مسارات الإصلاح ودور العوامل الداخلية والخارجية

3٬933

ألقى الأستاذ توفيق السيف محاضرة في منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 12/7/1424هـ الموافق 9/9/2003م تحت عنوان مسارات الإصلاح ودور العوامل الداخلية والخارجية. وأدار الندوة الأستاذ أسعد النمر، الذي قدم تعريفا بالمحاضر وسيرته الذاتية، كما نوه إلى أهمية موضوع البحث في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها المنطقة.

بدأ المحاضر بتوضيح الغرض من بحثه، وهو تعريف فكرة الإصلاح وتحديد العوامل التي تلعب دورا إيجابيا في تقريب احتمال الإصلاح أو تسريعه، مؤكدا على أن تحديد المفاهيم سوف يساعد على تحديد الزمن السياسي والعوامل السياسية ذات العلاقة بالموضوع. وشرح المحاضر مفهوم الإصلاح المقصود الذي ينصرف فهمه لمعظم الناس للجانب السياسي الذي يعنى على وجه الخصوص بالتقدم باتجاه الديمقراطية.

أما بالنسبة للباحثين، فإنه ينصرف إلى معنى أوسع بكثير، ويمكن إجماله تحت عنوان التحديث. وهو بهذا المعنى يتخذ مسارات ثلاثة، الإصلاح أو التحديث المخطط الذي تقوم به الدولة، ومثاله خطط التنمية الاقتصادية الخمسية، والتحديث الناتج عن مبادرات شعبية بسبب تفاعل الجمهور مع عوامل تأثير داخلية أو خارجية، ويتحقق دون تدخل الدولة، ومثاله قيام مؤسسات المجتمع المدني والتجمعات والمبادرات السياسية وشبه السياسية، ثم التحديث الذي هو انعكاس للعاملين السابقين دون أن يكون مقصودا، ومثاله ارتقاء تقدير الذات نتيجة لتحسن الوضع المعيشي أو العلمي الذي ينعكس على صورة ارتقاء من التعامل التبعي مع الدولة إلى تعامل مصلحي أو رفض للخنوع.

وحول تكامل الإصلاح، تحدث الأستاذ السيف بأن الإصلاح بالمعنى الشامل الذي أطلقنا عليه اسم (التحديث) هو عملية واسعة وطويلة الأمد ومتكاملة الأجزاء وديناميكية. واسعة بمعنى أنها تتطلب عملا على مجالات مختلفة، في أنماط وموارد المعيشة، وفي العلاقات الاجتماعية والثقافة كالقيم والمفاهيم الناظمة للحراك الاجتماعي وفي النظام السياسي، وطويلة الأمد بمعنى أنها لا تتحقق فور صدور قرارات، بل هي أقرب إلى عملية تراكم كمي أولا يقود إلى التراكم الكيفي. كما أن المجتمع يكون خلالها في حالة تجدد وتغير ويواجه مشاكل الانتقال على شكل إحلال قيم وقوى جديدة محل تلك السائدة؛ فالتحديث بذاته يؤجج الجدل الاجتماعي، ويفتح الباب أمام صراعات من أنواع مختلفة.

أما كونها متكاملة، فبمعنى أن كل جزء منها يتطلب الجزء الآخر؛ فالتحديث الاقتصادي – مثلا – يغير العلاقات الاجتماعية، ويؤثر في الثقافة، وهو لا يكتمل إلا مع تغييرات في البيئة القانونية للاقتصاد، وهذا بدوره غير ممكن، إلا مع تغييرات في العلاقة بين المجتمع والدولة، وهي عملية ديناميكية، بمعنى أن ما يحتاج إلى قرار وعمل هو المراحل الأولية من عملية التحديث، أما المراحل التالية، فهي تتحرك بشكل ديناميكي، أي بسبب تدافعها الداخلي، وليس بالضرورة كنتاج لدفع خارجي، مثال ذلك تحديث الاقتصاد وفق آليات السوق يؤدي بذاته إلى عقلنة العلاقات الاقتصادية، كما أن تحديث الجهاز الإداري للدولة يؤدي بذاته إلى توزيع الصلاحيات وتقليص أهمية الأشخاص لصالح النظام العام.

وعن ضرورة الإصلاح السياسي، قال المحاضر أن مفهوم الإصلاح السياسي يطلق على مجموعة الإجراءات الهادفة إلى تنظيم دور الشعب في الحياة العامة الذي يمكن تلخيصه في التمثيل السياسي والبلدي، الشفافية، الرقابة، فصل السلطات، استقلال القضاء، الحريات العامة، وسيادة القانون. وبالنسبة للملكة، فإن ضرورة الإصلاح مبررة بتآكل المشروعية التقليدية، الحاجة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد لمواجهة حاجات السوق، والتغير السياسي في المحيط الذي يوجد بيئة للتعبير الاحتجاجي بسبب فارق الظرف، وظهور أجيال جديدة غير مرتبطة بالنسق الاجتماعي والسياسي التقليدي، ووضح أن ظهور تيارات العنف السياسي، وهو أحد نتائج انعدام حياة سياسية سليمة بسبب تأخر الإصلاح. ويمكن تصور هذه الظاهرة كتمثيل مركز لحالة الانفصال المتفاقم بين المجتمع والدولة، الذي يظهر على نطاق أوسع وأعم على شكل اغتراب بين النخبة، واحتجاج عند الأجيال الجديدة وتدهور هيبة القانون.

ونبه السيف إلى أن البلاد تقف الآن على مفترق طريقين، فإما مبادرات إصلاحية واسعة وجذرية، وإما استمرار التدهور المشار إليه، والذي قد ينتج عنه على المدى القريب دولة عاجزة مكشوفة أمام التدخلات الخارجية، أو دولة قمعية، وفي كلا الحالين، ولا سيما الثاني، فإن أبرز المتضررين سيكون الاقتصاد، وسوف تتعقد الأزمات الراهنة .

وحول العوامل المعجلة للإصلاح، بين السيف أن هنالك ثمة نوعان من العوامل، داخلية وخارجية، ويمكن تصور العامل الداخلي في الانفصال المتعاظم للطبقة العليا والوسطى عن حاملها، أي الدولة، هذا الانفصال ينتج عن تقلص المكاسب المتاحة – كنتيجة لانكماش الموارد أو زيادة الطلب – ويتفاعل مع اتجاه معتاد في الأنظمة التقليدية نحو التسويات الداخلية التي تؤدي إلى تقليص القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي؛ بسبب قصر الوظائف العليا على الأفراد الأقرب. ولو نظرنا إلى المسألة من زاوية أوسع، فسوف نجد أن فلسفة العمل التي تم تبنيها، وأعني الإشراف والسيطرة التفصيلية على مختلف جوانب الحياة في البلاد، ستؤدي بذاتها إلى تركيز التطلعات على الطبقة العليا في الدولة، بينما يمكن لها أن تتلافى هذه المشكلة لو كانت الإدارة العامة خارج النطاق السياسي، لأن المطالبة بالشراكة سوف تتوجه إلى الإدارة بالدرجة الأولى، كما أن سيادة القانون تحرر ذوي السلطة من الاضطرار لتقديم إجابات لحلفائهم أو الساعين للتحالف، إن الطبقة الوسطى بذاتها هي طبقة قلقة، ولهذا تعتبر قوة تغيير، وهي تتعاظم من حيث الحجم – خلافا لما يعتقد البعض –  وانفصالها النفسي عن الدولة يجعلها أقل ولاء وخوفا، وبالتالي أكثر انفتاحا وتقبلا لفكرة التغيير .

ثمة عوامل إضافية أشار لها المحاضر، أبرزها الأزمات الاقتصادية، بالنظر إلى أنها تهز واحدا من أهم أعمدة المشروعية أي مفهوم دولة الرفاه بالنسبة للطبقة العليا، فإن العامل الأساسي للانفصال هو العجز عن استثمار القوة المالية في صناعة قوة سياسية لانعدام الإطارات المساعدة. أما العامل الخارجي، فيمكن تصوره على سياقين، الضغط المباشر من جانب دول حليفة تهتم بضمان مصالحها على المدى البعيد، وهذا يخضع لتصورها عن الطريقة المثلى لحفظ تلك المصالح،  التغيرات في المحيط الإقليمي التي لها انعكاس على توزيع القوى، أو تغيير أدوار القوى المختلفة الفاعلة في السياسة المحلية.

وحول دور القوى المحلية، بين المحاضر أن البلاد عبارة عن ساحة تتفاعل فيها عوامل كثيرة، ومن المهم فهم مسألتين، أولها، إن دور القوى المحلية يختلف باختلاف المرحلة، ففي الوقت الراهن مثلا، يبدو أن دورها مقصور على تعزيز أو استثمار أو تعميق أحد مسارات الحداثة المشار إليه، لكن لو بدا أن أيا من المسارات المختلفة قد نضج فعلا، فإن دورها سيكون تعبئة المجتمع لتطويره وترسيخه وإعادة رسم الخريطة الاجتماعية عبر توزيع القوى في المجتمع بناء على ما يوفره من إمكانات.

أما المسألة الثانية، فتتلخص في كون القوى المحلية غير متبلورة ككيانات سياسية، وهذا ناتج قسري عن ظرف المرحلة التي تعيشها، وهي مرحلة تسمح بظهور علائم على وجود هذه الكيانات، لكن لا تصل إلى درجة التعبير المحدد عن نطاق المصالح المستهدف. ولهذا، فمن المفيد العمل على تحديد هذا النطاق كي يمكن بناء اصطفاف واضح يقوم على أسس محددة.

بعد ذلك، فتح الباب للنقاش أمام الحضور الذين طرحوا مداخلاتهم وأسئلتهم على المحاضر، وتركزت على الجوانب المختلفة لموضوع النقاش وعلى آليات تفعيل المطالبة الشعبية وتفعيل الدور الداخلي للتغيير.

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد