الإرهاب.. مصادره ومنابعه.. رؤية إسلامية

4٬092

ضمن برنامجه للموسم الحالي، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 8 جمادى الأولى 1426هـ الموافق 14 يونيو 2005م الدكتور عبد الرحمن بن عبد اللطيف العصيل، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والباحث في القضايا الإستراتيجية، وأبرز الكتاب بمجموعة من الصحف السعودية، متحدثا حول مصادر الإرهاب ومنابعه. وقد افتتح اللقاء عضو اللجنة المنظمة الأستاذ ذاكر آل حبيل، فقدم الضيف معرفاً به ومثنياً على جهوده العلمية والبحثية، وعلى إصداراته التي بلغت سبعة كتب في مختلف المجالات.

بدأ الدكتور العصيل حديثه عن موضوع الإرهاب عبر عرضه لمحة تاريخية عنه معتبرا أنه ليس وليد اللحظة، بل أنه ظاهرة متزامنة مع ولادة التاريخ، تدل الإحصائيات أنه خلال القرن العشرين، وعلى مدى 100 عام تقريباً على تسببه في قتل 5000 إنسان يوميا بسبب أعمال تتعلق بالحروب والإرهاب. كما تحدث أيضا عن تعدد وجوه وأشكال الإرهاب المختلفة.

عرج المحاضر بعد ذلك في حديثه عن رؤية الدين الإسلامي لموضوع الإرهاب، مشيرا إلى أن الدعوة المحمدية تركزت في مرحلتها المكية على مسائل العقيدة بينما في مرحلتها المدنية على قضايا التشريع وتأسيس وبناء المجتمع، والعلاقات مع المجتمعات الأخرى المختلفة، ولمح إلى أن القرآن الكريم ذكر لفظ «العدل» في أربع وعشرين موضعا، بينما وردت مفردة «الظلم» 153 مرة، مستوحيا أن تكرار هذا اللفظ ربما لأن العدل بديهة وقاعدة، لذا لم تتكرر بالقدر الذي تكررت به مفردة الظلم، لأن الظلم انتهاك للعدل. ولذلك، حظي بأكبر عدد من التحذيرات، فالظلم هو أحد مسببات الإرهاب، والإسلام لا يحارب الإرهاب فحسب، بل يحارب كل الطرق التي تؤدي إليه، لأنه دين السلام الذي يخطّئ من يسوق اليوم ويشكك في الإسلام كدين بغض النظر عن ممارسات بعض المسلمين الخاطئة.

وانتقد المحاضر أوضاع العالم الإسلامي، مشيرا إلى الخلل في انتشار بعض المفاهيم الخاطئة؛ فتحدث عن علاقة المجتمعات بالكتب السماوية، مشيرا إلى أن اليهود وقعوا في تحريف التوراة ولكنهم التصقوا بها، والمسيحيين حرفوا الإنجيل وابتعدوا عنه، بينما المسلمون ضيعوا القرآن الكريم وتعاليمه ونتج عن ذلك وقوعهم في أزمات عديدة أبرزها الاستبداد والظلم وظاهرة التطرف داخلهم ثم الأعمال الإرهابية، حيث لجأ بعضهم للي عنق الحقيقة، وتطويع التعاليم لخدمة المصالح، مستشهدا بأحداث تاريخية مرت على الأمة الإسلامية، كمقتل الإمام الحسين (ع) باعتباره أحد أبرز مظاهر الانحراف في الأمة.

وعرج الدكتور العصيل على الأوضاع الراهنة في المجتمعات الإسلامية، فذكر العراق مثالا واعتماد الاستبداد والظلم كمرتكز في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وامتداد هذا الظلم ليشمل العديد من الدول المجاورة، مع أن العراق بلد جاذبة لكل العالم العربي، لاسيما في أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم، وكانت قمة الظلامات التي اقترفها، قتل رموز العلم كالشيخ عبد العزيز البدري، والسيد محمد باقر الصدر، وغيرهم كثير.

واستطرد المحاضر بذكر مثال آخر عن  أفغانستان، مشيرا إلى أن عدد الذين قتلوا على يد الجماعات الإسلامية أكبر مما قتلته القوات الروسية خلال احتلالها لأفغانستان، بينما تؤكد تعاليم الإسلام على عدم مشروعية التقاتل، وذلك من خلال قول الرسول (ص): «لا ترجعوا بعدي كفاراً يقتل بعضكم بعضاً». وأكد المحاضر أن هذه القضايا الداخلية في المجتمعات الإسلامية وغيرها ينبغي التوقف عندها والتأمل والمحاسبة للنفس قبل أن يتم توجيه اللوم للجهات الأجنبية والخارجية وتطالب باحترام حقوق أبناء هذه الأمة، مذكرا بحالة التشدد الفكري التي تنتج من قيام بعض المتشرعين بتنصيب أنفسهم أوصياء على الخلق وكأنهم منزلون من السماء.

ثم انتقل المحاضر ليتحدث عن دور أمريكا عند رفعها شعار مكافحة الإرهاب، موجها حديثه إلى ضرورة فهم السياسة الأمريكية ودراستها بعمق من أجل تحديد أهدافها وأغراضها، مستشهدا بقول لمؤلف كتاب «فنون الحرب»: “إن عرفت خصمك جيداً فلا تخف من المعركة بينك وبينه، لكن إن عرفت نفسك وجهلت خصمك أو العكس، فأمام كل انتصار تحققه هزيمة تنتظرك”.

واستعرض العصيل تاريخ أمريكا في علاقتها مع بقية الشعوب حتى تلك التي كانت تعيش فيها، فمع بداية مجيء الأوربيين عام 1607م ونزولهم في فرجينيا وفي نيويورك، مارسوا الإرهاب ضد المجتمعات القائمة هناك، حيث يذكر المؤرخون أنهم قضوا على قرابة الـ80 مليون إنسان، لأنهم تبنوا ثقافة الإرهاب ومارسوها بكل الوسائل والطرق عبر إنشاء المستوطنات بدءاً من نيويورك على حساب السكان الأصليين وهم الهنود الحمر من قبائل الجونغيان الهندية والأوركيوس أو مجموعة القبائل الخمس؛ حيث لم يبق من قبائل الشايان سوى 2000 شخص فقط في ولاية أريزونا، كما يرجح ذلك بعض المؤرخين، لأن هؤلاء الأوربيون أرادوا الاستيلاء على الأراضي، وبقتلهم السكان الأصليين ضمنوا عدم المطالبة بها.

كما أشار إلى أن أمريكا دخلت ما يقارب الـ 130 حربا، وقتلت الملايين من البشر؛ ففي فيتنام وحدها قتلت 3 ملايين، وكذلك فعلت في كوريا. أما في إندونيسيا، ففي عام 1965م قتل مليون إنسان وظلت الجثث هناك لمدة ثلاثة أشهر دون دفن، وفي اليابان في 6/8/1945م، رمى الأمريكان قنبلة هيروشيما وزنتها 4.5 طن فخلفت سبعين ألف قتيل، ومثلهم من الجرحى الذين مات معظمهم لاحقاً متأثرين بالتسمّم الإشعاعي، وبعدها بثلاثة أيام في 9/8/1945م استخدموا قنبلة ناجازاكي لتبيد غالبية سكانها والبالغ عددهم ما بين 380 إلى 420 ألفاً.

وتحدث المحاضر مفصلا عن الجماعات الإرهابية ومنظمات العنف في أمريكا قائلا أن هناك في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 380 منظمة إرهابية في داخل أمريكا منها 70 منظمة إرهابية في لوس انجلوس وحدها، و800 عصابة لا تستطيع أمريكا الاقتراب منها، وفي نيويورك وحدها 4 منظمات إرهابية من الطراز الأول، إحداها عصابة لوشير، وهي متخصصة في ابتزاز الأسواق المالية، كما أن بعض هذه العصابات متخصصة في الأعمال الإرهابية، والتزوير، والاغتيالات، ونقل النفايات النووية.

وخلص الدكتور عبد الرحمن العصيل إلى القول أنه لا يمكن النظر لمفهوم الإرهاب بازدواجية بل بشكل متوازن ومحدد، حيث أن ظاهرة الإرهاب لها أسبابها وظروفها التي تنشا فيها وينبغي أن لا تستغل سياسيا، بحيث تكون وسيلة ضغط ضد المجتمعات الإسلامية، فالكل أمام هذه الظاهرة متضرر لذا ينبغي البحث عن استراتيجيات عمل مشتركة للمعالجة.

فتح مدير الندوة بعد ذلك الباب للحوار، فتحدث الشيخ حسين الرمضان (عالم دين) مشيرا إلى أن الإسلام في الوقت الذي أكد على التسامح والتعامل بالحسنى، فإنه صرح بكل وضوح لضرورة مواجهة الإرهاب والوقوف أمامه، وأن الإرهاب عبارة عن ممارسة شاذة ولا يمكن أن يجزأ سواء بالنسبة لمن ملك السلطة أو غيره، واعترض على إلقاء اللوم أساسا على الجهات الأجنبية فقط كراعية ومسببة للإرهاب، في الوقت الذي لا يوجد هنالك أطراف محلية مهتمة بالدفاع عن من يقع عليهم الظلم كما حدث في العراق مثلا، كما علق الأستاذ مشاري الجبران على الأسباب الفكرية والأيدلوجية للإرهاب، وأنها نابعة من الثقافة السائدة في المجتمعات الإسلامية وليست قادمة من عالم خارجي.

أما الأستاذ نبيه الابراهيم، فقد علق على أن المحاضر سعى إلى إسقاط التاريخ على الحاضر بينما أمريكا تختلف تماما اليوم عما كانت عليه في الماضي، وهناك عدة وجوه للسياسة الأمريكية داخلياً وخارجياً ولديها معايير مزدوجة في بعض القضايا الخارجية، وأشار إلى مواقف الدول ذات العلاقة بأمريكا من حيث العمل السياسي والعسكري ممثلا بأحداث ناجازاكي وهيروشيما وأن ما فعلته اليابان في شرق آسيا والصين لا يقل عنفا عما فعلته أمريكا.

وأكد الأستاذ محمد المصلي على ضرورة معرفة الأهداف الحقيقية للمفاهيم المطروحة والاستراتيجيات المتبعة  بدلا من الانجرار وراء الشعارات البراقة، كمشروع إعمار العراق، أو تحرير لبنان، وما إلى ذلك، وعقب الأستاذ باقر الشماسي بأنه ينبغي أن لا يغفل دور الفتاوى المسلمة التي انحرفت عن نصوص ومفاهيم القرآن الكريم، وحللت دماء الأبرياء بدلا من إلقاء اللوم على الآخر، فينبغي مراجعة الأسباب الداخلية أولا وخاصة في أخطر شيء يتعرض له الإنسان وهو أدلجة العنف.

وتحدث الدكتور عبد العزيز المصطفى عن دراسته لظاهرة العنف الجامعي منهجياً وبشرياً بفعل الكوادر التي تخرجها الجامعات وتتبنى النظرات الإرهابية، وتساءل عن مدى تسلسل وترتيب مصطلحات العنف والتعصب والإرهاب والعدوان، كما أثار الأستاذ محمد الشيوخ لمشكلة التعامل مع الإرهاب بشقيه الداخلي والخارجي، وعن الأولويات في المعالجة، معلقا على ضرورة بلورة الأدوات المناسبة التي تساهم في الحد من هذه الظاهرة.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد