الإنسان والشعر، البداية والتجربة

3٬983

تحت عنوان “الإنسان والشعر: البداية والتجربة”، ألقى الشاعر الشيخ علي الفرج محاضرة في منتدى الثلاثاء الثقافي بتاريخ 7 ربيع الآخر 1428هـ، الموافق 24 ابريل 2007م، حضرها لفيف من المثقفين والشعراء المهتمين بقضايا الشعر، وأدار الندوة الشاعر الأستاذ محمد عيسى الغزوي الذي عرف المحاضر بأنه من مواليد بلدة القديح بالقطيف، تنقل في الدراسات الدينية بين العراق وسوريا وإيران، وله مشاركات أدبية وثقافية داخل وخارج المملكة، وألف العديد من دواوين الشعر منها “أصداء النغم المسافر”، وكذلك كتبا حول الشعر واللغة تحولت إلى مناهج دراسية،واستعرض مدير الندوة أهمية هذا الموضوع واهتمام العديد من الباحثين بدراسة بداية الشعر لدى الإنسان منذ بدء الخليقة وحتى مرحلة الشعر الجاهلي وما بعده.

بدأ المحاضر حديثه بتتبع بدايات الشعر باعتباره أول التجارب الفنية التي قام بها الإنسان، مؤكدا على صعوبة تحديد بدء نشأته بصورة دقيقة نظرا لتباعد البلدان واختلافها، كما أن الشعر لم تحدد معالمه وماهيته إلا في مراحل متأخرة من التاريخ وذلك بعد اكتشاف الإنسان للكتابة. وذكر المحاضر أن علماء اللغة يؤرخون لبداية الشعر بما يسمى “شعر الكهان”، وهم معلمو الإنسان في القديم حيث تميز بارتباطه بالمغيبات والميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة)، وهذا العلم بطبعه غيبي أسطوري كان يوقع على نغمات العود، وتحول بعد ذلك إلى أناشيد يرددها “الجوقة” في المسارح اليونانية، وهم مجموعة من الممثلين يرقصون على أحداث المسرحية وينشدون شعرا. وذكر أيضا أن العقيدة آنذاك ترى أن الشعر له صلة بالإلهام الإلهي والروح الملهمة المستترة وهي مصدر العبقرية وليس نتيجة الثقافة المعاصرة التي يعيشها الإنسان. وأكد في حديثه على أن الشعر هو أقدم الآثار الأدبية للإنسان، فقصائد هوميروس الشاعر اليوناني صاحب ملحمة الإلياذة هي من أقدم الشعر في العالم، أنشدت قبل أن يؤلف كتاب أو يظهر نثر فني.

انتقل المحاضر بعد ذلك للحديث عن مرحلة الشعر في العصر الجاهلي حيث انتشر في الأسواق والمحافل، وهو من الشعر المسموع خلاف الشعر الحديث الذي يتميز بكونه مقروءا، وأشار إلى أن الشعر الجاهلي نقل سماعا وليس كتابة. واعترض على ما ينتهي إليه الكثيرون من علماء اللغة في تزامن ظهور اللغة العربية مع ظهور مشيرا إلى ما كتبه بروكلمان في كتابه “تاريخ الأدب العربي” بأن الشعر فن مستوفي منذ ظهر العرب على صفحة التاريخ، مستعرضا الأبحاث التاريخية التي كتبت في هذا المجال لتاريخ ظهور اللغة العربية اعتماداً على النقوش اليمنية التي تم العثور عليها والتي تشير إلى استخدام العرب لغات أخرى قبل العربية بحوالي 400 سنة قبل ميلاد الرسول (ص).

و استعرض الشيخ الفرج تسلسل أشكال التعبير الشعري الفني لدى العرب حيث أنه لَم ينتقل إلى الشعر مباشرة بل سار ضمن ثلاثة اتجاهات متدرجة؛ فأول لغة فنية عربية عرفت هي “السّجع” أي النثر المقفى المجرد من الوزن، ثم بعد زمن ترقى إلى بحر الرجز الذي يبني على تفعيلة واحدة هي (مستفعلن) ست مرات ثلاثا في كل شطر، وهو الذي ساد في العصر الجاهلي وكان لا يتجاوز بيتين أو ثلاثة، وأول من أطال الرجز هو “الأغلب العجلي” الذي توفى سنة إحدى و عشرين للهجرة. وأشار المحاضر إلى أن هذا النوع من الرجز بدأ لغرض تهدئة الأطفال، ثم انتقل إلى ساحات الحرب لسهولة حفظه و تلاوته. أما المسار الثالث فهو ما تطور من الرجز إلى ما عرف بالشعر العربي، حيث أن أقدم ما عرف من الشعر المستند إلى مصادر لا يمتد إلى ما قبل المائة سنة السابقة لمولد النبي (ص).

تحول الشيخ علي الفرج في محاضرته بعد ذلك إلى الشعر في بداية الإسلام معتبرا أن لغة الشعر في ذلك العصر لم تكن أرقى من لغة النثر مع محاولة طه حسين لحل هذه الإشكالية باعتبار القمم الثلاثية للُغة بين الشعر والنثر والقرآن، وهو دليل على الفشل في عدم استيعاب إبراز الظواهر اللغوية. وتحدث المحاضر عن أن قيمة الشعر تكمن في كونه عملا أدبيا بكلام مقفى وموزون، بحيث أنه قد يكون للنثر قيمة شعرية؛ أي يطلق عليه (قول شعري) على حد تعبير اِبن سينا.

كما ناقش الشيخ الفرج علاقة النبي (ص) وأهل بيته (ع) بالشعر نافيا أن يكونوا قالوا الشعر أو أحبوه، بل شكك في كثير مما نسب إليهم من قصائد شعرية كتلك المنسوبة للإمام علي (ع)، حيث اعتبرها بأنها غير متناسبة مع بلاغته المتميزة في الحكم و الخطب النثرية التي نقلت عنه، وقد يكون سبب نسبة الشعر إليه (ع) محبة أتباعه له. وتحدث المحاضر عن أبرز الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ذاكرا منهم لبيد بن ربيعة والأعشى.

وأنهى المحاضر الندوة بإلقاء عدد من القصائد الشعرية الجميلة تناولت مواضيع متعددة، كما استعرض أيضا جزءا من تجربته الشخصية في الشعر، حيث كانت البداية بتعرفه على الشاعر العراقي المشهور مصطفى جمال الدين في سوريا، وعرضه بعض قصائده عليه التي استحسنها وشجعه على المواصلة ودعاه للإلقاء قي بعض المناسبات الأدبية، وهو ممن تأثر بهم كثيرا، وكذلك الأديب السعودي محمد العلي.

وتناولت مداخلات الحضور عدة قضايا منها المناقشة في علاقة أهل البيت (ع) بالشعر، وتقييمه للنشاط الأدبي في منطقة القطيف. وشكر راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضر مثمنا جهوده وإبداعاته الشعرية ومؤملا أن يكون رمزا أدبيا على مستوى الوطن، وأن يتم الاهتمام بأعماله وإنتاجه الأدبي المتميز.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

المحاضرة الكاملة:   

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد