منطقة نجران تحضر انثروبولوجيا في منتدى الثلاثاء

848

أكد المشاركون في ندوة “نجران: قراءة تاريخية” التي نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 23 محرم 1443هـ الموافق 31 أغسطس 2021م على ضرورة إنشاء قسم في جامعة نجران يعني بدراسة ورصد تاريخ وتراث وآثار منطقة نجران لما له من أهمية علمية وبحثية بالغة. جاء ذلك ضمن الندوة التي تحدث فيها الكاتب والباحث الأستاذ محمد بن هادي آل هتيلة رئيس جمعية الآثار والتاريخ في منطقة نجران وأدارها الأستاذ وحيد الغامدي، وتناولت محاورها مقدمة تاريخية وانثروبولوجيا الشخوص وخصوصية اللسان النجراني والحياة الفكرية في نجران.

وفي كلمته الافتتاحية قال مدير الندوة أن منطقة نجران ضاربة في أعماق التاريخ لما تمتلكه من آثار ومعالم، وتمثل حالة القبيلة المتحضرة من حيث الانفتاح والتعايش والتواصل مع مختلف المجتمعات والمكونات، وآثارها تدل على ارتباط وثيق مع الحضارات المختلفة. وعرف المحاضر الأستاذ محمد آل هتيلة بأنه يعمل حاليا في منصب مدير وحدة تطوير المدارس بوزارة التربية والتعليم بعد عدة مناصب إدارية فيها، وهو حاصل على درجة الماجستير في الإدارة من الأكاديمية الدولية بمصر، وهو عضو في العديد من المجالس واللجان من بينها المجلس النحلي بمنطقة نجران والمجلس البلدي بنجران ونادي نجران الأدبي، كما أصدر عدة أعمال أدبية منها كتاب “رجمت”، و “نجران: جدلية المكان والشخوص” و “نجران والنصرانية الأولى”.

بدأ المحاضر حديثه بالقول أن الأنثروبولوجيا تدرس الإنسان بوصفه كائًنا اجتماعيًّا بطبعه، يحيا في مجتمع له ميزاته الخاصة في مكان وزمان معينين، طبيعيًّا واجتماعيًّا وحضاريًّا، وإن اهتمام الأنثروبولوجيا بدراسة المجتمعات الإنسانية كلها وعلى المستويات الحضارية يعتبر منطلًقا أساسيًّا في فلسفة علم الأنثروبولوجيا وأهدافه. واستعرض الأستاذ محمد آل هتيلة معلومات تعريفية عن منطقة نجران من ناحية تسميتها واختلاف المؤرخين حول ذلك فمنهم من نسبها إلى أول من سكن فيها، ومنهم من نسبها إلى كونها تقع بين جبلين ويطلق على كل واحد منهما “نجر” أو النجر الأيمن والنجر الأيسر، كما تناول بعض جوانب تاريخ منطقة نجران باعتبارها من المدن الضاربة في أعماق التاريخ.

وأوضح المحاضر أن اللغة العربية كانت سائدة عند أهل نجران، ودليل ذلك أن جميع كتب الرسول (ص) التي أرسلها إلى أهل نجران كانت باللغة العربية، ولم تشر المصادر إلى أنها كانت تترجم، وكذلك وفاداتهم لم تذكر المصادر بوجود من يترجم بينهم وبين الرسول (ص) إذ كانوا يتحدثون باللغة العربية الفصحى، كما أكد أن جميع أسماء الذين وفدوا هي أسماء عربية متداولة بين سكان شبه الجزيرة العربية، أضف إلى ذلك أن أخبار أهل نجران على صعيد الشعر والحكمة والأمثال والخطابة قد أبدعوا فيها فكان منهم عدد كبير من الشعراء والحكماء، وأن اللغة العربية الفصحى كانت قد عّمت وسادت بلاد نجران وقبائلها. وأضاف الأستاذ آل هتيلة أن الحياة الفكرية في منطقة نجران اتسمت بتنوعها وكثرتها وأهميتها، نتج عنها موروث ثقافي ثري زاده في ذلك عملية الانفتاح على الآخر نتيجة للعوامل الجغرافية المتميزة التي جعلت من نجران إقليما مستقًّرا من الناحية الاقتصادية والفكرية، والاستقرار الاجتماعي يقود إلى حراك ثقافي، موضحا أن نجران كانت طريقا للقوافل وبوابة بين اليمن والحجاز وشمال ووسط وشرق الجزيرة العربية واصبحت منطقة جذب لجميع الاديان والثقافات المختلفة ومن كل الاجناس مما ادى الى تنوع ثقافي راقي جداً انعكس على السكان وعلى حياتهم وترجم من خلال النقوش والرسوم الصخرية المنتشرة بكميات كبية في المنطقة.

وأشار في معرض حديثه إلى أن تمركز عدد كبير من النقوش في نجران على الخيل يدل على فروسية اهل نجران وعلى اهمية الخيل في تلك الحقبة الزمنية، كما أن وجود نقوش عديدة للمرأة في آبار حمى قد يكون لها ارتباط ارثولوجي وخصوصاً انها ترفع يديها للسماء ونقوش مميزة وجميله تدل على حرفية عالية في النقش وهو ترجمه لحياتهم الفنية الراقية. وأضاف أنه تم العثور على نص مهم (بالخط السبئي) في قرن الزعفران بنجران (يبعد 8كم عن وسط المدينة) يعود الى القرن الثالث قبل الميلاد، فيه اشارة الى العلاقة الجيدة التي كانت تربط بين مملكة قتبان وملك هجر بالأحساء والمشهورة بسك العملات، وتشير الى التواصل التجاري بين نجران وهجر، مبينا أن تشكل المعتقدات ونشأتها تتأثر بمجموعه من العوامل والاوضاع الجغرافية والطبوغرافية، فنجد معتقد سكان الجبال غير معتقد سكان السهل والوادي وغير معتقد سكان الصحراء والبوادي الفسيحة، وقس على ذلك الحالة النفسية والأمزجة والطباع.

وتناول المحاضر واقع المناطق الأثرية في نجران، موضحا أنه تم مؤخرا وبجهود كبيرة من وزارة الثقافة بالتعاون مع الأهالي تسجيل منطقة “حمى” ضمن مواقع التراث العالمي في منظمة اليونسكو، مشيدا بجهود دارة الملك عبد العزيز في توثيقها للموروث الشعبي في بعض المناطق معتبرا إياه مادة أساسية وأحد العناصر غير المادية المهمة المعتمدة في اليونسكو، وطالب بتوسيع مجال توثيق الموروث الشعبي الشفهي في مختلف مناطق المملكة. وقال أن منطقة نجران عرف عنها التنوع في الحياة الفكرية والدينية مما نتج عن ذلك موروث ثقافي ثري ومنفتح على الآخر، وأوضح أن التعايش بين الأديان المختلفة في نجران كان قائما بما في ذلك المسيحية واليهودية حيث تميزت المنطقة بالتسامح والتنوع الديني والمذهبي، وأن رسائل النبي محمد (ص) لشخوص نجران تؤكد على هذا النهج القائم.

وبدأت مداخلات الحضور بثناء من الدكتور محسن توفيق على موضوع الندوة مؤكدا على أهمية الالتفات للدراسات الإنسانية والاجتماعية بصورة علمية لمختلف المناطق من أجل توثيق هذه الأبحاث وعرضها بصورة واقعية، وتساءل الأستاذ مالك آل فتيل عن طبيعة الجهود المبذولة حاليا لحفظ وتدوين تراث نجران خاصة مع التوجهات القائمة للجهات الثقافية كوزارة الثقافة وهيئة التراث وغيرها. وأشار الأستاذ محمود الهاجري إلى التشابه في بعض المفردات بين المنطقة الشرقية من الجزيرة وبين منطقة نجران وأعاد ذلك إلى هجرات القبائل ومنها بني عبد القيس والرحلات التجارية المتبادلة، كما ورد تساؤل حول نهر لار ووجود دلائل عليه في المنطقة.

وأضاف الأستاذ خالد ناصر بن زيد أن هناك وقائع تاريخية مهمة في نجران كالأخدود ومعاهدة أهالي نجران وهي قضايا تاريخية مهمة ينبغي أن تدرس بعناية فائقة لإبرازها، وطرح الأستاذ صالح محمد موضوع توسيع دائرة الاهتمام بالموروث الشعبي والتاريخي في مختلف المناطق. وتحدث الأستاذ علي آل شيبان مؤكدا على أن السياقات التاريخية مهمة جدا للباحثين في تاريخ المجتمعات الإنسانية، ومعرفة أسباب القبول بالتنوع في المجتمع النجراني، ومن المهم أن تفتح جامعة نجران قسما يعنى برصد ودراسة تاريخ وتراث وآثار منطقة نجران لما له من أهمية بالغة.

وفي نهاية الندوة تحدث المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب عن أن هذا اللقاء الثري يؤكد على أهمية توجه المنتدى لتخصيص مجموعة من ندواته لدراسة التاريخ الانثروبولوجي والإنساني لمناطق المملكة المختلفة مما يتيح فرصا للمهتمين بمعرفة أعمق بالمكونات الاجتماعية في وطننا ويعزز انتماءها الوطني، وأشار إلى ضرورة خلق أطر وبرامج متنوعة للتعريف بمختلف المناطق في أبعادها الاجتماعية والإنسانية، وضرورة الحفاظ على الموروث الشعبي قبل اندثاره تدريجيا.

 

التغطية الإعلامية

 

لمشاهدة وتحميل العرض المرئي للندوة اضغط هنا

 

لمشاهدة الندوة كاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد