قراءة في تحولات الاقتصاد السعودي

443

استعرض مساعد وزير المالية السابق للسياسات الكلية والعلاقات الدولية الأستاذ عبد العزيز الرشيد خلال ندوة نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي التحولات الهيكلية في الاقتصاد السعودي، مؤكدا على أن الاقتصاد السعودي يمر بتحولات هيكلية مهمة، وأن رؤية 2030 رفعت مستوى الشعور الوطني ووحدت الجهود المشتركة نحو التنمية والتطوير. وعقدت الندوة التي حضرها جمع من المثقفين والمهتمين بالاقتصاد وأدارها عضو المنتدى الأستاذ أمين الصفار مساء الثلاثاء 23 رجب 1444هـ الموافق 14 فبراير 2023م، حيث شهدت حوارا ثريا حول العديد من القضايا ذات العلاقة بالاقتصاد الوطني كسوق العمال، ومشاركة المرأة، وبرامج الخصخصة، والتضخم وارتفاع تكلفة المعيشة، والمشاريع الكبرى، وتنوع مصادر الدخل.

وبدأت فعاليات الندوة بعرض فيلم قصير بمناسبة اليوم العالمي للقصة حول أنواع القصة وعناصرها، وقدم فنان الفيلوغرافيا الأستاذ غالب العلوي عرضا موجزا لأعماله الفنية التي عرضها في قاعة المنتدى، متحدثا حول مسيرته الفنية وتوجهه لهذا النوع من الفنون الذي يجمع بين الرسم بالخيط والمسامير بدلا عن الأقلام والأوراق. كما تحدث الأستاذ سعيد الخباز مفصلا عن أهداف وبرامج مشروع منتدى القطيف الاقتصادي والذي سيقام قريبا، حيث تناول أيضا دور المنتديات الاقتصادية في تحريك دورة الاقتصاد المحلي وفتح فرص جديدة. واستعرض الكاتب عبد الباري الدخيل مجموعته القصصية “أوراق ليست للبيع” التي وقعها في ختام الندوة.

افتتح مدير الندوة الأستاذ أمين الصفار اللقاء بالحديث عن دور التحولات الاقتصادية في تغيير المسارات التنموية ومدى القدرة على مواكبة التغيرات الحاصلة ومواكبتها اعتمادا على مرونة الاقتصادات المحلية وقدرتها على التكيف مع هذه المتغيرات. وعرف المحاضر الأستاذ عبد العزيز الرشيد بأنه حاصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة الامام بالرياض، وأنهى العديد من مواد الدراسات العليا في الاقتصاد في جامعة اوريغون بالولايات المتحدة الامريكية، وتقلد عدة مناصب قيادية بوزارتي المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط، وعمل مساعدا لوزير المالية للسياسات الكلية والعلاقات الدولية، كما ترأس مركز المقاصد للاستشارات الاقتصادية، وحاضر في قسم الاقتصاد لعدة سنوات، وعيّن عضوا في عدة مجالس إدارة لمؤسسات ومراكز رسمية وخاصة.

بدأ المحاضر الأستاذ عبد العزيز الرشيد حديثه بالقول أن التحولات الاقتصادية العالمية تحدث بصورة خارجة عن اراداتنا المحلية، بسبب تبدل المصالح للكيانات والتحولات المتسارعة في الأنماط الاقتصادية، موضحا أنه قد حدث تغير في منظومة الاقتصاد العالمي من خلال موجة برامج العولمة والانفتاح الاقتصادي التي انبعثت في الثمانينات حيث كان التبشير بان المصالح تكمن في الانفتاح الاقتصادي. وبين أنه في المرحلة الاخيرة وبعد تكرر الصدمات والازمات المالية في آسيا ثم في أمريكا وتأثيرها على أغلب الاقتصادات الوطنية، وكذلك تأثير أزمة كورونا، فقد نتج عن ذلك مراجعات واحياء التفكير المخالف للانفتاح الاقتصادي والتعبير بجرأة اكثر نحو الفكر الاقتصادي الوطني القائم على مفهوم الأمن الشامل ومن أبرزه الأمن الغذائي.

وأضاف أن هناك أطرافا تضررت من مرحلة الانفتاح الاقتصادي وتراجعت الاقتصاديات القائمة على الصناعة في بعض الدول مع بروز الصين كدولة مصنعة ورخيصة، حيث أن السياسات التجارية بين العديد من الدول تأثرت بذلك أيضا. وأشار إلى أهمية القدرة على التكيف مع هذه التحولات العالمية وكذلك القدرة على الاستدامة بالنسبة للاقتصاد الوطني، وخاصة مع التحول نحو الاقتصاد الأخضر، والانتقال من الوقود الأحفوري كالنفط والغاز الى اقتصاد يراعي البيئة والثروات الطبيعية، مؤكدا على أن مثل هذا التحول يؤثر بصورة كبيرة على اقتصاد المملكة لكونه يعتمد على ثروة النفط كمصدر أساسي.

وأكد الرشيد في حديثه أن التحول الاقتصادي يأتي استجابة لضمان النمو والاستقرار الاقتصادي والاستدامة، مشيرا إلى أن ادبيات الاقتصاد تربط بين التحول ومفهوم التنمية الاقتصادية الذي يأتي من خلال احداث تغيير هيكلي في الاقتصاد. وذكر أن من بين التجارب الدولية في التحول الاقتصادي الثورة الصناعية في أوروبا من خلال انتقال برامج التنمية من قيادة القطاع الزراعي الى القطاع الصناعي، وكذلك في اليابان لاحقا التي تحولت لاقتصاد صناعي معقد، وكذلك كوريا الجنوبية عبر التنافس دوليا بالمنتجات التي تتطلب جودة عالية وسعر مناسب. وأكد على أن هذا التحدي ليس سهلا حاليا، حيث المنافسة كبيرة دوليا، وكذلك التوجه الحالي عالميا من الانفتاح الى الانغلاق الاقتصادي.

وحول تحولات الاقتصاد السعودي، بين الأستاذ عبد العزيز الرشيد أن فكرة التحول والتنمية الاقتصادية في المملكة ليست جديدة، حيث بدأت مع انطلاقة الخطط الخمسية للتنمية في السبعينات، لكنها افتقدت بعض عوامل النجاح وواجهتها مجموعة من التحديات من بينها انخفاض أسعار النفط وتمويل عملية التحول. وأضاف أن رؤية 2030 تمثل مشروعا جادا وحقيقيا للتحول الاقتصادي وذلك لعدة عوامل أبرزها: أنها لم تأت من فراغ، وكونها تعبر عن فهم دقيق للوضع في المملكة وموقعها، وأنها أخذت بالاعتبار الامكانات المتاحة في المملكة كالقوة العاملة المحلية، وفهم التحولات الدولية، وركزت على الاختلالات التنموية.

ونوه في محاضرته بما تحقق في برامج التحول الاقتصادي خلال الست سنوات الماضية حيث تم التركيز على اعداد القطاع الحكومي لتمكينه من تنفيذ خطط الرؤية، مشيرا إلى التغيرات الحاصلة في بعض القطاعات غير النفطية كقطاع التعدين الذي نما بنسبة 21%، وقطاع الخدمات بنسبة 17%، وكذلك في قطاعات أخرى كالزراعة والسياحة والاتصالات، مؤكدا على أن مشاركة المرأة في سوق العمل الذي بلغ في عام 2022م ٣٧٪‏ يعتبر تحولا اجتماعيا ممكنا، وكذلك ارتفاع أعداد المشتغلين في القطاع الخاص من ١،٦ مليون الى ٢،٢ مليون.

وأضاف الرشيد أن ما تحقق من تحول هو نتيجة عمل وجهد جاد وممنهج، وأن الحوكمة من أهم عوامل النجاح حيث أصبح العمل الحكومي مختلفا عما كان عليه سابقا. وأوضح أن تقييم الاثار المترتبة على التحول يختلف بناء على موقعية صاحب المصلحة حيث ان البعض يشككون في وجود الفرص الجديدة بسبب حالة التقليدية لديهم، فقد تطورت الخدمات المالية الالكترونية مثلا ويمكن استغلالها من قبل الواعين بها والقادرين على استثمارها. وأشار إلى أن قياس الأثر لا يمكن قياسه على المستوى الجزئي والقطاع المحدد، بل على مستوى الاقتصاد الكلي الوطني.

وحول التحديات التي تواجه التحول الاقتصادي، بين المحاضر ن من بينها الموازنة بين المصالح على المدى القصير والمتوسط والطويل، وتحقيق فهم مشترك لمستهدفات الرؤية بين جميع اللاعبين. وأكد على تفاؤله بمستقبل التحول الاقتصادي من خلال توفر عدة عوامل نجاح كوجود قيادة موحدة تتولى إدارة عملية التحول، وأن غالبية المجتمع السعودي هم من الشباب وهم الاقدر على معرفة الفرص الجديدة، وكذلك وحدة الصف بين اللاعبين وارتفاع مستوى الشعور الوطني.

وبدأت مداخلات الحضور بسؤال قدمه الأستاذ محمد المرزوق حول أسباب نجاح التجربة الاقتصادية في اليابان وعدم نجاحها في دول أخرى كأفريقيا التي تمتلك لكثير من الثروات، وطرح الأستاذ علوي الخباز تساؤلا حول موقعية المواطن في ظل هذه التحولات الاقتصادية ومردودها عليه حيث ان مستواه الاقتصادي لم يتحسن. وتناول الأستاذ زكي ابو السعود التجربة البريطانية في الخصخصة التي أثرت على فئات اجتماعية كثيرة وأصبح المجتمع يطالب بعودة تدخل الدولة وخاصة في المجالات الصحية، متسائلا حول التوفيق في مشاريع الخصخصة المطروحة وجدواها.

وطرح الأستاذ فوزي الدهان موضوع البطالة وخاصة بين الشباب المتخصصين وتأثير التحول الاقتصادي في معالجتها، موضحا أن هناك صعوبة في استيعاب مشكلة التضخم وارتفاع الأسعار في مقابل ثبات الرواتب وخاصة بالنسبة للمتقاعدين.

وطالب الشيخ حسين الرمضان بضرورة تحويل أفكار الرؤية إلى العموم من خلال اللقاءات المستمرة مع المسئولين، مشيرا إلى أن بعض المستثمرين الشباب يواجهون عدة مشاكل بسبب عدم وجود حماية مالية لمشاريعهم.

وتناول الأستاذ سعيد الخباز موضوع تطبيق مدرسة شيكاغو في الاقتصاد كونه قد يسبب في ضعف النمو الاقتصادي او فشله، متسائلا حول ضريبة القيمة المُضافة وكونها من السياسات التي لا يمكن التراجع عنها. وشكر المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضر والحضور على التفاعل مع ما طرح في الندوة مشيرا إلى أهمية المشاريع الكبرى ومردودها على المواطن.

 

لمشاهدة كافة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

لمشاهدة المحاضرة كاملة على اليوتيوب:

 

كلمة الفنان غالب العلوي:

 

كلمة الكاتب الأستاذ عبد الباري الدخيل:

 

كلمة الأستاذ سعيد الخباز (منتدى القطيف الاقتصادي):

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد