كلمة الأستاذ زكي البحارنة في محاضرة التسامح والتواصل في المجتمع المحلي

3٬379

بسم الله الرحمن الرحيم السادة الضيوف الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. يقال في علم الاجتماع: (أن ازدهار أي بلد يعود في الأصل إلى ازدهار المدن)، والازدهار هنا لا يعني فقط الناحية العمرانية، وإنما بالإضافة إلى التمدن العمراني هو تفاعل المدينة مع مكوناتها وتركيبتها الحضارية من فنون ومعارف وتراث واتجاهات معرفية، بكلمة مختصرة قالوا أن المدينة هي: إعلان التعاون بين الأفراد.
إن من يقرأ تاريخ الشعوب فسيجد أن شعوب الحضارات القديمة تحولت مع مرور الزمن من أرياف وقرى وبادية إلى شعوب مدن كبيرة تشكل في مجموعها الوطن الأم، وكل مدينة لها خصائصها التي تتشكل من تراث وتاريخ تلك المدينة، ويضرب المثل في ازدهار المدن بمدينة أثينا حينما استطاعت في القرن السادس قبل الميلاد أن تصل إلى مرحلة النضج المدني المتمثل في التفاعل المتبادل بين أبناءها، حيث جمعتهم روح المعرفة والتعاون المشترك للرقي بوضع مدينتهم العمراني والعلمي والفني والاقتصادي والعلاقات الاجتماعية.
إن إلقاء نظرة على كثير من مدن العالم المعاصر يجد أنها تعاني من فقدانها الروح الحقيقية للمدينة متخلفة على أكثر من صعيد، فعمرانياً تعيش ضعفاً في مظاهر العمران والمؤسسات الخدمية، وعلمياً تشهد تراجعاً في الاهتمام بالمعرفة وفقراً في مراكزها العلمية ، واجتماعياً ينخر التفكك والتنازع ومختلف الوان الجريمة، ونشاطها الاقتصادي مشلول بالركود، ولكل ذلك أسبابه الموضوعية.
ولا يمكن لمثل هذه المدن أن تتحول إلى مدن فعلية ثم إلى أوطان مزدهرة إلا بتوفر الشروط المعقولة والفعلية للارتقاء إلى مصاف المدن المتقدمة ولعل من أولويات شروطها أن تتطلع عقول مواطنيها إلى التسامح والتعاون المتبادل بين الأفراد والجماعات.
وإذا كانت سنة الله تعالى لبني البشر أن خلقنا من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة فإن التحول من الانحدار إلى الرقي وبالعكس لا ينطبق فقط على الأجسام، بل هي سنة تجري على كل شؤون الحياة عندما تتوفر الأسباب وكما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} سورة الرعد (11)، فأثينا القرن السادس قبل الميلاد التي كانت قبلة العالم في الحضارة هي الألفية الثالثة بعد الميلاد تعاني الخلل على غير صعيد كما هي أخبارها على شاشات التلفزة.
وبلادنا بحمد الله تمر في هذا التحول الطبيعي وهو تحول الأرياف والهجر والبادية إلى مدن كبيرة، التي تشكل في مجموعها علامات ازدهار الوطن، من هنا فإن الاهتمام بتكريس وتنمية الروح الحقيقية بين أبناء المدن المتمثلة في قيم التسامح والتعاون، وتصحيح ما يطرأ على هذه الروح من ضعف هو الطريق الصحيح نحو المدن المتقدمة، والمجتمعات الواعية هي التي تبادر لمراجعة روحها الاجتماعية لاكتشاف نقاط الخلل وتنشيط نقاط القوة.
ولأهمية هذا الموضوع على الصعيد المحلي والوطني وما يحمله تاريخ هذه المنطقة من تحولات في العلاقات الاجتماعية بين مكوناتها (المدينة والقرية والبادية) وكذلك وجود مبادرات إيجابية لرواد حملوا هم التسامح والتواصل بين هذه المكونات وجدنا في منتدى الثلاثاء أهمية فتح هذه الصفحة لتكون بإذنه تعالى باعثاً لتفعيل هذا الجانب على الواقع العملي وإعطاءه دفعة جديدة تواكب ما يحصل من تغيرات اجتماعية.
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد