من تاريخ شرق الجزيرة العربية

4٬585

ألقى الأستاذ عبد الباري الدخيل محاضرة في منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 6/6/1426هـ الموافق 12/7/2005م تحت عنوان “من تاريخ شرق الجزيرة العربية”، استعرض فيها الجوانب الجغرافية والاقتصادية والدينية من تاريخ هذه المنطقة، وقد قدم الندوة الأستاذ محمد الشيوخ، فعرف المحاضر بأنه من مواليد جزيرة تاروت بشرق السعودية، وعمل في قسم المساحة الجوية بوزارة البترول والثروة المعدنية، ثم هيئة المساحة الجيولوجية بأمانة المنطقة الشرقية. وشارك في العديد من الأمسيات والأنشطة الثقافية وبرامج إذاعية متعددة، كما أنه يكتب في الصحافة المحلية، وله كتاب مطبوع تحت عنوان “القرآن منهج فكر ومنهج حياة”، كذلك له بحث عن المناطق الأثرية في المملكة بعنوان “حديث التراب”.

تحدث الدخيل في مقدمة الورقة التي قدمها في الندوة عن حدود المنطقة الجغرافية التي ركز حولها دراسته لتشمل ما كان متعارفاً عليه تاريخياً ببلاد البحرين المحددة حالياً بمملكة البحرين والجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية، مستنداً في ذلك على أبحاث ودراسات المهتمين والدارسين لتاريخ المنطقة، وأشار إلى المناطق الواقعة ضمن “بلاد البحرين” ومنها هجر (الأحساء)، والخط (القطيف)، وأوال أو دلمون، وجزيرة تاروت.

وركز المحاضر في حديثه عن جزيرة تاروت الواقعة شرق القطيف من ناحية تسميتها التاريخية، حيث تعد من أقدم مدن التاريخ ويقدر عمرها بخمسة آلاف سنة، وكانت مسكناً لمزيج من العشائر الكنعانية والفينيقية قبل نزوحهم إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، ويعني اسمها في اللغات السامية “الخير والجمال” وهو مشتق من معبودة الفينيقيين “عشتاروت”. وتحدث عن الآثار التي وجدت في أنحاء مختلفة من الجزيرة وتحديداً في مرفأ دارين التاريخي، وتلال الربيعية حول قلعة تاروت، ومن بين هذه الآثار بعض التماثيل الطينية والذهيبة، والعملات المسكوكة، وشواهد القبور المختلفة. ونقل أن جزيرة تاروت كانت في بعض المراحل العاصمة التجارية لدولة دلمون، وكانت حلقة الوصل بينها وبين الحضارة السومرية في العراق.

ثم انتقل الأستاذ عبد الباري الدخيل للحديث عن أهمية المنطقة، مشيرا إلى تنافس العديد من الدول عليها في حقب تاريخية مختلفة، بسبب الموقع الجغرافي بين الشرق والغرب منهم البرتغاليين والبريطانيين والفرنسيين والهولنديين، وزاد ذلك عند اكتشاف النفط وظهوره في المنطقة، وأكد المحاضر على مكانة المنطقة تاريخياً في مختلف الحقب التاريخية منذ العصور القديمة حيث العصر الحجري القديم والحديث لوجود محاصيل زراعية ومنتجات بحرية متنوعة وقيام موانئ المنطقة بدور مراكز التوزيع للسلع التجارية وتبادلها بين بقية المناطق.

واستعرض الباحث في ورقته جوانب من تاريخ الفينيقيين والعمالقة الذين استوطنوا المنطقة، واهتمامهم بتطوير الزراعة، وبالخصوص النخيل، وحفر الآبار المائية التي لا تزال منتشرة في المنطقة بشكل ملحوظ، كما تحدث أيضاً عن الحضارة الدلمونية التي نشأت بعد نزوح الفينيقيين إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، مقسما مراحل هذه الحضارة الدلمونية إلى ثلاثة عصور مبكرة (3000 قبل الميلاد – 2000 قبل الميلاد)، حيث عاصرت حضارة الورقاء والحضارة الأكادية في بلاد سومر، والحقبة المتوسطة (2000 قبل الميلاد – 1000 قبل الميلاد)، وعاصرت الكيشيين، وأخيرا الحقبة المتأخرة (1000 قبل الميلاد – 500 قبل الميلاد)، ووجدت أثارها في المدينة الرابعة بقلعة البحرين. وأشار الدخيل إلى أن المنطقة عرفت خلال حضارة دلمون بأنها “أرض السلامة  والنظافة، والأرض التي لا تعرف الأمراض ولا الأحزان ولا ينعب فيها الغراب” وسماها السومريون بأرض الطهر والنقاء.

وتحدث المحاضر في جزء من بحثه عن مجتمع منطقة شرق الجزيرة العربية، مشيراً إلى أن المنطقة سكنها الجوهائيون، وبنو عامر بن أرم بن سام بن نوح (ع) حيث سميت بمملكة “عاد”، كما سكنها الفرس حتى دخولها الإسلام، حين حدثت بين أهالي المنطقة والفرس معركتان، وسكنها أيضاً قبائل الزط والسيابجة من أهالي السند، كما هاجرت القبائل العدنانية قبيل الميلاد، واستقرت في المنطقة بسبب الحروب الدائرة لديهم ولتوفر الماء والكلأ والأراضي الخصبة، كما وفدت للمنطقة بعض القبائل منها الأزد (من اليمن)، وأولاد معد بن عدنان (تهامة)، وقبيلة إياد التي هاجرت إلى العراق بعد قدوم عبد القيس، واستقرارها في المنطقة وأصبح أهلها ينسبون إلى هذه القبيلة (العبدي).

وأشار المحاضر في نهاية بحثه عن الحالة الدينية في شرق الجزيرة العربية، حيث انتقلت من الوثنية في زمن بكر بن وائل ومحرق، إلى المجوسية التي جاءت إلى المنطقة عن طريق الإمبراطورية الساسانية، ثم اليهودية نتيجة لانتقال اليهود من العراق بسبب التجارة والاضطهاد الديني، وبعدها المسيحية حيث دخلت عن طريق الحيرة واليمن، وأخيرا الدين الإسلامي في العام السادس الهجري حيث بعث رسول الله (ص) العلاء بن الحضرمي برسالة إلى المنذر بن ساوي داعياً إياهم للدخول في الإسلام، فجمع المنذر قومه واسلموا جميعاً.

وفي نهاية المحاضرة تناول الحضور النقاش حول الأبعاد المختلفة لتاريخ المنطقة، وأكد بعضهم على ضرورة كتابته ومراجعته ونشره وعلى أهمية المحافظة على تراث المنطقة وتاريخها وتوثيقه من خلال إيجاد مراكز تاريخية ومتاحف وجمعيات تهتم بحفظ هذه التاريخ.

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد