الصوالين الخاصة والاعتبارات الشخصية في إدارة الشأن الثقافي!

3٬299

تتكاثر بين حين وآخر، أعداد ما يسمونها بـ ( الصوالين الثقافية) الخاصة، التي يتفضل أصحابها باستقبال الزوار في منازلهم العامرة، وعمل لقاء مع أحد الأعلام المختصين في أي مجال، وحقيقةً هذه الصوالين لها باع طويل وتاريخ مجيد.
بدأت منذ سنوات طويلة جداً، ربما أكثر من ربع قرن، وربما لظروف مرحلية كنّا نحتاجها، ولكن الآن، حسب معرفتي، توجد في كل منطقة ـ تقريباً ـ إن لم يكن في كل مدينة ـ مؤسستان ثقافيتان، كل مؤسسة لها نشاطات متنوعة وشاملة، وتخصص لها إعانة من الدولة، ولها مطلق الحرية في اختيار المناشط التي ترى أنها تفيد المجتمع، وتتناسب مع احتياجاته ومتطلباته، وعلاوة على ذلك، يتم تسهيل مهمة تلك الجهة، حتى ولو كان الاحتياج لضيوف خارجيين، أي من خارج المملكة، ولم تبخل تلك المؤسسات بالصرف على الإصدارات، والاستضافات والملتقيات والدعوات وغيرها.
طبعاً لا أقول إنه لم يكن هناك تقصير، فلا بد أن يكون هناك جوانب ناقصة لأي ظرف كان، ولكن المهم أن الدولة أقامت مؤسسات ثقافية رسمية، تقدم نشاطات تعد منهلاً للعلوم والمعرفة، وتعددت مؤسسات المجتمع المدني، والنقطة الأهم، أن المؤسسات الرسمية لا يوجد بها شخصنة، ولا تسمح بأي فرصة لتصفية الحسابات الشخصية، ولا تسمح لأي شخص، مهما بلغت صفته الرسمية في تلك المؤسسة، أن يمنع أحداً من ارتياد تلك المؤسسة، وحضور فعالياتها والاستفادة من إمكانياتها، سواء المكتبة أو الإصدارات التي تعد أسعارها ـ إلى حد كبير ـ رمزية جداً. فأقول، إن المؤسسات الرسمية لامجال للتشخيص فيها، وفي نفس الوقت إنّ قيادات تلك المؤسسة محاسبون من قبل الأجهزة الرسمية في حال الخروج عن الإطار العام، أو عدم تفعيل دور المؤسسة، كما أنهم محاسبون من قبل الجمهور الباحث عن الثقافة والمعرفة، فهو لا يمثل نفسه في تلك المؤسسة، وباستطاعة أي زائر أن يخاطب أي جهة رسمية في الدولة، ويقدم شكواه. كما يستطيع أن يقدم ملاحظاته عبر أي وسيلة إعلامية، سواء مرئية أو مكتوبة أو مسموعة، فهو حق طالما أنها وجهة نظر تصب في المصلحة العامة، وفي نفس الوقت لا يستطيع القائمون على تلك المؤسسات أن يمنعوا المنتقد، ولا يستطيع أحد أن يمنع الشخص من الدخول والمشاركة، ولكن هل تلك الصوالين الخاصة سيكون باستطاعة المثقف أن ينتقد مثل ما كان ينقد المؤسسات الرسمية؟ أو على الأقل أن يطرح وجهة نظره؟ فعلى أقل تقدير باستطاعة صاحب الصالون أن يدير الصالون كيفما أراد، وبالطريقة التي يريدها، وأيضاً يستطيع هو وحده أن يقرر من هو الضيف الذي يحضره، والذي يتماشى مع أهوائه، ويتفق مع شخصه، بعكس المؤسسات الرسمية، حيث يكون للمواطن المثقف كلمته وقراره ورغبته في اختيار الضيف، من خلال طرحه.
أيضاً هناك ميزة إدارية ومؤسسية أخرى، ففي المؤسسة الرسمية هناك مجلس إدارة، لا يتم اتخاذ قرار إلا بإجماع المجلس المنتخب، المعين سابقاً، كما لا يستطيع تنفيذ برنامج واحد خارج المؤسسة، بينما الصالون الخاص له الحرية المطلقة، ولا أعتقد أنه سيكون له نهج معين، بل متنوع في كافة المجالات و(على حسب المحبة الشخصية)، لذلك أكرر، أنا لا أنتقد أصحاب الصوالين فى تفضلهم بفتح بيوتهم، ولكن على الأقل لا تندرج تحت مسمى (صالون ثقافي) ويتم تسليط الضوء عليها إعلامياً من جميع وسائل الإعلام، وكأنها مؤسسة رسمية تستحق الزيارة! بإمكانهم تحويلها إلى مسمى آخر يتناسب مع رؤيتهم الخاصة، وهدفهم الحقيقي، والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا توفي صاحب الصالون، هل يستطيع ورثته الاستمرار؟ والأهم من ذلك، صاحب الصالون من حقه أن يغتصب المنبر، ويكون الحديث له من خلال إدارة الجلسة، ولا أحد يستطيع أن ينتقده – أو على الأقل – ينبهه على هذا الإجراء، لأنّ أهداف بعض أصحاب الصوالين أن يظهر في الصورة، ويلفت الأنظار، وتدخل الاعتبارات الشخصية في أفضلية الجلوس، باعتبارهم في منزله، وتدخل الاعتبارات الاجتماعية، بينما المؤسسة الرسمية غير ذلك بكثير، فهناك أسس يتم عليها اختيار الموضوعات، والأشخاص المناسبين لإدارة المنبر.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد