منتدى الثلاثاء يناقش دور الكتابة في صناعة الأفكار

922

في لقاء حواري اتسم بالبحث التاريخي لتشكل اللغة والكتابة، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 14 رجب 1443هـ الموافق 15 فبراير 2021م ندوة تحت عنوان “فعل الكتابة وصناعة الأفكار” شارك فيها كل من الأديبة والروائية آمنة بوخمسين والباحث في اللغويات التطبيقية أحمد آل درويش، اللذين أكدا على الأهمية البالغة لفعل الكتابة بحيث تصل لدرجة القدسية لما للكلمة من أثر بما تحمل من قدرة على صنع الفارق والتغيير منذ انبثاقها، ومنذ استطاع البشر النطق، ثم الكتابة، ثم بلوغ العلوم البشرية التي تمكننا من بلوغ مستويات أعلى، يتزامن معها تطور الخيال والإبداع والشعر والأدب والرياضيات والفيزياء والفكر والمنطق والفلسفة وكل مجالات العلوم الاخرى.

وبدأت الندوة بعرض فيلم قصير حول المقتنيات العربية في مكتبة الكونجرس، ثم تحدثت الأستاذة نرجس الجمعان نيابة عن والدتها فخرية الحبيب حول معرضها الفني المقام في المنتدى مستعرضة مسيرتها وتجربتها الفنية، كما تم تكريم كل من الأستاذة زهرة الضامن والأستاذ مهدي آل حمود وهما من ذوي الإعاقة البصرية لما حققاه من إنجازات علمية بارزة وملهمة، وتحدثت الكاتبة زينب الكواي عن تجربتها في مجال الكتابة للطفل ووقعت كتابها القصصي “أنا وبطلتي الخارقة” في نهاية الندوة.

افتتحت الندوة مديرتها الأستاذة نوال الجارودي بكلمة حول دور الكتابة وأهميتها مشيرة إلى أن اللغة تعد من أهم الظواهر الثقافية الأكثر تعقيداً في العالم، وأنه ونظراً لأهمية الموضوع كانت هناك الكثير من النظريات التي اهتمت بدراسة هذه الظاهرة؛ وأصبحت الأبحاث المختصة بمعرفة نشأة اللغة تستندُ على بحوثٍ وتحليلاتٍ علمية. وعرفت المشاركين في الندوة وهما الأديبة والروائية آمنه صدقي بوخمسين التي صدر لها ثلاث روايات، “دنيا مقلوبة”، “ضجيج الساعات”، “تل”، وهي مهتمة بالتاريخ والميثولوجيا والأديان، ولها عدة نشاطات ثقافية وفلسفية، منها تنظيم دورات في الفلسفة كما أنها بطلة المملكة في التوستمارز للخطابة الارتجالية 2017. أما الأستاذ أحمد قاسم آل درويش فهو حاصل على ماجستير في تدريس اللغة الانجليزية من جامعة بريستول ببريطانيا، وبحضر حاليا ادرجة الدكتوراه في اللغويات التطبيقية بجامعة الملك سعود، كما أنه مدون لأكثر من 100 مقالة باللغة الإنجليزية على مدونته الشخصية ويعمل متطوعا كمدرب للكتابة الأكاديمية بمركز الكتابة للغة الانجليزية بجامعة الملك سعود ومصمم لدورات الكتابة النقد.

تناولت الروائية والأديبة آمنة بوخمسين أبرز نظريات نشوء اللغة ومن بينها نظرية استمرار اللغة، ونظرية عدم الاستمرارية، ونظرية تطور اللغة بشكل بطيء، كما عرضت نظريات تطور اللغة كنظرية اللغة الأم، ونظرية الثرثرة والحديث، ونظرية الفائدة المتبادلة، ونظرية تطور اللغة مع تطور الأفكار الإنسانية. وناقشت نظريات تاريخ ظهور الكتابة الحديثة ووضع اللغات المتأخرة وصولا إلى حال اللغة اليوم. وبينت أن بعض اللغات بدأت بالتماهي وفقد جزء من هويتها، وأن اللغة العربية التي استطاعت أن تسافر لتتربع في قواميس لغات أخرى تتراجع اليوم لتحاول استلاف كلمات من لغات أخرى.

وأشارت إلى أن هذا الموضوع يحمل حساسية بما تحمله الكلمة من قدرة على الارتقاء بفرد ومجتمع ودولة وقدرة على القيام بنقيض ذلك، حيث يتطلب ذلك استخدام الأسلوب الوصفي التحليلي التاريخي للوصول إلى النظر في تحول استخدام الكلمة في المجتمعات العربية والذي يتيح رؤية مدى التطور أو الاضمحلال في قدرة الفرد العربي على استخدام لغته. وأوضحت في كلمتها أن تدفق الأفكار الذي كان شحيحا في انطلاق مهد الحضارات بات اليوم سيلا جارفا يمكن أن يأتي على اللغة ويفسدها، ويأتي على الكتابة لينشر بها تيها إنسانيا بدل أن يكون دليلا وبوصلة، ففعل الكتابة الذي كان مقدسا واحتكره رجال الدين في مطلع التاريخ، بات فعلا اعتباطيا يقوم به الجميع دون اعتبار لما لفعل الكتابة من أثر.

وتناول الباحث في اللغويات التطبيقية أحمد آل درويش الفرق بين التحدث والكتابة باعتبارها صنع بشري ثقافي، وأنها تتولد تحت ضغوط بيئية كما أنها لا تُكتسب، بل تُعلم، موضحا كيف وصل الانسان الى الكتابة بسبب تكون المجتمعات والمجموعات الصغيرة ومع بداية محاولة تفسير العالم الطبيعي من حول الانسان، وأن الغرض الأساسي من اختراع نظام الكتابة (الرمزية) آنذاك هو لغرض اقتصادي وإداري ولكون تطور المجتمعات أدى إلى انفجار المعلومات وتحولت الكتابة من أداة للعمليات الحسابية إلى أداة لحفظ المعلومات. وأوضح في حديثه أن دور الكاتب في القرن الواحد والعشرين ليس لسرد المعلومات والحقائق، بل للتعرف على القارئ – أي المجتمع الذي ينتمي إليه القارئ – لكي يعرض آرائه وأفكاره ومعلوماته بطريقه تهدف إلى رفع المستوى المعرفي للقارئ من خلال معرفة توجهاته وقيمه وطريقة تفاعله.

وأوضح أنه في العصر الحالي، على عكس الماضي، فإن فعل الكتابة تبدل من الحفظ إلى التفكير، ومن استرجاع المعلومات إلى صناعة الأفكار بما هو متاح،وهو الغرض البديل المناسب لظروف القرن الواحد والعشرين، حيث أنه وبفضل تقنية الانترنت والتكنولوجيا الحديثة، يستطيع الشخص أن يقرأ ويستمع ويشاهد تاريخ البشرية في ثوان، مما يجعل الانسان القديم جاهلاً تماماً امام الكم والحصيلة الضخمة للبيانات والمعلومات المتاحة الآن، ولهذا فإنه من الممكن أن يكون عصر المعلومات الذي نعيش فيه هو من أكبر النعم ولكنه في حد ذاته من أكبر النقم علينا. وأضاف أنه من أجل صنع فكرة جدلية من الكتابة، يحتاج الكاتب إلى مهارات التفكير النقدي كي تساعده في صياغة فكرة جدلية تتحاور مع المجتمع المعرفي للقارئ، وأن المقصود بذلك ليس التفكير الذي يفتعل الجدل والعراك اللفظي، بل هو العملية التي تكون دارجة ضمن صناعة الأفكار قبل فعل الكتابة، حيث أن التفكير النقدي لا يحدث بعشوائية، فهو يحكمه سياق الموضوع وتعدد الأوجه بطبيعة الحال، لذا من المهم جداً أن يعي الكاتب بالعوامل الخارجية مثل خلفية المجتمع وثقافته التي تؤثر على استقبال أو رفض الفكرة، مشيرا إلى أن أهم جانب للكاتب هو أن تكون منطلقاته أخلاقية، ويكون هادفاً لبناء القارئ وليس لهدم افتراضاته وهذا يتطلب موازنة الكبرياء والتواضع فيما يكتبه.

بدأت مداخلات الحضور بتساؤل من الأستاذ حسين الجمعان حول تغير أنماط سلوك الناس ولغتهم وأبرز التحولات التي مرت عليهم بحيث أسهمت في تطور اللغة ووسائل نقلها بينهم، مشيرا إلى موقعية لغة الإشارة لدى الصم والبكم وكونها تعبيرية عن الحاجة للتواصل، وطرح اللواء عبد الله البوشي تساؤلا حول قراءة النقوش في الجبال والصخور وغيرها وعما إذا كانت وسيلة معبرة عن الكتابة والتدوين. وطرح الأستاذ علي الحرز في مداخلته كون اللغة تتماهي مع البيئة والطبيعة وحاجات الإنسان حيث أن كلمات بعض القبائل محدودة ويستعاض عن ذلك بأصوات وهمهمات أو حركات تعبيرية بدلا من الكلمات، متسائلا عما ينسبه بعض الباحثين إلى مصدر وأس الكتابة والحضارة في العالم كالشام والعراق ومصر.

وناقش الأستاذ أحمد المدلوح كون اللغة موجودة أساسا في بنية الانسان وتتطور حسب بيئته وقد يستخدم أعداد محددة من الكلمات بناء على حاجته، وأن المعاجم اللغوية ليست ذات قيمة لغوية إذا لم تستخدم بصورة حيوية وفاعلة في الحياة. وعبر الدكتور رضا كاظم في مداخلته عن فكرة أن اللغة إنجاز حضاري كبير، ولكن هذا الإنجاز يخلق تحديات وحواجز عديدة بين المجتمعات البشرية، وأن هناك مصطلحات محددة وواضحة في مجالات عديدة متفق عليها عالميا إلا في مجال الفكر والفلسفة فلا توجد محددات وضوابط في المصطلحات. وعلق الأستاذ حسين الدبيسي بالقول أن نشأة اللغة العربية وجذورها هي مكملة للغات سابقة، وأنه لا توجد لغة ام وإنما عدة مجموعات من لغات متعددة وهي صناعة بشرية حيث تطورت مع الانسان واكتسب مهارات مع الزمن.

وتحدث الأستاذ نادر الابراهيم عن احتمالات تطور اللغة في المستقبل وفي أي اتجاه ستسير، مؤكدا على أن صناعة الأفكار تستند على طريقة التعليم وليس على الكتابة فقط، وعلق الأستاذ ابراهيم الابراهيم بالقول أن اللغة ليست هدفا، بل وسيلة للتواصل البشري، وأنها يمكن أن تصنع الأفكار وتغير السلوك لدى المتلقي، وتساءل الأستاذ احمد الخرمدي حول دور القران الكريم ونهج البلاغة في تطور اللغة العربية.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

لمشاهدة المحاضرة على اليوتيوب:

 

كلمة الأستاذة زهرة الضامن – “تكريم شخصيات”:

 

كلمة الأستاذ مهدي ال حمود – “تكريم شخصيات”:

 

كلمة الأستاذة زينب الكواي – “أنا وبطلتي الخارقة”:

 

كلمة الفنانة فخرية الحبيب – معرض فني:

 

كلمة ضيف شرف الأمسية | الشاعر سعود الفرج:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد