في منتدى الثلاثاء: الجورشي يناقش موضوع الإسلام والعلمانية

1٬010

في أمسية حوارية فكرية نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 18 رجب 1442هـ الموافق 2 مارس 2021م تحدث فيها الأستاذ صلاح الدين الجورشي الباحث في الفكر وقضايا المجتمع المدني ورئيس منتدى “الجاحظ” في تونس وأدارها الإعلامي فيصل الأحمد، ناقش مثقفون عرب موضوع “الإسلام والعلمانية” من زوايا مختلفة شملت المرتكزات الفكرية للعلمانية، والصراعات الأيديولوجية في المنطقة العربية، وسؤال التوافق بين الإسلام والعلمانية.

وبدأ مدير الندوة بالحديث حول أهمية هذا الموضوع الذي شغل حيزا كبيرا من النقاش السياسي والفكري في المنطقة العربية باعتبار أن العلمانية لا تعرف بدينية الدولة وتركز على الفصل بينها وبين الدين لاكتساب طابع دنيوي، وبهدف استقلال السلطة السياسية من الهيمنة الدينية وتأكيد مرجعية وطنية وتعزيز القيم الإنسانية، مشيرا إلى أن مفهوم العلمانية لا يزال مشوها ومغلوطا في المجتمعات المسلمة بالقول أنها تخدش الثوابت وقيم الدين والبعض يعتبرها مؤامرة غربية ضد الإسلام.

وعرف مدير الندوة المحاضر الأستاذ صلاح الدين الجورشي بأنه إعلامي وباحث في الفكر وقضايا المجتمع المدني، مؤسس ورئيس منتدى “الجاحظ” وهو منبر فكري ثقافي تأسس عام ١٩٨٩م، ساهم في عدد من الصحف التونسية بدءا من مجلة المعرفة الإسلامية ثم عمل في جريدة الرأي فمجلة المغرب العربي، وترأس تحرير مجلة الفكر الإسلامي المستقبلي، كما اشتغل رئيسا لتحرير مجلة حقائق، اهتم بالكتابة والبحث حول الحوار والديمقراطية والحركات الإسلامية، كما أنه ناشط في ميدان حقوق الانسان وقضايا المجتمع المدني.

بدأ الأستاذ الجورشي حديثه بشكره لمنتدى الثلاثاء الثقافي الذي اعتبره أنه فرض نفسه على الساحة العربية من خلال استضافة أبرز المفكرين والمثقفين العرب وتأكيده على التعايش والتنوع وإعطائه الأولوية للفكر والثقافة كخيار تنويري. وانتقل للحديث حول مفهوم العلمانية بقوله أنه موضوع أرهق المنطقة العربية لفترات طويلة بسبب الارتباكات الفكرية التي خلقها، موضحا أنه مصطلح يعالج العلاقة بين الدين والدولة وتطور تاريخيا في أوروبا ضمن سياقات ثقافية وسياسية محددة اتخذت أشكالا من الصراعات الدامية والعنيفة بين الكنيسة والدولة.

وأوضح أن بروز العلمانية انعكس على أرض الواقع من خلال عدة تعبيرات أبرزها: تحرير العلم من الفكر الكنسي لإعطاء تفسير علمي للكون والطبيعة، وتحديد العلاقة بين الكنيسة والدولة خلاف ما كان سائدا من ارتباط عضوي بين الكنيسة والدولة والتحالف بينهما والذي أرهق المجتمعات الأوروبية، وإطلاق الفكر والعقل الإنساني التي نتج عنها استقلالية العقل ونقد الفكر الديني، وهذه التعبيرات لازمت تطور العلمانية في مراحلها الزمنية المختلفة.

وفي المنطقة العربية، قال الجورشي أن الغرب فاجأ المجتمعات المسلمة بما يمتلكه من ثورة علمية وقوة عسكرية ورغبة في تقاسم مناطق الخلافة العثمانية، ونتج عن هذا الصراع غير المتكافئ الاستعمار الشامل ثقافيا وعلميا وإداريا وعسكريا، ومناخ صدامي في العلاقة بين المسلمين والغرب. وأوضح أن المسلمين بدؤوا حينها يكتشفون ويتفاعلون مع الأفكار والتجارب الأوروبية من خلال الفكر والثقافة والتداخل، مبينا أنه ترتب على ذلك عدة نتائج من بينها أن الحاجة إلى الإصلاح الشامل أصبحت ملحة وفرضت نفسها بإلحاح، وانطلاق حركات وطنية تهدف للتحرر من الاستعمار، ونشوء الجدل الحاد بين الإسلام والعلمانية كأسلوب مواجهة حيث تبلور طرح الأسلمة في مقابل العلمنة.

وفصل الأستاذ صلاح الدين الجورشي في حديثه عن العلمانية قائلا بأنه لا توجد نسخة واحدة من العلمانية، ولكل نسخة خصوصيتها، وأكثرها تشددا هي الفرنسية التي تدعو للفصل التام والكلي بين الدين والدولة (العلمانية الشاملة أو المطلقة) والتي ترفض أبسط المظاهر الدينية كالحجاب والصليب، بينما تمتلك العلمانيات الأوروبية الأخرى نظرة مختلفة في العلاقة بين الدولة والمؤسسات الدينية (العلمانية النسبية). وبين أن الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين في المجتمعات المسلمة اتخذ أشكالا من الخصومة انعكس على التفاسير المختلفة حول طبيعة الدولة ونظام المجتمع واستخدمت العلمانية كأداة لإقصاء الخصوم، وجميع التجارب العلمانية العربية لم تقترب من المبادئ الديمقراطية.

وحول إمكانية التوفيق بين الإسلام والعلمانية، قال أن بين اتجاهي الدعوة لشمولية الإسلام (الدولة العقائدية) والدعوة لإقصاء الدين (الدولة العلمانية) يمكن التفكير في خيار ثالث توفيقي وهو ما أطلق عليه الدكتور عبد الوهاب المسيري (العلمانية المؤمنة) الذي يضمن حرية المعتقد والممارسة للأفراد دون هيمنة للدين على النظام السياسي، مشيرا إلى أن من الأخطاء التي حدثت هي محاولة جعل الإسلام مشروع دولة عقائدية محكومة بالشريعة، وهذا مدعاة للفشل لأن التطور القائم في العالم لا يتوافق مع قسام أنظمة عقائدية مؤدلجة. وأوضح أن هذا الصراع الإيديولوجي نتج عنه مواقف إقصائية متشددة من الطرفين، وأن العلمانية فشلت في إبعاد الدين وإخراجه من حياة المجتمعات المسلمة، ولم تحقق الدول العلمانية في منطقتنا العدالة واحترام حقوق الانسان، ونحن بحاجة في المقابل لتحرير الدين من التفسير السياسي لأن مفهوم الدولة الإسلامية غامض وملغم ومربك.

وأضاف الجورشي أن الدين عنصر أساسي للإنسان ولا يمكن إفراغ الحياة من الأبعاد الروحية والقيمية، موضحا أن العلمانية المؤمنة او النسبية من المفترض تعمل على ضبط العلاقات بين الناس من خلال الديمقراطية وتحويل حياتهم لحياة إنسانية دون أن تفرض عليهم قناعات بالقوة. وأشار إلى أن بعض المثقفين العرب المتأثرين بالعلمانية الفرنسية وخاصة في شمال افريقيا حاولوا جعلها منصة للصراع مع الإسلاميين، مبينا أن هناك العديد من الأنظمة العلمانية كالماركسية لم تقبل بالتعددية أو تمارس وتلتزم بالديمقراطية، موضحا أن المرجعيات الحقوقية العالمية تعزز المنحى العلماني الذي أصبح جزءا من الواقع ويمكن أخذ الحد المناسب منها والمتوافق مع حرية المعتقد والممارسة. وأنهى محاضرته بالـتأكيد على أن تطور الفكر الديني يتم من خلال التواصل مع الثقافات الإنسانية والانفتاح عليها، وحدث هذا التطور في غرب العالم الإسلامي نتيجة الموقع الجغرافي والاحتكاك مع أوروبا ودور الحركات المدنية المتعددة.

وفي بداية المداخلات، طرح الأستاذ أحمد الخميس سؤالا يتعلق بمدى التلازم بين العلمانية والدولة المدنية من حيث إعطاء قيمة لمكانة وموقعية الفرد وضمانات المواطنة مشيرا إلى موضوع العلمنة القانونية في التشريعات التي تحكم العلاقة بين الدولة والمواطنين ومراعاة اتجاهاتهم العقائدية والدينية. وتساءل الأستاذ نادر البراهيم عن مدى التطور الفكري لدى الإسلاميين في نظرتهم تجاه العلمانية على مدى العقود الماضية التي حدث فيها جدل وصراع كبيرين، مضيفا إلى الاختلاف الفكرين بين مثقفي الشرق العربي الإسلامي والغرب العربي الإسلامي تجاه هذه القضايا حيث أن هناك تفهما أوسع لدى مفكري الغرب عن نظرائهم الشرقيين.

وطرح الدكتور محسن توفيق مداخلته في التفريق بين الايدلوجيا كفكرة وبين تطبيقاتها، مشيرا إلى أن كل تطبيقات العلمانية لا تقبل الدين وأن الدعوة إلى العلمانية لن تصل إلى أي نتيجة حيث أنها حركة أوروبية ظهرت ضمن السياق الثقافي الخاص بهم، وأنه لا يمكن استيراد أفكار لا تتناسب مع الواقع الاجتماعي. وتحدث الدكتور عبد الخالق العبد الحي مؤكدا على ضرورة تحديد مفهوم الدين باعتباره الارتباط بالإلهي المطلق والمقدس وأنه يتأنسن عندما يطبق على أرض الواقع ومفهوم العلمانية التي هي صنو للإنسانية وأنها ليست ضد الدين حيث أن الإسلام هو الإذعان للمعرفة وهو ملك للبشرية كلها في بعده الإيماني.

 

   

 

لمشاهدة المحاضرة كاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد