منتدى الثلاثاء وآفاق التسامح

241

الدكتور إياد البرغوثي

لولا أن الغرض الأساس من كتابة هذه الكلمات، هو تقديم التبريكات للأصدقاء في منتدى الثلاثاء الثقافي في المملكة العربية السعودية، بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس المنتدى، لفضلت كتابة مقال حول فكر المنتدى ونشاطه، بعنوان ”منتدى الثلاثاء ورحابة الأفق“، لأن ذلك العنوان هو الذي – برأيي – قد يقترب من إعطاء المنتدى حقه لكونه الأقرب إلى وصف التعددية، والرحابة وسعة الأفق، والتفاؤل الذي لا ينضب الذي يعمل به القائمون على المنتدى.

فلو عدنا إلى العام الفين الذي تأسس فيه المنتدى، ونظرنا إلى طبيعة الظروف التي تحيط بالمنطقة العربية وربما بالعالم، لوجدنا تصاعدا حادا في الأزمات التي أدت إلى حروب طاحنة، وذهابا بالفكر في المنطقة، خاصة في أوساط الشباب، إلى التعصب والتطرف والأحادية والكراهية و”الإرهاب“.

لقد كان إنشاء المنتدى مؤشرا على وعي متقدم لدى مؤسسيه، يتعلق بأهمية الوعي والثقافة والدور الذي تقوم به الثقافة في استقرار المجتمع أولا ثم في تنميته وتقدمه، وضرورة العمل على النهوض بهما بشكل عقلاني ومجدي عكس ثقافة الاستهلاك والابتذال أو التطرف التي سادت في أوساط ليست بسيطة من شباب المنطقة.

أعلن المنتدى، وهذا ما ثبت في الواقع، اعتماد الحوار كأسلوب علمي وإنساني، حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية، حيث هامش الحرية في ذلك أوسع مما يعتقد المتابعون من الخارج على ما يبدو. وكذلك من أجل التواصل مع النخب الثقافية داخل المملكة وخارجها. وهذا ما يبدو واضحا من الاتجاهات المختلفة للمشاركين في أنشطة المنتدى وتنوع المواضيع المطروحة.

من الملفت للنظر تعدد الثقافية التي ترضي الجمهور بأذواقه المختلفة واهتماماته المتعددة، فمن المحاضرات الثقافية إلى الشعر والقصة والمعارض الفنية وعرض الأفلام السينمائية، إلى الاهتمام بالمرأة والشباب ورجال الأعمال، ومن قضايا الاقتصاد والتنمية الى الإدارة وصناعة النفط.

جميل ما قام به المنتدى من عمل لأجندة الأيام التي تتعلق بالمناسبات العالمية المختلفة. فلم يترك المنتدى أي يوم يخص فئة من الناس إلا ودونه وأصبح مرجعا لكافة المنظمات الحكومية وغير الحكومية في هذا المجال، ليس فقط في المملكة العربية السعودية ولكن في كافة البلدان العربية الأخرى. أنا مثلا لم أكن أعرف أن هناك يوما عالميا لنيلسون مانديلا إلا من خلال أدبيات المنتدى.

تشكل استطلاعات الرأي التي يقوم بها المنتدى أمرا في غاية الأهمية. فهي بالإضافة إلى المواضيع الهامة التي يحرص المنتدى على معرفة رأي الناس بها، تدل على رغبة في أخذ رأي الجمهور واهتماماته بعين الاعتبار في نشاطاته المقبلة. إن هذا لا يدل على حكمة فقط بل على تواضع المثقف، الذي يشعر أنه دائما بحاجة إلى صلة حقيقية بالناس، لأن غير ذلك يدخله في العزلة والاستعلاء وهو المرض الذي يصيب كثيرا من المثقفين فيصلون درجة يخاطبون فيها أنفسهم فقط.

عند إلقاء نظرة عامة على أنشطة المنتدى، والمواضيع المتنوعة التي يتطرق اليها، ورغم أهميتها جميعا، إلا انني أعتقد أن هناك أهمية استثنائية لموضوعي الحرية والتسامح الذي أفرد لهما المنتدى مساحة ملحوظة في أنشطته.

فالحرية هي قيمة القيم. هي الدال على إنسانية الإنسان. ومن المفيد جدا التركيز عليها لأن ذلك لم يحدث في تراثنا الفكري العربي بالشكل المطلوب، وبقيت مفهوما غريبا ينبغي العمل على التركيز عليه، وإظهار قيمته للنخب كما للإنسان البسيط.

أما بالنسبة للتسامح، فلا بد أن نؤكد نحن في الشبكة العربية للتسامح، أن منتدى الثلاثاء قد قطع شوطا متقدما في الموضوع. وهو في اسمه وتركيبته وأنشطته يؤكد على ذلك.

في عالمنا المعاصر، كل المجتمعات هي متعددة ومتنوعة. وبدون قيمة إنسانية تتمثل بالتسامح والاعتراف بالتنوع وباحترام الآخر وقبوله والعمل معه، فإن الأمور ستذهب باتجاه التعصب والتطرف والقتال. فالتسامح هي القيمة التي بدونها لا يمكن أن نذهب إلى مجتمع ينمو ويتطور بطمأنينة وبانسجام، وبدونه ستكون المجتمعات باستمرار مشاريع لحروب أهلية.

برأيي أن منتدى الثلاثاء الثقافي هو إضافة نوعية لأهل محافظة القطيف الذين يميلون بطبيعتهم إلى الثقافة والانفتاح والقيم الجميلة، وللمملكة العربية السعودية بشكل عام. من فلسطين أتوجه للصديق جعفر الشايب وللقائمين على منتدى الثلاثاء الثقافي ولعامة متابعيه، بأجمل التحيات وبأحر التبريكات بالعيد العشرين للمنتدى، متمنيا للجميع الصحة والعافية والنجاح المستمر في نشر الثقافة الإنسانية وقيم الحرية والتسامح والإيثار.

رابط الخبر اضغط هنا

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد