“مقدمة في فلسفة الآخرية” بمنتدى الثلاثاء الثقافي

351

ألقى أستاذ فلسفة التربية بجامعة الملك سعود بالرياض الدكتور عبد الله المطيري مساء الثلاثاء 6 جمادى الثانية 1442هـ الموافق 19 يناير 2021م محاضرة بمنتدى الثلاثاء الثقافي حول “مقدمة في فلسفة الآخرية”، تناولت عدة محاور من بينها؛ سؤال الاخر وعلاقته بالذات في الفلسفة، الفرق بين الفلسفة الذاتية وفلسفة الآخرية، تحليلات في ثنائيات الحضور والغياب، النظر والاستماع، التشابه والاختلاف، والانغلاق على الذات كفشل اخلاقي، والتحليل الفلسفي لمشكلة الطائفية. وأدار الحوار في الندوة الاستاذ مالك الفتيل الذي افتتح اللقاء بالحديث عن دور الفلسفة في العلوم وتداخلها الواضح مع الإنتاج العلمي البشري وأهمية مناقشة أبعادها وبلورة تأثيرها وانعكاسه على الحياة، معرفا بالمحاضر وهو الدكتور عبد الله المطيري الحاصل على درجة الدكتوراة في الاصول الفلسفية للتربية من جامعة ولاية فلوريدا ويرأس مجلس إدارة جمعية الفلسفة وهو عضو في جمعية الفلسفة الامريكية وجمعية فلاسفة التربية الامريكية، كما صدرت له عدة دراسات وبحوث من بينها “أوراق فلسفية” من جزئين، “البليهي: حوارات الفكر والثقافة” و”أخلاقيات الضيافة التربوية ودورها في تعزيز الوحدة الوطنية”

وقال الدكتور المطيري في بداية حديثه أن فلسفة الآخرية هي بحث جديد في الفلسفة المعاصرة يهتم بنقل الاهتمام الفلسفي من الذات إلى الآخر وله تأثيرات كبيرة على المباحث الفلسفية، وأن سؤال الآخر هو سؤال أخلاقي وقديم في الفلسفة لأنه يقوم على علاقة الانسان بالآخر. وأضاف أن الفلسفة تاريخيا كانت ذاتية حيث أن معرفة الذات هي مرتكز الانطلاق، ويكون الانسان بهذا لمفهوم هو صاحب الإرادة والقوة على الطبيعة، وأن فلسفة الذات ضحت بالآخر واستبعدته، والعلم الكاشف للحقائق هو حركة باتجاه إلغاء آخرية الآخر وتحويل المختلف إلى شبيه. وأوضح في جانب من حديثه أن الحداثة هي نزع الأسطورة أو السحر عن العالم، وهي هنا بمثابة موقعية العلم وتمتد أحيانا لإلغاء الآخر، مضيفا أن الآخر شرط أساسي للأخلاق من خلال الاتصال به والانفتاح معه، وبدون ذلك يتحول الانسان إلى وحش، وأن العلاقة مع الآخر هي حالة من الاستجابة لنداء الآخر وهو تفسير مفهوم “الانسان المستجيب”، والآخر بهذا لمفهوم ينقذ الإنسان من ذاته فسعادة العطاء تأتي من الانفتاح على الآخر. وأضاف أن الآخرية لها تاريخ في الفلسفة، فسقراط كان يطالب من يحاكمونه معاملته كالغريب الذي قد لا يدرك عادات وسلوكيات المجتمع وبالتالي قد يمارس أخطاء، وأن الغريب قد يأتي بالجديد من الحكايات.

وقارن بين أوجه الاختلاف بين الفلسفتين موضحا أن فلسفة الذات فلسفة تشابه والبحث عن أساس واحد من أجل إعادة الاختلاف لأصل واحد، بينما فلسفة الآخرية هي فلسفة الاختلاف والتنبيه دوما لوجود الآخر من خلال التعاريف المفتوحة كما هو الحال في فكرة العدالة وشمولية الفئات المختلفة في الدساتير. وبين أن فلسفة الذات هي فلسفة حضور وتركز على الآنية واللحظة الحاضرة او ما تسمى (الأنات المتعاقبة) والحاضر هو الأساس وهو اللحظة الزمنية التي يتصل بها الانسان مع العالم، وتجعل من الحاضر وهو الزمن الموضوعي أكثر أهمية، بينما فلسفة الآخرية تكشف عن الزمن الوجودي كبطء وسرعة ومتعة الزمن بما يتضمنه من ماض ومستقبل ومشاركة في اللحظة الوجودية، كما أن فلسفة الآخرية تعتني كثيرا بالغياب وهي اتصال أخلاقي عميق حيث القيمة الأخلاقية تزيد مع الغياب، والكائنات الأخلاقية كائنات تجيد الاستماع.

وتحدث الدكتور المطيري حول صناعة الآخر في المبحث الفلسفي، مشيرا إلى أن تميز الذات ينتج عنه التقليل من أهمية ومكانة الآخر والرغبة في التفوق عليه، وأن الدراسات الاجتماعية تكشف عن ميكانزمات اجتماعية من خلال التمييز السلبي عن الآخر. وأوضح أن الضيافة باعتبارها احدى القيم الأخلاقية هي علاقة أخلاقية تجعل الانسان يرتب علاقاته مع الاخرين بشكل مختلف عن المنظومة السائدة، وهي انفتاح على الآخر وتوجس من الهوية حيث تأتي الآخرية قبل الهوية، وأن المحرك لتوسيع دائرة المعرفة هي الاستجابة للآخر وأنها تتحول لحركة أخلاقية ليس انطلاقا من هدف المعرفة بالآخر وإنما لغرض الاتصال الروحي والتواجد مع الآخر، وأن الآخرية تكشف البعد الآخر من الوجود الإنساني الذي يظهر في الرحمة والقداسة.

وحول فكرة الطائفية، أوضح الدكتور المطيري أنها خضوع وانقياد للماضي وتحميله على الحاضر والمستقبل، بينما تقدم فلسفة الآخرية فهما للسياقات التاريخية وادراكا لوجود حالة الطائفية التي تعتبر شكلا من اشكال التورم وانتفاخ الذات كما العنصرية وهي شكل من أشكال الحرب ضد الآخر، موضحا أن فلسفة الآخرية تلفت الانتباه لمدلولات التجربة الإنسانية وهي ليست فلسفة احتجاجية ولديها القدرة على التغيير من كائنات منحازة لذاتها الى كائنات منفتحة على الاخر. وأكد على أن الأخلاق هي اتصال في الفارق أي ما يمسى القداسة، وعلى ضرورة ادراك الأبعاد المختلفة للوجود والاتصال الإنساني الذي ينتج قيمة، حتى لو لم تكن معرفية، موضحا أن الاختلاف خلق الضدية لاكتشاف التنوع، وأن العلاقة الضدية والنفي هي علاقة ذاتية، مشيرا إلى أنه كلما كانت آخرية الأنسان أكثر كلما أصبحت الضيافة أكبر.

وختم الدكتور المطيري محاضرته بالقول أن هناك علاقة مهمة جدا بين الحرية والأخلاق، فانعدام الحرية يفسد أخلاق الناس وأن الحرية شكل من أشكال تطهير الذات مع أنها قد تكون أيضا شكل من أشكال الأنانية، موضحا أن الأخلاق مسئولية بينما الحرية انطلاق، وأن الكائن الأخلاقي يعتقد أنه مكبل بالتزامات وضوابط.

وبدأت مداخلات الحضور بتعليق من الأستاذ نادر الابراهيم جاء فيه أن الآخرية توسيع لدوائر المعرفة لتشمل الآخر وهو سمو أخلاقي ينعكس بكل تأكيد على فلسفة الاختلاف واحترام رأي الآخر المختلف، وأضافت الأستاذة رانيا الشريف العرباوي أن تأثير حضور الزمن الماضي في وجود الآخر قد يكون أقل من الحاضر مع أن الزمن الماضي يحرك أكثر من الحاضر، واتضح أن الآخرية تركزت على الذات مع أنه قد توجد آخرية الأشياء كالصدق أمام الكذب مثلا، وعما إذا كان إعادة الاختلاف لأصل واحد يعني كراهية الآخر. وناقشت الأستاذة هنادي المطيري مدى تمكن الفلسفة من تغليب وتوسيع مفاهيم الآخر وبالتالي التغلب على الطائفية والعنصرية.

وعقب الدكتور علي النجيعي بالقول أن الآخر لا يقتصر على المخالف، وأن المحايد هو الجزء الداخلي في دائرة الذات، والمفارق ما هو مفارق لقدرة الانسان على التجربة والخبرة، وتساءل الأستاذ لاحق عسيري عما إذا كان للذاتية مساهمات في أي بعد من البناء الحضاري. وناقش الأستاذ أحمد المدلوح موضوع العنصرية تجاه الحيوان من ناحية فلسفية متسائلا حول مقبولية ذبح الحيوان وعدم مقبولية ضربه مثلا، وشكر الدكتور عبد العزيز الشبل المحاضر على ثراء المحاضرة ودقة معلوماتها وأهميتها للواقع. وتساءلت الأستاذة أمجاد الغامدي عن أسباب ذكر الثنائيات المتضادة عند الحديث عن الآخر وكأن الآخر ضد الذات مع أنه ليس مختلفا بمعنى التضاد، وأن الشفافية هي انطلاقة لفهم الاختلاف الواسع خلف الضدية.

وطرح الأستاذ حمود لربيعة توضيحات حول المبالغة في الضيافة للآخر البعيد، وقال الأستاذ أحمد الخميس أن العنصرية والطائفية هي انفصال الذات عن الواقع وأحيانا يكون انتفاخ الذات نوع من أنواع الوهم. وأوضح الأستاذ سالم اليامي أنه كلما غابت الحرية انعدمت الاخلاق وأصبح الايمان شكليا فقط ويخلق أشخاص متطرفين كنوع من الانتقام اللاشعوري، وتساءل الأستاذ ناصر المرهون عما إذا كانت الذاتية والآخرية تختلفان من حيث كونهما مرتبطتان بالفرد أو الجماعة.

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد