلاح السياسي والقانوني والمؤسسي، بل يؤمل أن تترجم أدوارها إلى كفالة الحقوق والمشاركة والمواطنة المتساوية، وتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين، وأخذ التدابير اللازمة لإلغاء جميع المواد والقوانين التي تنطوي على تمييز، بل ومحاسبة كل من يخالفها، وإن لا يكون للأعراف والتقاليد التي تنتقص حق المرأة أي تأثير في مجتمعنا، من خلال الارتقاء بفكرنا إلى الإنسانية الحقّة.
فلو أعطيت المرأة الفرصة لمثل هذا الحضور، وسعت هي أيضاً إليها، بكل ما تملكه من إمكانيات، تماماً كما فعل الرجل، فلا شك أنها لن تكون بعد ذلك أقل من غيرها فاعلية وحكمة في تصريف الأمور.
أختم بمقولة لغاندي” يجب أن تكون أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم”.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد