حوار حول العلم والمجهول في منتدى الثلاثاء الثقافي

4٬021

في ندوة علمية شيقة حضرها لفيف من المختصين والمهتمين بالعلوم، ألقى الدكتور خالد اليحيا في منتدى الثلاثاء الثقافي محاضرة تحت عنوان “العلم على حافة المجهول” وذلك مساء الثلاثاء 24 ربيع الأول 1431ه الموافق 9 مارس 2010م، وأدارها الأستاذ محمد الخباز. وبدأ بتقديم التهاني لإدارة المنتدى بمناسبة التكريم الذي حظي به منتدى الثلاثاء الثقافي من قبل وزارة الثقافة والاعلام في معرض الرياض الدولي للكتاب قبل عدة أيام، ثم تحدث عن موضوع الندوة الذي يجمع بين العلوم والفلسفة، معرفا بالمحاضر الدكتور خالد اليحيا بأنه حاصل على بكالوريوس فيزياء مع مرتبة الشرف من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وماجستير الفيزياء الطبية من جامعة مكغيل الكندية ودبلوم فلسفة العلوم من نفس الجامعة، وكذلك دبلوم تاريخ العلوم من جامعة تورنتو الكندية، وهو حاصل على دكتوراه مع مرتبة الشرف في الفيزياء الطبية من جامعة مكغيل الكندية، وعمل أستاذا للفيزياء في جامعة الملك فهد وحاليا يعمل كرئيس قسم الفيزياء الطبية في مركز العلوم الصحية بمستشفى سعد التخصصي.

بدأ المحاضر حديثه بالإشارة إلى أن الظل يتغير بحسب مكانك ونوع اللباس الذي اخترته، وانحناء زوايا حبيبات الضوء التي اختَرت أن توقفها، فحبيبة الضوء التي تصطدم بك قد خرجت من رحِم الشمس وعمرها لا يقل عن مليون سنة، ربّما كان هذا هو السبب الذي يدعو فراشة جرينلاين أن تتراقص، وفي رقصتها تميل بأجنحتها لتتسق مع استقامة خيوط الشمس كي تتحاشى أن يكون لها ظل، فهي كائن بلا ظل، تَغَار على حبيبات الضوء أن تكون هي الكائن الذي يقضي على عمرها الطويل. وأشار إلى أن المظاهر قد تتباين، لكن تبقى ظلال المرء ألْصق به من وجهه الذي يحمله، وهو ما أدركه عبقري ما يسمى “إمام الخداع” (شيجو فوكودا) الذي رتّب ما يقارب من ألف ملعقة وشوكة بحذاقة فريدة لتُكَوِّن ظلا لدراجة ناريّة كالتي نراها، وأن عبقريته ليست بقدرته على تخيل الظل في عقله فقط وإنّما في وضع كل قطعة مهما صغرت في زوايا انحراف مذهلة.

وواصل حديثه بالقول أن البشرية اليوم تعاني ممّا يصح تسميته تلوث الضوء، فالجمال الكامن في عتمة الليل وظلمته أصبح يتلاشى شيئا فشيئا، حيث يصعب على إنسان المدينة اليوم أن يجد رقعة مظلمة في أنحاء الأرض بسبب توهج مدنها. وأن هذا التوهج أثّر على السلاحف وعلى الإنسان الذي أصبحا تائها تحت الوهج الذي صنعته يداه، فلم يعد يرى النجوم واختلف عليه نسق الليل والنهار. وأضاف أنه في رحلة قراءة الظل مرّت الإنسانية بمرحلة متألقة، كما فعل عالم الفلك الرياضي إراتوستينس الذي توصّل إلى قناعة أن الأرض كروية وحسب محيطها واتخذ فريق من التلاميذ ليحسبوا المسافة بين الاسكندرية وأسوان وبمزيد من الحسابات قاس محيط الأرض بنسبة خطأ لم تتجاوز الواحد في المئة، مضيفا أن الكثيرين يتوسدون عجائزهم معتقدين أنّ اكتشافات العلم لا تأتي إلا بالتقدّم التكنولوجي، لكن العالم الحقيقي لا ينتظر من مارد التكنولوجيا أن يلبي له كل رغباته.

وقال أن العالم روجر بنروز نشر في عام 1954م بحثا رياضيا عن شيء أسماه “مثلث بنروز”، شكل سهل عليك أن تراه لكن عندما تتأمله تجد أنه مستحيل التركيب لا تستطيع أن تركبه لأنه شكل له سطح واحد. وأضاف أنه في لوحة “الصاعدون النازلون” يقوم إيشر بالاستخدام المدهش للظلال ليصور لنا كتيبة من الجنود يصعدون سلما، ثم يصعدون إلى أن يعودوا حيث كانوا إلى نقطة البداية، هو الصعود إلى اللامكان، وهكذا في لوحته الخالدة “الشلال” التي وضع لنا نظاما عبقريا فيها.

وبين في حديثه، أن الظل يقود إلى عالم أكثر سحرا، ففي عالم الأبعاد المتعدّدة تفقد الأشكال شيئا من خواصها، لأنّنا ندرك أن الجسم في البعدين يكون ظلا لجسم من ثلاثة أبعاد، متسائلا عما يمكن أن نقول أن الجسم لثلاث أبعاد يكون في حقيقته ظلا لجسم ذو أربعة أبعاد؟ فذلك لا يمكن رؤيته لأننا محتجزون في عالمنا ومأسورون فيه، لكنّ هناك “التسراكت” أو المكعب الفائق وهو عبارة عن مكعبين متداخلين، وهو الذي إليه العالم الرياضي هنتن. وأضاف في حديثه أن نيوتن أبرز معادلات تفسر بكل براعة قوانين الجاذبية، فإذا عرفت كتلة جسم وسرعته بإمكانك أن تقيس قوة الجاذبية، والكواكب القريبة من الشمس أسرع من الكواكب البعيدة من الشمس، وهي مجموعة قوانين تتحكم في كل الأجسام السّيارة التي تدور حول المركز. وأشار أنه في عام 1997م أثبت صول بلماتر أنّ المجرات التي تدور حول مركز المجرة القريبة تدور بنفس سرعة البعيدة عنها بما يُخالف نظريّة نيوتن، وكأنّ هذه البعيدة هناك شيء يَشُدها، وكأنّ هناك مادة سوداء تجذب المجرات.

وقال أن الأبعاد الفسيحة التي تُشع في الظلمة، النجوم والمجرات التي تتكاثر كل يوم وتملأ كاميراتنا بضيائها ليست إلا بقايا ذلك الشبح الغامض، إنّها كمِثلنا عندما نطير بطائرة قريبة من المحيط في الظلام فلا نرى إلا زبد البحر، تلك الطبقة الرقيقة البيضاء لا نرى الأمواج ولا البحر الهائج فقط تلك الفقاعات التافهة المتطايرة على الحافة. وأنهى حديثه بالقول أننا لو نظرنا لصورة الأرض في الليل المأخوذة من السماء سنراها مُشعّة، والكبرى أشدّها لمعانا وبريقا، في حين أنّ المساحات الشاسعة من آسيا وإفريقيا تغرق في الظلام الدامس، فالصورة تذكرنا أنّ الضوء لا يدلّنا بالضرورة على الحياة فالأماكن المعتمة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية هي الأماكن المكتظة بالبشر، وأن البحر أكثر عتمة في هذه الصورة وهو أشد اكتظاظا بالحياة وبالمخلوقات من اليابسة لكنّه معتم.

بدأ الأستاذ أحمد المختار بسؤال حول العالم براين غرين صاحب نظرية الأوتار، وهل أثّرت فكرة الظل للأشياء أو فقدان الظلّ للأشياء على حقيقته في تركيب نظريته، وعما إذا أوصلت النظرية إلى مفاهيم نهائية عن تواجد المادة. وطرح الأستاذ محمد العيسى تعقيبه بالقول أن الظل والنور كلاهما لا يعطيك الحقيقة كاملة بل أن على الإنسان أن يدرك أن الحقيقة تبدو كاملة عندما يُكشف عنه غطاؤه، وعليه ألا يتيقن من شيء كل اليقين ويلغي أراء الآخرين بل يجب أن يدرك أن الحقيقة الكاملة لن يدركها. وعلق راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب بالقول أن الآيات القرآنية تعطي دلالة إيمانية للنور في مقابل الظلام الذي يعبر عن التيهان والضياع، بينما المحاض فتح أعيننا إلى أهمية الظل والظلام في حياتنا بشكل عام.

وتساءل الأستاذ علي الحويدر حول اختلاف آراء العلماء حول ثبات أو تمدد الفلك وحدوده، وحول ما إذا كان الظل معاكسا للضوء أو ناتج من عدم اختراق الضوء للأجسام، وأضاف الأستاذ عيسى الخلف حول الخوف الذي ينتاب الانسان من الظلام وعما إذا كان نوعا من الطاقة أم لا؟ وتناول الأستاذ سلمان الرمضان موضوع علم الفلك باعتباره أنّه يستفيد من العلوم الأخرى كعلوم الفضاء والفيزياء وغيرها، وأنه علم مرتبط بعلوم أخرى مختلفة وعديدة. وعلق الأستاذ طارق الخرس بالقول أن ساحرية العتمة تدعونا إلى أنّنا نرجع لها، على أساس أنّ الحياة تهدأ قليلا. وعلق الدكتور مسفر القحطاني بحديث مفصل حول رواية “العتمة الباهرة” وتجربة العيش مسجونا في الظلام، مشيرا إلى أن هناك جانب حسي وجانب معنوي وأن محاورة اليوم فيها نوع من التداخل الكبير لإثارة الأسئلة وهو ما أراده المحاضر في الحديث عن عالم نعيشه بشكل دائم، ولكنّه يحوي عوالم غامضة كبيرة جدا.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

المحاضرة الكاملة:

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد