نفاش جدلي حول الفلسفة التطبيقية في منتدى الثلاثاء

783

دار حوار فكري متشعب في الندوة التي نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء بتاريخ 21 صفر 1443هـ الموافق 28 سبتمبر 2021م تحت عنوان “الفلسفة من الأفكار المجردة إلى الحياة اليومية” وتحدثت فيها أستاذة النقد والأدب المشارك بكلية اللغة العربية بجامعة الملك عبد العزيز الدكتورة رانية العرضاوي، وأدار الندوة الأستاذ ناصر الحسن. كما شاركت في الندوة الفائزة في مسابقة “تحدي القراءة العربي” وهي الطالبة الجامعية شهد ضياء آل قيصوم التي تدرس فيزياء الطاقة المتجددة بجامعة الامام عبد الرحمن بن فيصل بالدمام.

وتحدث مدير الندوة عن الأبعاد المختلفة لعلوم الفلسفة وتأثيرها في حياة الانسان وحول تنامي الاهتمام بقضايا الفلسفة في المجتمع والتوجهات الجديدة في المسارات التعليمية في هذا المجال، وعرف المحاضرة بأنها حاصلة على ماجستير في النقد الأدبي، وتحمل شهادة الدكتوراة في فلسفة الأدب والنقد المقارن من جامعة دَرَم ببريطانيا، ولها مشاركات في مؤتمرات ولقاءات ثقافية وأدبية متخصصة، ومن أبحاثها المنشورة: تأملات في الاعجاز البياني للقران الكريم، ظاهرية الصورة الشعرية للماء في النص العربي القديم، الصورة الكونية في شعر الصعاليك: قراءة ظاهراتية.

بدأت الدكتورة رانية العرضاوي حديثها بالقول أن الفلسفة بمعناها الحقيقي تعني الاهتمام بالفضائل النظرية، وأن التفكير الفلسفي يستطيع أن يتماهى مع تمظهرات العالم، والمفاهيم المجردة لا حدود لها وألبست غموضا بين المعاني الضمنية المنقطعة عن النسق والسياق، حيث تنطلق ثورة السؤال الفلسفي لإحداث هزة في منعطفات الوعي. وأضافت أن السؤال الفلسفي يفتح الأفق ويقود للانتقال من التجريدي الصعب إلى اليومي البسيط كسؤال ماذا لو؟ ويقود ذلك إلى تساؤلات بمستويات مختلفة تصل للعلاقات الثنائية كعدم التسيد على الطرف المقابل، والمغامرة التساؤلية ضاربة في ميثولوجيا الإنسان بشكل عام كما أنها طفولية في تعلمها.

وبينت أن الخوف من الفلسفة ناتج عن الثقل والتعالي حيث جعلت من التفلسف سمة خاصة، وينبغي احتضان المجرد ضمن السياق اليومي الأمر الذي يتم تكراره ضمن ذاكرة اليوم، فالمجرد حر بينما اليومي مقيد بالتكرار، كما أن العقل مفهوم مجرد. وأوضحت أن قوة المعيشي تبرز في تماسكه حيث الاختلاف في الألوان والأصوات، مما يجعل اليومي يسوق إلى منطقة الدهشة الفلسفية التي هي أساس الشرط الإنساني وتنجي الانسان من حالة الاستهلاك إلى الامتلاك، فاستهلاك فعلي القراءة والكتابة أمر حديث بينما هما فعلان مستقلان
وحول دور الفلسفة في العصر التقني الحاضر، أوضحت المحاضرة أن التشكلات التقنية ساهمت في انتاج السلوكيات البكماء المنقطعة عن التواصلية الإنسانية والسلام التأملي، حيث أصبحت الأجهزة هي المتحكمة في المدخل والمخرج، من هنا يأتي دور الفلسفة التي تعمل على تحقيق السعادة وسط الفوضى للخروج من العمى الإنساني الناتج من فعل السرعة. وأشارت إلى أن معاقرة الفلسفة لا تزال حديثة في مجتمعاتنا، وإجرائيا فإنها تعمل على ضبط الفضائل والأخلاق وتقريب الممارسة السلوكية اليومية، ومن أسباب النظرة المعقدة للفلسفة هو الضعف اللغوي، والعقل المتطرف يرفض أي علم يقاوم منطقة الراحة لديه بما في ذلك الفلسفة.

وردا على تعليق حول التعارض بين الدين والفلسفة، بينت الدكتورة رانية العرضاوي أن الدين لا يتناقض مع الفلسفة حيث أنه يدعو للفضائل والتفكير التي يعتبرها عبادة، والفلسفة الظاهراتية تدعو إلى إعادة الروحانيات للماديات مما يساعد الانسان على اكتشاف ذوات مختلفة على الماديات المحيطة به، والتحول نحو الفلسفة يحتاج لفترات زمنية أطول. وأكدت على أن هناك أسبابا كثيرة أدت إلى انهيار الفكر العربي، مطالبة بطرح السؤال المهم وهو كيف يمكن أن ينهض هذا الفكر من جديد، مشيرة إلى أن مرور الفكر الإسلامي بالتفلسف كان بنفس الدائرة التي مرت بها الحضارات الأخرى، وأن العرب قادرون على الفلسفة والتفلسف وبيننا فلاسفة عظام، وينبغي التحرر من أفكار التبعية.

وطرح مدير الندوة الأستاذ ناصر الحسن تساؤلا حول دور الفلسفة في معالجة العلاقة مع الآخر والتعايش معه، أما الدكتور أحمد المطرودي فطرح تساؤلات لها علاقة بردم الهوة بين التنظير للفلسفة والواقع الملموس حيث أن هناك تغول شديد في التنظير وبعد عن الأدوات الإجرائية والعملية. وعقب الدكتور محسن توفيق حول أهمية التوفيق بين عالمي الغيب (الميتافيزيقا) والشهادة (العلوم الطبيعية) موضحا أن كل المتكلمين في الحضارة الإسلامية مارسوا الفلسفة، ومؤكدا على أهمية ضبط العلاقة بين الغيب والحياة كالأخلاق وممارسة المهنة وربط الفلسفة بالعلوم الطبيعية.

وطرح الأستاذ نادر البراهيم إشكالية التزاوج بين الفكر الفلسفي كفكر منفتح لا يلتزم بحدود معينة، وبين الفكر الديني وهو فكر ثابت وساكن ويتحرك ضمن دوائر محددة ولا يتقبل التفكير المختلف خارج السياقات الثابتة، حيث يرى أن التزاوج بينهما يبدو صعبا أو غير ممكن. وتساءلت الدكتورة دلال بخض عن إمكانية التوفيق بين النظرية والتطبيق في الفلسفة بممارسات للتخلص ما يعلق بالذهن من مسلمات مسبقة بغرض تجديد الفكر، وعن كون التأمل أحد مفاتيح الممارسة الفلسفية في الحياة اليومية.

وطالب الأستاذ عبد العزيز طياش بالعمل على ابراز تمظهرات الفلسفة في المجتمع، متسائلا عن سبل تسريع ذلك، كما تساءلت أيضا الأستاذة جوزاء العتيبي عن سبل تعزيز الفلسفة في نفوس المراهقين في المجتمع. وقال الدكتور محمد هويدي في مداخلته أن العلم سبق الفلسفة حيث طرح سؤال الكيف بينما طرحت الفلسفة سؤال السببية (لماذا؟)، والعلم يعنى بتفسير الظواهر ولهذا انطلق وخدم الإنسانية، موضحا أن الفلسفة لم تقدم نتاجا مهما للبشرية أسهمت في تقدمها او معالجة مشاكلها. وأكد الدكتور محمد أبو الزيد على أن موضوع الفلسفة هو في غاية العمق والرشاقة، والفلسفة بمعنى الحكمة هي أوسع من حصرها في مجال الغيبيات، والدين ينظم الفلسفة حيث أنه لا يوقف العقل وينبغي أن نسحب الفكر العقلاني لردم الفجوة القائمة.

وعقبت الدكتورة فوزية أبو خالد بقولها أنه من المهم العمل على أنسنة الفلسفة في مقابل وحشية الرأسمالية، وقد تم شيطنة الفلسفة منذ ما قبل المجتمعات الحديثة، مما يعني أن هناك قلقا مشروعا حول التضاد القائم مضيفو أننا نحتاج لخلق علاقة تصالحية والكثير من الاعداد لعدم التعارض في المناهج التي لا يزال بعضها لا يطرح التفكير العلمي. وتناول الأستاذ علي الصعيري موضوع انهيار الفكر العقلاني النقدي لدى المسلمين مع أنه كان هناك مفكرون تنويريون بارزون حسب ما كتبه المؤرخون الغربيون أيضا.

وعقب الأستاذ مالك آل فتيل بالقول أنه في هذه اللحظة المهمة من تاريخنا، وقبل أن تعود الفلسفة إلى خبائها بسبب ضجيج الصورة ومكر الخوارزميات، أود أن استعيد نصيحة قديمة، لفيلسوف قديم، نصحنا ونصح بها أهل الفلسفة، وهو أبيقور (الرابع قبل الميلاد): “علينا التأمل فيما يبعث على السعادة، فبحضورها يكون لدينا كلُّ شيء، وبغيابها نفعل أيَّ شيءٍ لامتلاكها”.. وهل هناك من باعث على السعادة أكثر من يومياتنا البسيطة، وتفاصيلها الهامشية؟! متسائلا هل حقيقة.. أن علينا التخوف على الفلسفة في عصر الرقمنة؟. وتساءل الأستاذ صادق إسماعيل عن مدى الحاجة إلى الفلسفة على الصعيد الاجتماعي، ولماذا هناك اعتراضات تواجه الفلسفة في العالم العربي دون غيره، وعلق الدكتور محمد الزهراني على الطرح في الندوة بأنه متوازن بين القيم والثوابت وتحرير العقل، وتوضيح أهمية الفلسفة البناءة وليست تلك التي تعتبر ضياعاَ للوقت.

 

التغطية الإعلامية

 

لمشاهدة الندوة كاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد