المنتديات الثقافية الأهلية والحراك الثقافي في المملكة

3٬219

نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وتحت رعايته، افتتح يوم الثلاثاء الماضي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة معرض الرياض الدولي الرابع للكتاب، بحضور حشد واسع من المسؤولين والمثقفين والمفكرين من داخل وخارج المملكة، إلى جانب حضور الوفد الثقافي السنغالي الذي حل كضيف شرف لمعرض الكتاب الدولي لهذه السنة. تطرق وزير الثقافة والإعلام في كلمته إلى مدلول الثقافة باعتبارها ماهية إنسانية راسخة، معرفا الثقافة بأنها : «هي ما يبقى عند نسيان كل شيء.. فالإنسان وحده هو الذي يمكن أن يوصف بأنه كائن ثقافي» متمنيا «أن يجد الزوار في معرض الرياض الدولي فرصة غنية لعقد صداقة حقيقية مع الكتاب، وأن يدعوا أسرهم وأبناءهم لارتياد هذا المعرض وعقد صداقة مع الكتاب» ومضيفا: «لا بد من أن نزين لأبنائنا وأسرنا حب الكتاب وأن نشجع جميعا أطفالنا على هذه الصداقة وأرجو لكل زوار هذا المعرض أن يفيدوا منه ومن الندوات والمحاضرات المصاحبة لهذا الحدث الثقافي الكبير».
ثمن وزير الثقافة الإعلام المكانة المعتبرة التي يحتلها الأدب السنغالي الحديث بين آداب العالم، مع محافظته على ملامحه وسماته الخاصة، ومنوها بأدباء السنغال الكبار وفي طليعتهم حامل جائزة نوبل في الآداب الشاعر (والرئيس السابق) السنغالي الكبير «ليوبولد سنغور». من جهته تطرق وزير الثقافة السنغالي محمد بوصوليي في كلمته إلى أهمية دور الثقافة والكتاب «في تقارب الشعوب والتعريف ببعضهم البعض» مضيفا: «كم هو جميل حضور الكتاب السنغالي في هذه المعرض المهم». ضمن فعاليات الافتتاح جرى تكريم الدكتور عبد العزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة السابق لدوره وعطائه المميز أثناء توليه مهام منصبه، حيث أسهم بجهد استثنائي ورائع في تغير الصورة النمطية/الرتيبة للواقع والمشهد الثقافي، ولعب دورا مهما في دفع وتطوير الحراك الثقافي، وتحريره من أسر وقيود البيروقراطية والجمود الذي ترسخ على مدى سنوات في المؤسسات والمناشط الثقافية الرسمية والتي شملت الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية ومعرض الكتاب. الحدث المهم الآخر الذي شهده افتتاح المعرض الحالي للكتاب تمثل في تكريم أصحاب ستة منتديات ثقافية أهلية وهم كل من: عبد المقصود خوجة (منتدى الاثينية)، جعفر الشايب (منتدى الثلاثاء الثقافي)، سارة الخثلان (منتدى الشرقية)، راشد آل مبارك (منتدى الأحدية)، وسلطانة السديري (ملتقى سلطانة السديري الثقافي)، عدنان العفالق (منتدى العفالق الثقافي). سأركز هنا على هذا الحدث المهم لعدة اعتبارات، يأتي في مقدمتها تلمس وتقدير وزارة الثقافة والإعلام للدور المهم والمتنامي الذي باتت تلعبه المنتديات والديوانيات الثقافية والأدبية والاجتماعية الأهلية في مختلف أوجه الحراك الاجتماعي/الثقافي في بلادنا خصوصا في ظل التحديات والمتغيرات الداخلية والخارجية المتسارعة، باعتبارها أنويه وتجليات واعدة لمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني. تاريخيا وجدت ظاهرة الصالونات والمنتديات الأدبية/الثقافية، منذ البواكير الأولى من القرن الماضي في بعض المجتمعات العربية، مثل مصر وبلاد الشام والعراق والحجاز، وكانت إلى حد كبير مرتبطة بشخصيات أدبية وثقافية أو اجتماعية معروفة، كما أنها نخبوية إلى حد كبير، من حيث الحضور والموضوعات المطروقة.
أما في المجتمعات الخليجية، فإن المرادف لها هو ما يسمى بالديوانية، غير أنها أكثر عراقة وارتباطا بالحيز الاجتماعي المتعين، وتعتبر أحد المكونات الراسخة في المجتمعات الخليجية، مع أنها اتسمت في أوضاع ومراحل معينة، بطابع عائلي وعشائري وقبلي ضيق، وأحيانا شبه مغلق، حيث تناقش ويجري فيها تداول قضايا مباشرة تتصل باحتياجات وهموم أفرادها، وتأكيد لحمتهم القائمة على متصلات النسب (الدم) والقرابة العامودية، ضمن النسيج الاجتماعي والمكون الثقافي السائد. غير أن تنوع وتوسع وتعقد الحياة الاجتماعية، وإفرازاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فرض عليها تطوير مجالات اهتمامها، لمواكبة هذه التغيرات والتكيف معها، خصوصا في ظل غياب أو ضمور وعدم فاعلية مؤسسات المجتمع المدني، والمعوقات التي تواجهها، بفعل الأنماط السياسية/الاجتماعية/الثقافية السائدة، ومصادرة واحتكار للمؤسسات الإعلامية والاجتماعية والثقافية والأدبية، مما حولها إلى كيانات هلامية وبيروقراطية جامدة. ناهيك عن إعادة تصدر الانتماءات والهويات (الجهوية والقبلية والطائفية والعشائرية والمذهبية) الفرعية التقليدية على حساب الهوية الوطنية والمجتمعية المشتركة، عبر استحضار التاريخ، واستذكار المواجهات والمعارك القبلية، والشخصيات القبلية، من المشايخ والشعراء والفرسان، وغيرها من الرموز والقيم والمصالح الفئوية، والاحتفاء بها، من خلال المبالغة والتشديد في إعادة الاعتبار للتاريخ والدور الخاص لها، وتستغل المناسبات الخاصة لتأجيج تلك المشاعر، على شاكلة مسابقات شاعر المليون، المعدال (الأحكام العرفية القبلية)، ومسيرات الحزن والتجمعات الحاشدة في بعض المناسبات الدينية الخاصة، والتي تستخدم على نطاق واسع تكنولوجيا الاتصالات والمواقع الاليكترونية وعشرات القنوات الفضائية، التي تحمل نفسا طائفيا وتسعى إلى بذر الشقاق والصدام بين مكونات المجتمع الواحد، ووصل الأمر إلى وضع رموز وأرقام محددة، للتعريف بالقبيلة والعشيرة والطائفة.
وهنا يجب عدم الخلط ما بين ضرورة احترام الهويات والانتماءات الخاصة بشرط أنها تندرج تحت إطار الهوية والمجتمعية الوطنية الجامعة، مما يتطلب خلق مستلزماتها الواقعية على أرض الواقع.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد