الإنسان وفن الموسيقى والإنشاد:قراءة في الرسالة والتجربة

4٬084

في إطار الرؤية الشاملة لمنتدى الثلاثاء الثقافي، والتي تفتح الحوار على مختلف الأبعاد والجوانب الثقافية، لا سيما تلك التي تموج على الساحة الاجتماعية، فتحت ندوة الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 1/ جمادى الأولى/ 1429هـ، الموافق 6/ مايو/ 2008م نافذة أطلت به عبرها على الموسيقى والإنشاد كبعد فني تجولت في حدائقه وقرأت رسالته وثمنت نتاجه وقومت دوره بحضور مختصين موسيقيين، هما الأستاذ محمد السنان.

وقد أدار الأستاذ زكي البحارنة الندوة، فعرف بالضيفين مبتدئا بالأستاذ محمد السنان؛ وهو موسيقي، درس الموسيقى على يد المايسترو الأردني المرحوم توفيق جاد، كما شارك في الكثير من المهرجانات الدولية، كمهرجان أوسكار للأغنية المصورة، ومهرجان الرواد العرب في المملكة، وهو عضو اللجنة التأسيسية فيه، تمت استضافته كعضو لجنة التحكيم في البرنامج التلفزيوني نجوم العرب، حصد الكثير من الجوائز، وكرم لدوره الفعال في العديد من المهرجانات والفعاليات.

ثم عرف بالضيف الثاني، الأستاذ محمد ترمس، وهو موسيقي من لبنان، درس التأليف والتوزيع الموسيقي في المعهد الوطني العالي للموسيقى في لبنان، وحاز على شهادة الدبلوم في الموسيقى، درس الإخراج المسرحي في أكاديمية السينما في لبنان، كما أنه له بعض الأعمال مع بعض الفنانين العرب في أعمال فنية وطنية، أسس عددا من الفرق الإنشادية في لبنان، وأخرج بعض الأعمال المسرحية مثل (دمٌ وانتصار)، (ملك الزمان)، (محمد رسول الله)، وغيرها عمل في بعض الفضائيات، وألف موسيقى تصويرية لبعض الأعمال، من إصداراته الخاصة، فراق، والعودة إلى الله، ناداك قلبي.

وقد بدأ الأستاذ محمد السنان محور طرحه بالحديث عن أهمية الموسيقى في الحياة اليومية، مدللا على ذلك بحضورها في مختلف وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة، ثم عرفها بما كتب مؤلف كتاب تاريخ الموسيقى العربية (هنري فارمر) إذ عبر عنها باللغة الوحيدة التي يفهمها العالم كله على اختلاف أجناسه وألوانه ولغاته، فكل الكون يسبح في أنغامها المتمثلة في زقزقة العصافير، وحفيف الشجر، وهبوب النسيم، وهدير الموج، وغيرها، مؤكدا أنه لا يوجد شيء في الكون إلا وله من النغم نصيب.

بعد ذلك استحضر أصل كلمة موسيقى، مشيرا لكلمة (موزياك) أو (صوت الطبيعة) اليونانية الأًصل، والتي اشتقت منها جميع لغات العالم لغتها المقاربة للفظة الأم، وتحدث عن تاريخها الذي بدأ بدراسة الإنسان لأصوات الطبيعة، ثم تقليده لها، واكتشافه للأصوات التي يحدثها شد جلود الحيوانات على أخشاب مجوفة، ومرور الهواء في تجاويف نبات البامبو، واختلاف هذه الأصوات باختلاف أحجام وأطوال وتجاويف هذه النبتة، الأمر الذي دعاه لصنع آلة الناي.

وأشار الضيف السنان إلى انتقال الموسيقى للعرب قبل الإسلام بكثير عن طريق الفرس واليونان؛ فتحدث عن حضورها في اليمن خلال القرن الرابع الميلادي، وازدهارها بازدهار الشعر، مما ساهم في انتشار الغناء وبروز المغنين، ثم انتقال ذلك كله للحجاز عبر حركات الهجرة، كما أشار لتركز اهتمام الحجاز آنذاك على الشعر لا الموسيقى والغناء اعتبارا لنظرتهم الدونية لهذا الفن، كون الذين مارسوه منذ بدايته ليسوا عربا بل فرسا عاشوا في اليمن منذ الاستعمار الفارسي لها، وكانوا في أغلبهم ينتمون لطبقات القيان والمخنثين.

بعد ذلك، انتقل المحاضر الضيف لمرحلة حساسة ضعفت فيها هذه الفنون في أواخر عصر الدولة العباسية، بسبب سيطرة الأتراك على شؤونها السياسية والدعوة للعودة للإسلام، ثم سقوطها على يد القائد المغولي هولاكو، وبذلك توارت الثقافة في المنطقة العربية، وبقيت في الأندلس والمغرب العربي فأنعشت الفنون الأندلسية كالموشحات والغناء الصوفي.

وعن تأثير الموسيقى، استعرض بعض أقوال الفلاسفة والحكماء والعلماء في تأثير الموسيقى على الإنسان؛ فتحدث عن كونفيشوس، وأفلاطون، والشيخ حسن العطار، فسر بعدها – فيزيائيا- قدرة الموسيقى للنفاذ إلى جسم الإنسان وروحه، وعن حقيقة أن ذبذبة الجسم تؤثر على ذبذبة جسم آخر، وذلك بذكر بعض التجارب التي قام بها فلاسفة اليونان والصين على الجمادات والنباتات والحيوانات حين اكتشفوا (الأثر الانفعالي) وأكدوا أن الإيقاع والنغم ينفذان إلى أعماقها ويستحوذان عليها بقوة، مثبتين ذلك بنتائج تجاربهم التي تمثلت في زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني، مما حدا ببعض الدول الحديثة كالهند وهولندا وبريطانيا للاعتماد على الموسيقى بدلا من الهرمونات لزيادة الانتاج في بعض المجالات.

وعن أنواع الموسيقى، تحدث السنان عن الموسيقى الغربية عموما، مشيرا لاختلاف وظائف وخصوصيات كل منها، ليفاجئ الحضور بعد ذلك بتصريحه أن الموسيقى العربية لم تولد بعد، رغم محاولات الموسيقيين العرب لتقديم موسيقى عربية خاصة، وعن بعض هذه المحاولات، مر السنان على مقطوعات محمد عبد الوهاب الموسيقية، وكذلك السنباطي، وتوقف عند سمفونيات توفيق الباشا، وعن عذر عدم استيعاب الذائقة العربية لها، والذي عم آنذاك، واستعرض بعض المحاولات المعاصرة؛ فتحدث عن نصير شما، وجهوده في رفع مستوى الذائقة العربية، بتأسيس بيت العود في جمهورية مصر العربية، ودولة الإمارات.

وختم الضيف محمد السنان محوره بالحديث عن موجة الغناء الشبابي الحديث؛ فوصفه بالتمرد على القيم الاجتماعية القائمة التي لم يستطع أن يتفاعل معها؛ لعجزه عن تفريغ طاقاته الكامنة، وعدم قدرة المجتمع في المقابل عن استيعابه في مؤسساته الثقافية، مما أدى بالجيل الشاب إلى اللجوء لما يثبت به وجوده ويجبر مجتمعه للاعتراف به بغض النظر عن وسائل ذلك الإثبات.

محور الندوة الثاني تحدث فيه الأستاذ محمد ترمس عن تجربته مع فرق الإنشاد في المنطقة، فقدم طرحه بالحديث عن الموسيقى، وأثرها الساحر في تهذيب الأخلاق الإنسان ورفع مستوى الذوق، ثم تحدث عن غياب ثقافة الإنشاد في المجتمع، والذي يتصوره بعض المنشدين قائما على ثلاثية النص واللحن والأداء؛ مشيرا لأهمية وجود رسالة سامية للموضوع المختار وإلى أهمية وجود علاقة روحية بين الموزع الموسيقي للنص والنص نفسه لخلق حالة الإحساس المهيأة بدورها لخلق اللحن، مشيرا إلى استحالة تحقق ذلك دون إلمام الملحن بظروف كتابة النص وظروف إنشاده، فضلا عن إمكانية المنشد الصوتية.

وفي حديثه عن الفرق الإنشادية وعوائق تقدمها، تكلم الأستاذ ترمس عن عائق الوعي بالضوابط الشرعية في التعاطي مع فن الموسيقى والإنشاد، موجزا بعض التجارب التي عايشها، وكان يستدعي تجاوزها إلماما وثقافة دينية تدفع من أدائها للأمام لا العكس، وتكلم عن الاكتفاء الغير ناضج الذي يقف عنده بعض الدارسين للموسيقى والإنشاد، وعن خطأ التعاطي مع النقد الهادف البناء، وعن استهلاك الفكرة، وانعدام الموهبة، وغياب الإبداع، وسرقة الألحان، وسيطرة الأنا، والجهل بأبسط مفردات هذا الفن وأركانه، مستشهدا بجهل التفريق بين أركان الأوبريت والإنشاد الاستعراضي.

مداخلات الحضور تقاربت في مواضيعها، حيث تركزت حول التساؤل عن سبب تذبذب ذائقة الأذن العربية في استيعاب روح الموسيقى، وعن أسباب هذا التذبذب، وعن مستقبل الموسيقى العربية، وفيها تحدث الأستاذ محمد السنان عن استحالة ذلك، لعدم تعود الأذن الغربية على نوتات عربية لا تنتجها جميع آلاتها الموسيقية منذ أربعة قرون؛ كربع النغمة وثمنها؛ وكانت قبل ذلك موجودة، كذلك تباحث بعض المهتمين من الحضور مع الأستاذ محمد ترمس إمكانية تفعيل العزف المباشر على المسرح في الحفلات الإنشادية بدلا من التسجيل المتعارف عليه.

جماعة الخط العربي في القطيف كانت الجهة التي عرض المنتدى نتاجها بدءا من هذا الأسبوع ضمن نشاطه على هامش فعاليات المنتدى في التعريف بفن وفناني المنطقة، وقد تحدث السيد مصطفى العرب، وهو أحد أعضاء الجماعة عن نشاطها، وموقعها على الساحة العربية، والجوائز والمراكز التي حصلت عليها محليا ودوليا، أما كتاب الأسبوع الذي تم عرضه في زاوية المنشورات لهذا الأسبوع، فكان العدد الأخير من مجلة الواحة.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد