بافقيه يحاضر حول دور المثقف ومسئوليته بمنتدى الثلاثاء

3٬969

في أمسية حافلة بالثراء الثقافي والحوار العميق، تناول الكاتب السعودي حسين محمد بافقيه قضية مسئولية المثقف في ندوة بمنتدى الثلاثاء الثقافي تحت عنوان “المثقف: رسالته ودوره الاجتماعي” وبحضور ثقافي متميز وذلك مساء الثلاثاء 8 صفر 1436هـ الموافق 8 نوفمبر 2016م.

وأدار الأمسية الأستاذ محمد المحسن الذي افتتحها بالحديث عن الاتجاهات المختلفة لمفهوم المثقف ومسئوليته في المجتمع مسترشدا بما طرحه الدكتور علي شريعتي في هذا المجال والذي حدد دور المثقف بمسئوليات أبرزها العودة إلى الذات والانطلاق من الواقع، وتشخيص المشاكل والقضايا التي يعيشها مجتمعه والاقتراب منه، ومواجهة التقليد والجمود بالتجديد والاجتهاد. وعرف المحاضر بأنه يحمل ماجستير في النقد الأدبي من جامعة الملك سعود بالرياض، ويعمل حاليا في قسم الشئون الثقافية بوزارة الثقافة والاعلام، وعمل قبلها رئيسا لتحرير صحيفة ام القرى ومجلة الاعلام والاتصال ومجلة الحج والعمرة، كما ترأس إدارة الأندية الأدبية في وزارة الثقافة والاعلام. وأصدر بافقيه العديد من المؤلفات والدراسات المنشورة منها طه حسين والمثقفون السعوديون، اطلالة على الثقافة في السعودية، الحداثة الغائبة، تهامة وطني: محمد سعيد طيب والثقافة.

بدأ الأستاذ بافقيه محاضرته بتقديم الشكر للمنتدى الذي أتاح له فرصة زيارة محافظة القطيف واللقاء بمثقفيها وشعرائها والتعرف على المكتبات العامرة فيها والتي اعتبرها من الكنوز الثقافية المهمة، ثم تناول مفهوم المثقف والثقافة والالتباس المتداخل في فهمها مشيرا إلى ظنه أن أول من استعمل كلمة “مثقف” في الوسط العربي هو طه حسين حيث اشتغل عليها في العديد من مؤلفاته، ولعله يكون أول من نظر لمصطلح “المثقف” ودوره في الحياة المعاصرة حيث شارك حول ذلك في عدة مؤتمرات ونشر دراستين حول هذا الموضوع باللغة الفرنسية ترجمتا للعربية لاحقا. وبين أن طه حسين يعتبر أول من أصلوا لمسئولية المثقف التي عبر عنها ب “الالتزام”، والتي نشرها ضمن دراسات في مجلة الكاتب المصري ثم في كتابه “ألوان”، موضحا أن أهم أطروحاته جاءت في كتابه المثير للجدل “الثقافة في مصر” والذي كان يستشرف فيه مستقبل الثقافة.

وواصل المحاضر قراءته لاهتمام المفكرين بموضوع “الثقافة والمثقف”، فذكر ان مالك بن نبي كتب “مشكلة الثقافة” في ظل وضع بلد محتل يرزح تحت نير الاستعمار، كما تناولها أيضا قسطنطين زريق في كتابه “مسائل الحضارة والثقافة”. وأشاد كثيرا بالمعالجات التي تناولها علي عزت بيكوفيتش التي تناول فيها مسألة الثقافة كعنصر أساس في تركيب الهوية. واستعرض في حديثه رؤية طه حسين حول رسالة المثقف من خلال انتمائه إلى واقع اجتماعي معين مؤكدا على أهمية استقلاليته عن رعاة الثقافة والأدب والفن من خلال “حرفة ثانية” كي يعيش مستقلا لضمان حريته. ويضيف بافقيه أن طه حسين لم يكن يسلم بكثير من المقولات السائدة حول علاقة المثقف بمحيطه ومجتمعه، فهو يفترض “ولادة الكاتب” لئلا يكون خاضعا كل الخضوع للجماعة التي ينتمي اليها.

وناقش الفروقات التي امتاز بها جيل طه حسين عمن سبقه ممن لم يستطع الانفكاك من كنف الأمير (الخديوي)، فأحمد شوقي مثلا عاش ضمن جو ثقافة عربية تؤمن بضرورة وجود راعي للثقافة، لكنه بدأ يتفاعل متأخرا مع الجمهور وخاض تجربة جديدة لا تنتمي بالمطلق للتقاليد البلاطية ككتابة مسرحياته المشهورة. وأوضح المحاضر أن جيل طه حسين كان أكثر جرأة في نقد الثقافة بسبب انتشار التعليم، مبينا أن سوسيولوجيا المثقف لم تنل حظها من الدراسة والتأمل.انتقل الأستاذ حسين بافقيه لعرض تجربة مثقف شفاهي سعودي لم يمارس الكتابة على الرغم من بداياته النقدية التي لم تنعكس على اصداراته ومنها كتاب “مثقفون وأمير”، مشيرا إلى أن اختياره على دراسة هذا النموذج من المثقفين الأحياء لكونه موجودا ويمارسه نضاله الحواري السلمي منذ حوالي نصف قرن مؤمنا بمبدئية الحوار كخيار استراتيجي بين مختلف الأطراف، وبالخصوص بين المثقف والسلطة.

وتحدث حول أن رؤيته للحوار تأتي من قراءته لتوصيف عالم الاجتماع السياسي الدكتور سعد الدين إبراهيم لخيارات الحوار بين السلطات والمثقفين العرب والتي شبهها بالجسور الذهبي والفضي والخشبي، وآخرها يعني أن يكون المثقف المحاور في وضع المستشار الذي قد لا يؤخذ برأيه ولكن يستمع له.واستعرض تجربة محمد سعيد طيب في ادارته لشركة تهامة والتي أنشأ من خلالها 56 مكتبة في مختلف أنحاء المملكة على الرغم من كونها شركة إعلانات كبرى، كما أسس منتدى الثلوثية التي يقيمها أسبوعيا في منزله ويحاور فيها العديد من المسئولين والمثقفين وصناع القرار، وأنه في عام 1991م نشر كتابه “مثقفون وأمير” باسم مستعار إلا أنه أعاد طبعه ونشره باسمه الحقيقي لاحقا، ويقوم على فكرة حوارية بين مجموعة مثقفين بمختلف اتجاهاتهم وأمير يحاورونه حول مختلف القضايا كالإصلاح السياسي وتطوير آلة الحكم وسياقة المرأة للسيارة إلا أنه بدا صامتا ليس له دور في تحريك الحوار.

وبين المحاضر أن طيب مارس دوره الوطني في الإصلاح كمثقف من خلال مشاركته في العشرات من الحوارات في مختلف القنوات الفضائية ومع قادة رأي من مختلف الاتجاهات الفكرية والدينية، كما أنه يؤكد وما أنه ليس من العيب على المثقف الوطني من أن يكون ذا صلة بالسياسي من أجل تعزيز التواصل وليس أن يتحول لمثقف منتفع وذلك من أجل المحافظة على شرف المثقف وأخلاقياته ورسالته. وأوضح في ردوده على بعض مداخلات الحضور بأنه ينبغي ألا نزايد على دور المثقف ونحمله مسئوليات كبيرة، فعمل المثقف في المنطقة الوسطى مهمة وصعبة بعكس القطيعة بين المثقف والمسئول.

وفي بداية المداخلات، تحدث الأستاذ عبد الباري الدخيل عن صعوبة وأحيانا استحالة ممارسة الدور الوسطي بحيث أن المسئول يطالب المثقف أن يكون تابعا وليس مقابلا له، وطالب الأستاذ منصور سلاط بضرورة الانفتاح على التجارب الوطنية المختلفة واستحضار الشخصيات الثقافية الوطنية التي كانت لها مساهمات ودور ثقافي ملحوظ. وتساءل الأستاذ محمد المسكين عن دور الثورة الرقمية في تطوير موقعية المثقف ومسئوليته الاجتماعية، كما طرح الشاعر حسن السبع رأيه في أن دور المثقف لا يكتمل إلا ضمن مساحة مفتوحة حيث أنه يعيش محن عديدة، وكلما ضاقت مساحة التعبير انكفأت الفعاليات الثقافية.

ونبهت الكاتبة وجيهة الحويدر إلى استحضار التجارب الثقافية النسوية في المملكة حيث أنهن حاربن ولا يزلن على أكثر من جبهة تبدأ بدوائر الأسرة والقبيلة والمجتمع والسلطة مؤكدة على أهمية المساواة بين الجنسين بصورة واضحة. وتابعت الأستاذة عالية آل فريد بإشارتها الى انحسار دور المثقف في المرحلة الحاضرة متسائلة عن سبل تجسير الفجوة بين المثقف والسلطة. وأكد فضيلة الشيخ حسن الصفار على أهمية اعتماد الحوار كاستراتيجية نهائية بين مختلف الأطراف بعيدا عن الاشتراطات المسبقة أو عن النتائج المتوقعة منه مشيرا إلى أننا نعيش أزمة حوار بين المختلفين بسبب اشتراط ضمانات مسبقة أحيانا.

كما أشاد الشاعر عدنان العوامي بالمحاضرة وعبر عن سعادته بتناول هذا الموضوع بصورة جادة وواضحة، وتحدث أستاذ النقد في جامعة الدمام الدكتور مصطفى الضبع عن سعادته باللقاء ووجوده في المنطقة الشرقية حيث تكثر الفعاليات الثقافية المتنوعة، حيث عبر عن أن دور المثقف بحاجة إلى مراجعة فهو غير معني بالصدام إذ شبهه بالبرمجيات في الحاسوب بينما المجتمع هو الأجزاء الصلبة فيه مشيرا إلى أهمية كتاب العقاد “التفكير فريضة إسلامية”. وتساءل الأستاذ حسين الشيخ عن الفرق بين المثقف والأكاديمي وأيهما أكثر اخلاصا للعلم والمعرفة، كما أشار الأستاذ محمد الماجد إلى ضبابية مصطلح المثقف وحالته في المجتمع، وطرح الأستاذ زكي أبو السعود في مداخلته تغييب المثقفين الطليعيين ممن لعبوا دورا كبيرا في بروز مفهوم الثقافة ودور المثقف.

وشكر الأستاذ جعفر الشايب ضيف المنتدى مؤكدا على أهمية الاستمرار في تناول الشخصيات الثقافية الوطنية التي تساهم في تعزيز دور المثقف في ممارسة دوره الوطني.وضمن فقرات الفعاليات المصاحبة للندوة، تم تكريم الطالبة منار فريد الصادق لمشاركتها في مسابقة “اقرأ” التي تنظمها شركة أرامكو السعودية، وكذلك الفنانة الواعدة الشابة دانة الضامن التي أقامت معرضا فنيا لأعمالها. وتحدث في الأمسية أيضا الأستاذ علي الحرز بكلمة عن تجربة تأسيس مكتبة “جدل” التي تعتبر أكبر مكتبة أهلية في محافظة القطيف.

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

التقرير على اليوتيوب:

المحاضرة الكاملة:

كلمة الأستاذ علي الحرز (مكتبة جدل):

كلمة الطالبة منار الصادق:

 

كلمة الفنانة الواعدة دانة الضامن:

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد