د.عبد العزيز قاسم، أبت الأقدار إلا أن تجمعنا

3٬495

كنت يوم الثلاثاء «ليلة الأربعاء» 12 صفر على موعد مع ندوة حوارية في منتدى الثلاثاء بديوانية الأستاذ/ جعفر الشايب “أبو هادي”، وكان اللقاء مع الضيف العزيز الباحث والكاتب والإعلامي الدكتور عبد العزيز بن محمد قاسم «مشرف ملحق “الدين والحياة” بصحيفة عكاظ»، الذي لا أنسى له فضل نشر مقالتي المسماة “أستاذنا عبد العزيز قاسم… لكي لا تتكسر مجاديف الإصلاح”، والتي نشرت تحت عنوان «لكي لا تتكسر مجاديف الإصلاح.. ولكي نصل إلى الهدف» ، وكان اللقاء المطروح تحت عنوان «قراءة في مسيرة التقارب المذهبي».
كان الضيف عزيزا، والموضوع يصب في بؤرة الاهتمام. فكان من الطبيعي بالتالي أن تتوق نفسي لحضور هذا اللقاء القيم والمهم. لكنني وجدت نفسي قبيل دقائق من اللقاء المرتقب في صراع مع الذات بين اهتماماتي وهواجسي الاجتماعية والثقافية من جهة، وبين واجباتي الأسرية وشؤوني الخاصة من جهة أخرى. في الأخير قررت على مضض أن أكبح جماح رغبتي في الحضور، وأن أقنع نفسي أن ظروفي لا تسمح لي بحضور هذا اللقاء، لأنني محتاج لتحقيق توازن أراه ضروريا بين الذات والأسرة من جهة والمجتمع والثقافة من الجهة الأخرى. لذا قررت أن لا أذهب. قررت هذا طبعا على مضض، وتمنيت حينها أن تكون هناك فرص أخرى في مقبل الأيام للقاء ما.
كنت أعلم في قرارة نفسي أن فوات فرصة من هذا النوع هو بالنسبة لي تجرع غصة، لكن لابد للإنسان الذي تستهلكه انشغالاته الحياتية من أجل أن يعيش أن يكون قنوعا بعقلانية، وأن يتآكل عطاؤه ودوره اضطرارا تحت عجلة الحياة الشاقة التي تأبى على من هم مثلي أن يكون لهم نصيب وافر في الحراك الاجتماعي والعطاء الفكري والثقافي، لأنهم مضطرون لاستهلاك من نوع رخيص لذواتهم، خلاصته الجري من أجل البقاء في الحياة والاستمرار ولو بقليل من مردود العطاء. هكذا كان قراري وهكذا كانت قناعاتي، ألست أنا من كنت مقتنعا، وكنت أقول لأحد الأصحاب: أن بناء الذات هو الأولوية التي يجب أن تسبق خدمة المجتمع، وبدونها نخسر كل شيء، وتنهار خدمة المجتمع أيضا؟؟؟!!!.
لقد انتهت قصتي التي ربما شغلتكم بحكايتيها دون داعي يذكر. لكن العجائب في هذه الحياة كثيرة، وهي التي استدعت هذا السياق وهذا السرد. كما أن لي فيما سردت مآرب أخرى. لقد كان من العجائب التي لم أتوقعها أن أتلقى في اليوم التالي لمنتدى الثلاثاء دعوة عزيزة من الشيخ الفاضل محمد الصفار للقاء سيعقد في مجلس سماحة أخيه الشيخ الفاضل حسن بن موسى الصفار، الذي أكن له أيضا كثيرا من الود والاحترام. وكانت الدعوة على شرف الأستاذ الفاضل الدكتور عبد العزيز قاسم الذي انتظرت اللقاء به طويلا، وكنت كما أخبرتكم مشغولا كثيرا في الليلة الماضية بهاجس اللقاء الذي فات بسبب الأقدار والظروف. لكن أبت الأقدار إلا أن تعكس اتجاهاتها لتجمعنا معا في جلسة غير متوقعة في مجلس الصفار، عند نعم الضيف، ونعم المضيف أيضا.
لقد ذهبت إلى اللقاء محملا بهم جديد كنت أسائل نفسي حوله خلال هذا الأسبوع. وكنت في الليلة الماضية أتمنى أن أحمله معي لمنتدى الثلاثاء أيضا. كان ذلك الهم عبارة عن فكرة مقالة ظلت تراودني طوال أسبوع تحت عنوان “الكرة في ملعبكم إخواننا السنة”. طبعا أعلم أن القضية بيننا وبين إخواننا السنة ليست قضية مباراة كرة قدم، لكن ظلت فكرة ما تلح في ذهني في ظل حراك التقارب بين الشيعة والسنة على أكثر من صعيد… فمن لقاءات تجمع المثقفين وعلماء الدين، إلى كتابات ثقافية ومناسبات اجتماعية يختلط فيها الدم الشيعي بدم أخوه الآخر السني، إلى لقاءات وحوارات التقارب وفتاوى وآراء حفظ الدم وصيانة الأنفس والأموال والأعراض هنا أو هناك، إلى الجهد والدور الحكومي في تقريب وجهات النظر ورأب الصدع بين مختلف الأطراف… لكن ظل هناك من وجهة نظري القاصرة «ربما» شيء ما مهم من الدور المفقود والقصور. إنه قصور على ما أعتقد واضح وملموس، بل إنه غياب حقيقي تام أو شبه تام – في مسألة تحريك التقارب -، لدور كبار العلماء في المدرسة السلفية -التي هي أشد الأطراف السنية من حيث إبراز حدة الخلاف مع أبناء المذهب الشيعي- التي تستحق في نظري لهذا أن نلقي عليها شيء من اللوم.
إذا نحن بحاجة لهؤلاء العلماء السنة في المدرسة السلفية أن يتحركوا – ولو بتأثير أو دور من الواعين -، وأن يكون لهم دور، وأن يكون لهم رأي واضح وصريح – دون شروط مسبقة -، في مسألة التقارب، وفي تحريم الدم الشيعي، وفي حفظ المال والعرض. وأن يتحملوا في سبيل ذلك ما تحمله علماء من الشيعة من أمثال آية الله السيد السيستاني، وآية الله السيد فضل الله، والشيخ الصفار… وآخرون، ولو وصل ذلك حد الشتم، من معارضيهم من أبناء جلدتهم المخالفين لهم.
المهم هنا أنني ذهبت لمجلس الصفار في ضيق من الوقت بعد انصرافي من العمل، بعد تهيئة نفسي للقاء طبعا. فجئت متأخرا بسبب الظروف وبعد مقر العمل. حضرت وقد شارف اللقاء على الانتهاء للأسف، إلا أنني أدركت شيء يسيرا من اللقاء الذي سبق الغداء أقلا، كان فيه خير كثير.
في تلك اللحظات والدقائق القليلة التي جمعتني بنخبة من علماء الدين والمثقفين المعروفين من أبناء المنطقة والتي بدأت باستقبال حار يشكر عليه الأستاذ الدكتور عبد العزيز والشيخ الصفار، علمت أيضا أنني كما كنت أنتظر وأتوق للقاء الدكتور القاسم من قبل في ندوة الثلاثاء، كان هو أيضا منتظرا لهكذا لقاء كما أخبرت، وقد تفضل مشكورا بالسؤال عني، والاهتمام بشخصي البسيط، وهذا من فضله وجود أخلاقه طبعا.
المهم هنا أنني وجدت نفسي في ذلك اللقاء متفقا مع مداخلات الدكتور عبد العزيز قاسم 100 في المائة، بل أكثر من ذلك ويزيد. بل وجدتني ألمس في كل تعقيب أو مداخلة يطرحها أو رد، نوعا من الوعي الراقي الذي كنت أبحث عنه، كنت شاكا في الحقيقة في وجوده ذات مرة بهذه القوة، بسبب قراءتي لمقال له داخل نفسي بسببه شيء من الاستفهام والشك، لكنني وجدت الوعي الحقيقي حاضرا بقوة هذه المرة. بل فاجأني حضور كل ذلك الوعي الذي غالبا ما لا أجده في آخرين، بل أتوقعه فلا أجده في كثير من الأشخاص. وعلى العموم وجدته في الحقيقة يطرح كل ما يتفق مع أفكاري ويجول في خاطري حول الموضوع وبدقة وصلت حد التطابق، في تلك اللحظات القصيرة طبعا. وهنا قد يقال “بل غلبك هواك في القاسم والصفار”، أو “لا تستعجل فقراءة الأشخاص تحتاج إلى الوقت لا إلى الارتجال والاستعجال”. وهنا أقول “بل يكفيني حرارة اللقاء بين دم شيعي وآخر سني في هذا اللقاء. فلا تشغلونا بما تعيشونه من انقسام، «كفانا الله شره». بل وأزيدكم من الشعر بيتا، لقد ذاب الجليد بيني وبين السنة يا إخواني الأعزة من زمان. وعلى العموم: «أبت الأقدار إلا أن تجمعنا»، وسنلتقي إنشاء الله بإخواننا السنة يوما ما وإن أبى الجاهلون، وسنجتمع بتقديره تعالى مهما أفسد المفتنون”.
وعلى العموم، في الأخير أريد أن أقول للجميع: “إن عدد الطرق إلى بناء اللحمة بين السنة والشيعة هو من وجهة نظري بعدد نجوم السماء، ومفاتيح التقارب التي يجب تحريكها، متعددة: منها عصا السياسة بلا شك – المؤدبة طبعا -، ومنها اللقاءات الثقافية والاجتماعية والارتباطات المصلحية، ومنها نقاشات وحوارات التقارب، ومنها دور كبار القوم «وهم العلماء» الذين يفتون في هذا الصدد في الجانبين، ومنها الحوارات الوطنية، ومنها الكتابات والمقالات الإصلاحية، ومنها تجريم سب الصحابة، ومنها تجريم فتاوى القتل والتكفير… الخ. وإن تهميش أي دور منها جميعا يعني قصور في الرؤية وتهميش جزء من الحقيقة. لكنني أحب أن أؤكد أمام جميع المخلصين سنة وشيعة بوضوح أيضا، بوضع إصبع على حقيقة أؤمن بها واعتقدها مهمة يجب تحريكها، أختصرها بالقول: أينكم يا سادة يا كبار العلماء في المدرسة السلفية السنية المحلية من: «خارطة التقارب بين المسلمين الشيعة والسنة»، و«أين فتاواكم في حفظ الدم وصيانة عرض ومال المسلم أيا كان»، و«أينكم من صناعة السلم بين أطياف المجتمع وشد تلاحمه»، «أين مشا ريعكم هنا»، والتي يمكن أن تمهد جميعا للقاء مصالحة ووفاق بين السنة والشيعة، بل تصنع تقدم الوطن ورقيه وانسجامه؟؟؟!!!”.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد