ثقافة الحوار والمجالس الثقافية الأهلية

3٬306

منذ أن انطلق مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ، من خلال اللقاءات الفكرية التي تناولت موضوعات ذات أهمية أصلاحية لمسيرة المجتمع ، وآخرها الاجتماعات التحضيرية التي عقدت في الجوف والقصيم والمدينة المنورة وستعقد في مناطق أخرى تمهيدا للقاء الفكري السادس المزمع عقده عن هموم التعليم ومشكلاته ، هذه اللقاءات شكلت في مجملها مدخلا متطورا للإصلاح السياسي والاجتماعي في المملكة العربيةالسعودية.
وتعتبر هذه اللقاءات بداية لعملية الاصلاح الايجابي لماهو سائد من سلبيات فكرية وثقافية وذلك بترسيخ مفاهيم فكرية حديثة ، منها ثقافة الحوار ، وثقافة معرفة الآخر والتعامل معه ، والتأكيد على دور المرأة السعودية وحقوقها ، ودراسة المشكلات التعليمية والحاجة الملحة الى إصلاح مناهج التعليم التي تعاني سلبيات عديدة ، مما يحتم دراستها ومعالجة الخلل فيها بكل شفافية وموضوعية مع نبذ الأفكار الاحادية والتعاطي مع الموضوع من خلال ثقافة الحوار وأدب الاختلاف . وقد صار مفهوم الحوار بفضل جهود مركز الملك عبد العزيز من المفاهيم الأصلاحية التي انتشرت في أرجاء البلاد ، وأدركته فئات المجتمع المستنيرة وأهمية تكريس الجهود لنشره في الأوساط الاجتماعية المختلفة عبر المؤسسات التربـــــــوية والثقافـــــية والاعلاميــــة ، ويتـــــرافق مع مفـــــهوم الانتخابــــات ومفهوم حقوق الانسان ، بيد أن جهود وزارة الثقافة والاعلام لاتزال دون الحد الأدنى من المستوى المطلوب لنشر هذه المفاهيم الاصلاحية ، كمالاتزال هذه الوزارة مقصرة في تثقيف المجتمع على كافة الأصعدة ثقافيا وتربويا واجتماعيا ومروريا واقتصاديا ، ولاتزال تتبع سياسة أرشيفية وبيروقراطية في تناول قضايا المجتمع. ويجدر بالقول أن المنتديات او الصالونات او المجالس الأهلية الثقافية بدأت تتخذ أشكالا من الحوارات في تناول طروحاتها على استحياء وتتسم بشيء من المجاملة العاطفية لأن ثقافة الحوار لم تنتشر بين الناس ولايـــزال الكثـــــير من المثقفين يتطلعون الى المديح والثناء وربما لا يتقبل البعض منهم المصارحة الموضوعية ، بيد أن النقد الموضوعي في نظري هو الذي يجمع بين الثناء الملائم وبين الشفافية والمصارحة البناءة ، مع الالتزام بأدب الحوار وحسن الكلام.
ولقد سعدت بمحاضرة الأستاذ محمد بودي التي القاها في منتدى الجنوبي الثقافي بالدمام بعنوان:(الصالونات الثقافية وأثرها في نشر ثقافة الحوار)، وقد استهلها بتحديد مسمياتها وتعريف كل منها لغويا وتاريخيا، ثم تناول الأندية الأدبية وماطرأعليها من تغيير، وهل أصبحت المنتديات الأهلية هي الحلم الثقافي الذي يرقبه المثقفون حيث تسقط البيروقراطية التي حولت العمل الثقافي الى عمل إداري وظيفي وألغت روحه الجاذبة والتي هي السمة البارزة في التعاطي مع الثقافة ، وهل أضحت هذه المنتديات حصان طروادة الذي سيعبر من خلاله المثقفون ليمارسوا متعهم الثقافية ؟ وتوالت تساؤلات الأستاذ بودي حول المقارنة بين دور الأندية الأدبية والجمعيات الرسمية ودور المنتديات اوالمجالس الأهلية في الحراك الثقافي، ويعتبر الأستاذ بودي أن الصالونات اوالمجالس الأهلية وعاء جميلا لممارسة الثقافة : لأنها تظل متميزة ، بما تحفل به من خصوصية في المكان وبالروح الحميمية التي تملأ المجلس ، فهي تمثل زيارة مثقف لمجلس أخيه المثقف وليست زيارة لمؤسسة ثقافية أوقاعة محاضرات وهنا الفرق ! فالشعور بالارتياح من حيث طبيعة المكان بكافة مفرداته بدءا من المقاعد و طريقة صفها التقابلي، والإحساس بأن هنا ثقافة تقدم بطريقة مرنة كونها تقام في مجلس صاحب المنتدى ومايحمل من دفء وكرم الضيافة وحسن الاستقبال ومايتخللها من أحاديث ودية وشخصية وما يعطيه المكان من حرية الحركة وعفوية الحديث والبعد عن الطابع الرسمي في إدارةا لمنتدى ثم يتساءل المحاضر الأستاذ محمد بودي : هل أسهمت الصالونات الأهلية في نشر ثقافة الحوار ؟ ويخلص في إجابته الى أنها جمعت المثقفين في لقـــــــاءات دورية وديـة، وقدمـت الثقافة لحــــــضورهـــا بمـــــخـــــتلف مذاقــــــاتها وأشكــــالها، لكـــــنهـــــــا هـــــل قدمت الحوار كطريقة وأسلـوب ومنهج في عــملها ؟ وتتـــــوافد تساؤلات المحاضر لتلفت النظر الى الموضوع وتحرك كوامن العقل لتستثيرالاهتمام ، ثم يقرر المحاضر حقيقة أن الصالونات الأهلية أسهمت في نشر ثقافة الحواركأفكار وليس ممارسة.
ولقد أضفت التساؤلات الواردة في المحاضرة وهجا تحليليا وإثارة فكرية وإثراء ثقافيا سيكون له مردود إيجابي لونشرت المحاضرة أو دعي المحاضر لإلقائها في مجالس الثقافة الأهلية الأخري في مناطق المملكة لكونها تشكل مدخلا وعملا مميزا لنشر ثقافة الحوار في الأوساط الثقافية و الشعبية في البلاد ولدي أمل أن تؤسس صالونات أومنتديات ثقافية نسائية أهلية في كل مناطق المملكة ، فالموجود منها قليل لايعكس حقيقة النهضة الثقافية للمرأة السعودية التي تنامت في العقد الأخير، ويجدر القول أن صالون السيدة الخثلان في الدمام وصالون السيدة ابن زقر في جدة ومجلس السيدة سلطانة السديري في الرياض وغيرهن ممن لاتحضرني أسمـــــاؤهن لاتكفـي ، كما يحدوني الأمل في تفعيل دور الأندية الأدبــية وجمعـــــيات الثقافة والفنون في تشكيلاتها الحديثة في نشرثقافة الحوار لأنها تمثل مدخلا متطورا للإصلاح الحـــضاري بكافة جوانبه .

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد