تحولات عبد الرحمن منيف في منتدى الثلاثاء

3٬766

قدم الاستاذ محمد بن عبد الرزاق القشعمي مدير الشؤون الثقافية بمكتبة الملك فهد الوطنية قراءة في تجربة الروائي عبد الرحمن منيف، في محاضرة أقامها منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف تحت عنوان “عبد الرحمن منيف والتحولات الثقافية”، وذلك مساء الثلاثاء 3 ربيع الاول للعام 1434هـ الموافق 15 يناير 2013م ، ضمن فعاليات المنتدى لموسمه الثقافي الثالث عشر.

بدأت الامسية التي حضرها نخبة من المثقفين والكتاب ، بالتعريف بمهرجان الرحمة المحمدية والذي قدمه علي السيف ، مستعرضا أهداف المشروع للتعريف بنبي الرحمة (ص) والتركيز في هذا العام على الأمن والسلم الاجتماعي ، موضحا أبعاد التفاعل الإجتماعي الذي حظي به المهرجان في برامجه السابقة والأنشطة المختلفة التي يقدمها . ثم اتبعه عضو اللجنة المنظمة موسى الهاشم بالقاء كلمة المنتدى التي عبر فيها عن تطلع المنتدى للاحتفاء بالشخصيات الوطنية وابراز دورها ، مشيرا الى الدور البارز الذي لعبه عبد الرحمن منيف على الساحة الأدبية في الوطن العربي .

أدار الندوة الكاتب حسن آل حمادة معرفا بالمحاضر – محمد القشعمي – وتاريخ اهتمامه بموضوع الروائي عبد الرحمن منيف وتحولاته الثقافية ، اذ جمعت بينهما أي (القشعمي و منيف) علاقة ومعرفة وذلك خلال العقدين الاخيرين من حياة الاخير، حيث ألف القشعمي كتاباً عنه تحت عنوان (ترحال الطائر النبيل) كان الروائي عبد الرحمن منيف قد اطلع عليه في طبعته الاولى العام 2003م. بالاضافة الى ان للمحاضر العديد من المؤلفات عن الادباء والصحفيين رواد الصحافة المبكرة في المملكة، كما ان له ستة بحوث ودراسات مختلفة.

افتتح المحاضر محمد القشعمي حديثه باستعراض بدايات اهتمامه بالروائي عبد الرحمن منيف وذلك في العام 1405هـ (1985م)، حيث كان يعمل على جمع رواياته و بعض الكتب التي يشارك في تأليفها وما يكتب عنه في الصحف والدوريات ، فجمع مالا يقل عن مائة عنوان من الدراسات والبحوث والمقالات والمحاضرات ، كما تطرق الى لقاءاته المتكررة به وحواراته المتواصلة وتعاونهما في لقاء العديد من الأدباء والمفكرين السعوديين و، حيث كان منيف مهتما وهو في المهجر لمتابعة اخبار المملكة وجديديها في نجال النشر شعرا او رواية.

وألقى المحاضر نظرة سريعة على نشأة وطفولة عبد الرحمن منيف؛ حيث ولد من أب سعودي وأم عراقية عام 1933م و نشأ في عمان بالاردن وادخل عام 1936م الكُتّاب ، ثم انتقل الى المدرسة (العدلية) الابتدائية الجكومية ، ليلتحق بعد ذلك في المدرسة الثانوية حتى العام 1952م. كان حينها شغوفا بالقراءة والمطالعة الحرة بدءا بما يصل من الصحف المصرية واللبنانية مثل مجلة (المنهل) و (روايات الجيب) ، حيث أن عمان حينها كانت تفتقر الى المكتبات.

وعندما حلت القضية الفلسطينية بكل تعقيداتها على الساحة الأردنية ، توجه منيف للعراق لإكمال دراسته الاكاديمية بكلية الحقوق في جامعة بغداد . ومع قيام حلف بغداد واعتراضه عليه ، أبعد بسبب نشاطه السياسي ليواصل دراسته في القاهرة ، وينهيها في يوغوسلافيا حيث تخصص في اقتصاديات النفط ، ثم يعود الى بيروت مزاولا نشاطه السياسي، واخيرا الى بغداد منخرطا في حزب البعث. وأوضح المحاضر، أن السياسة التي انشغل بها عبد الرحمن منيف كانت انطلاقته للتحول باتجاه الأدب والرواية تحديدا، ومن الأدب تم الانطلاق باتجاه جديد نحو السياسة، حيث بقيت السياسة في كل التنقلات. وكان التحول عن التنظيم الحزبي اذ وجد فارقا كبيرا بين الافكار والمؤسسة التي ينتمي اليها ، مما دعاه للكتابة الروائية تعبيرا عن افكاره وطموحه.

فقد كشفت له فترة الستينات مقدار الحاجز الذي حال بينه وبين الاستمرار في العمل السياسي ، فدخل فترة من المراجعة والنقد قادته الى العمل الروائي، لكنه بقي في السياسة من خلال الادب ومبتعدا عن التنظيم الحزبي . وأشار القشعمي الى قول لمنيف حول تلك المرحلة “لما جاءت الأحداث الكبرى التي هزت واقع المجتمع العربي، وأدت إلى الكوارث المعروفة، اتضح أن التنظيم السياسي، والفكر السياسي المسيطرين والسائدين يتمتعان بحد كبير من التخلف والعجز وعدم القدرة على فهم المرحلة وبالتالي على قيادتها ، ومن هنا كان الابتعاد عن السياسة اليومية بمعناها التنظيمي، والالتفاف أكثر الى الثقافة والى الرواية بشكل خاص “.

وذكر الاستاذ القشعمي أن تلك القناعة أدت بدورها الى القطيعة بين الروائي والتنظيم ، والى اللجوء الى الهواية التي كانت تشكل حلما يمكن من خلاله أن يخدم الروائي الآخرين وأن يدافع عن قضاياهم ، وهكذا كان ، بقيت السياسة ، لا من خلال التنظيم والممارسة المباشرة ، وإنما من خلال الأدب والممارسة غير المياشرة ، ففيما يتعلق بالسياسة بيس هناك نهاية ، ولكن بمعني العمل الحزبي كانت النهاية عام 1962م. وأوضح القشعمي بأن الأدب كان هو الهواية التي يمكن من خلالها أن يغير عبد الرحمن منيف أدائه في مواجهة الحياة، لا يهجر السياسة والتقوقع في بوتقة الأدب، وانما يطرح الفكر السياسي والقناعات السياسية من خلال الأدب، وهو بذلك جمع بين حقلين معرفيينلهما التاثير الأقوى والقدرة الأفضل على الإقناع وعلى التبصير بالحقائق التي تخفى على الآخرين. فقد جمع بين مهنته كسياسي وهوايته في الكتابة، وكان طرحه السياسي من خلال الادب قائما على مراجعة أخطاء الماضي من خلال الفن والأدب ودفع كل الأخطاء الى الظهور ليكون النقد والنقد الذاتي أول خطوة بعد القطيعة.

كما أن الخطوة الثانية كانت عبر فضح المؤسسات والرموز التي ساهمت وما تزال تساهم في انحطاط الأفكار والقيم في جعل الهزيمة حالة دائمة لا يمكن تجاوزها. أما الخطوة الثالثة فقد كانت نشيجا منفردا ومعبرا عن تلك الأحلام التي تحطمت وتلاشت، نشيجا ولد بعده الاعتقاد الراسخ بأن الفرادة والإختلاف عن الآخر أصبح قدر كل إنسان . ونقل القشعمي اقوال اثنين من النقاد العرب، منهم فاروق عبد القادر الذي قال عن منيف “أن شروطا ذاتية وموضوعية تحالفت كي تجعل من عبد الرحمن منيف المواطن العربي بامتياز” ، وعن معجب الزهراني قوله “عند النظر الى كتابته الروائية في مجملها يتبين أنها تتميز بسمات عامة تؤكد خصوصية التجربة بقدر ما تجعل منها اضافة نوعية مهمة لمنجزات الرواية العربية الحديثة عموما”.

واختتم المحاضر ورقته بكلمة لعبد الرحمن منيف جاء فيها “الرواية مهما حاول الروائي تصورها لا تتكون الا بالكتابة، فالكتابة مثل تظهير الصورة، إذ بها وحدها تكتسب شكلها وقوامها وملامحها الحقيقية، وقبل ذلك تكون مجرد احتمال”. عرضت الفنانة نوال آل هلال معرضا صوريا ضوئيا على هامش اعمال الندوة وتحدثت في كلمة موجزة عن تجربتها الفنية في التصوير الفوتغرافي موضحة أنواع التصوير التي اشتغلت بها ومجالات اهتمامها كالطبيعة والانسان والتراث.

في بداية المداخلات تحدث الاستاذ حسن الزاير عن عبد الرحمن منيف كونه درس في الارادة والاجتهاد وتعب على نفسه كثيرا ، أم الاعلامي محمد المرزوق فتساءل عن مدى قرب خماسية (مدن الملح) من واقع المجتمعات العربية وخاصة مجتمعات ما بعد النفط. وأشار الاستاذ محمد الهلال من جميعة الثقافة والفنون بأن عبد الرحمن منيف هو غاية في الانسانية بمعزل عن أعماله وتجربته السياسية والأدبية .

وأشار الإعلامي السوري يوسف شغري الى العلاقة التي جمعته مع عبد الرحمن منيف والحوارات الثنائية التي تمت بينهما أثناء اقامته في سوريا ، موضحا أن منيف كان يتمتع بحاسة دقيقة للغاية في تناول تفاصيل شخصيات رواياته التي تجاوزت المئة شخصية في مدن الملح . وتحدث الروائي حميد آل سيف مفصلا عن ميزات الكتابة الروائية لمنيف وخاصة في خماسية مدن الملح في قدرته على نقل صور دقيقة للتحول من البداوة الى الحداثة ، وتناول لقاءاته المتكررة مع منيف الذي كان يشكو من ترجمة اعماله الروائية الى لغات اخرى دون الحصول على اذن مسبق منه.

وعلق راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب على ورقة المحاضر قائلا بأنها تناولت مرحلة زمنية من تحولات منيف من السياسة الى الأدب دون أن تستعرض كامل تجربة التحولات التي مر بها منيف، وأشاد الشاعر حسن السبع بحديث المحاضر القشعمي عن عبد الرحمن منيف موضحا أن منيف لم يكن دقيقا في رسم صورة مجتمع المنطقة الشرقية في رواياته التي كتبها.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد