تجاذبات حوارية حول واقع الليبرالية وتجربتها

177

أثارت الورقة التي طرحها الباحث في القضايا الفكرية الدكتور عبد الله الزازان في ندوة “الليبرالية: التشكل والتكوين والواقع” بمنتدى الثلاثاء الثقافي مساء أمس موجة من النقاش بين حضور الندوة من مثقفين واعلاميين، تركزت معظمها حول التصنيفات الفكرية ومدى دقة توصيف واقع الليبرالية في المجتمعات العربية والخليجية. وأدار الندوة الأستاذ حمود الباهلي الذي قدم المحاضر وناقشه في بعض المفاهيم التي وردت في محاضرته.

وبدأت فعاليات الندوة التي قدمتها الأستاذة هدى الناصر بعرض فيلم توعوي قصير بمناسبة اليوم العالمي للقانون الذي يصادف الثالث عشر من سبتمبر، وتحدث الفنان التشكيلي علي عبد الحميد عضو جمعية جسفت حول دور الفنون في المجتمع ضمن كلمة استعرض فيها تجربته الفنية وأقام معرضا فنيا لمجموعة من أعماله في المنتدى. وكرم المنتدى الطالبة الموهوبة زينب العوامي لإنجازاتها اللغوية والتعليمية وفوزها في عدة مسابقات أدبية، حيث استعرضت جانب من مسيرتها الأدبية.

واستعرض مدير الندوة الأستاذ حمود الباهلي في بداية اللقاء أهمية تحليل وقراءة التجربة الليبرالية التي تنامت بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وأصبحت سائدة في المشهد العالمي، وعرف بالمحاضر الدكتور عبد الله الزازان الذي انهى دراسته الجامعية في اللغة العربية، وواصل دراساته العليا في امريكا في حقل الدراسات الاسيوية، وعين رئيسا لتحرير مجلة “المبتعث” في امريكا، ونشر نتاجه النقدي والادبي في الصحف المحلية وله مشاركات في العديد من الملتقيات الثقافية، واهتم بنشر كتب المذكرات والسير الذاتية والتراجم، وصدرت له عدة دراسات وابحاث وكتب من بينها “مدن الشعر”، والخارطة العقائدية والفكرية للمملكة العربية السعودية، والحوار الدعوي العالمي والعديد من كتب السير.

بدأ الدكتور عبد الله الزازان محاضرته بعرض قراءة لنشوء الليبرالية معتبرا إياها أنها خلاصة تجربة إنسانية امتدت لأربعة قرون شكلت نمطًا فكريًا عامًا ومنظومة متشابكة من المبادئ والأفكار، والمعتقدات، والقيم، والمناهج، وأن الليبرالية كغيرها من الظواهر الفكرية تحمل دلالات ومناهج وطرائق مختلفة ومتباينة، ولا يوجد نظام فكري محدد يتفق عليه الدارسون، ويرجع الباحثون السبب في صعوبة تحديد المفهوم لارتباطه بإشكالات كبرى تعاني منها أغلب مفاهيم العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وأكد الزازان في محاضرته التي لخص فيها منشأ الفكر الليبرالي بالقول أن الليبرالية ليست مجرد طريقة تفكير فحسب، بل هي منظومة فكرية كلية تتناول الحياة الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، كما تشمل المناهج الفكرية والعملية. فالليبرالية تقوم على الحياد التام تجاه كل العقائد والملل والمذاهب. وأضاف في حديثه أن هناك ثلاثة مصادر رئيسية أسهمت في تكوين فلسفة المذهب الليبرالي هي: كتابات جون لوك، وأفكار فلاسفة ما يسمى بالاستنارة والمدرسة النفعية، بالإضافة إلى تأثير كل من الثورتين الأمريكية (1776م) والفرنسية (1789م). وأشار إلى أن الليبرالية ترتكز على منظومة من القيم والمبادئ الأساسية التي تتمثل في الفردانية، الحرية، العقلانية، المساواة، التسامح، والإنسانية.

وأوضح المحاضر أنه على الرغم من التدويل العلني وعولمة الليبرالية على مستوى العالم، إلا أنها واجهت مقاومة في بعض أجزاء من العالم، ومن بينها العالم العربي والإسلامي، مما دفع دول الغرب الصناعي وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الضغط السياسي – الثقافي الممنهج على بعض دول العالم العربي والإسلامي، خاصة أثناء غزو واحتلال أفغانستان والعراق. وأضاف في حديثه أن الليبرالية الغربية قامت على تسلسل مرحلي، أما في العالم العربي، فقد اختزلت الليبرالية العربية المراحل التسلسلية لليبرالية الغربية إذ ينادي معظم الليبراليين العرب بضرورة التطبيق الفوري للمفهوم الليبرالي الغربي دون تغيير، وكأنه وصفة يمكن من خلالها حل معضلات العالم العربي، ولذلك سعت الليبرالية العربية إلى استنساخ العقلية الغربية ومحاولة إحلالها بديلًا عن الواقع العربي.

وشرح المحاضر رؤيته حول الليبرالية العربية بأنه في المرحلة الحالية ساعدت التحولات الدولية على غلبة المنظور الليبرالي ببعديه السياسي والاقتصادي على المستوى العالمي، مما جعل الخطاب الليبرالي أكثر جرأة في طرح مشروعه مع استمراره على نهج التيارات الليبرالية السابقة، حيث لم يخرج عن الرؤى الفكرية التي طرحت سابقًا كالاعتراف بالواقعية السياسية، وأنه لا حل للصراع العربي إلا بالحوار والمفاوضات والوقوف إلى جانب العولمة وتأييدها باعتبارها إحدى الطرق الموصلة إلى الحداثة الاقتصادية العربية التي بدروها يمكن أن تقود إلى الحداثة السياسية والثقافية، وإخضاع التراث والقيم الأخلاقية للنقد المؤسس على العقلانية.

وأنهى محاضرته بخلاصة أنه يمكن القول بأن الخطاب الليبرالي العربي يعاني من إشكالات رئيسية في بنيته، وفي علاقاته بالواقع، وفي اختلال معنى الفهم وهذه الإشكالات التي تتلخص في الاعتقاد بامتلاك الحقيقة المطلقة باعتبار أن الليبرالية مسألة حتمية، وبتقريره لتلك المسألة واتخاذها منطلقا أساسيًا لديه، فإن ذلك لا يعني سوى الوثوق المطلق بالرؤية الفكرية المطروحة، سواء على مستوى فهم الواقع، أو على مستوى الحلول المطروحة.

وطرح مدير الندوة عدة أسئلة في بداية المداخلات وتعقيبات حول آراء بعض المفكرين السعوديين حول الليبرالية وموقعيتها، وجاءت مداخلات وأسئلة الحضور مرتبطة بقراءة التجربة الليبرالية من خلال النظر اليها كمنتج بشري قابل للأقلمة مع التراث الثقافي للمجتمعات، والتعامل معه بصورة تصالحية قابلة للتداخل والتبادل الفكري دون اتخاذ موقف عدائي مسبق. وطرحت الأستاذة عقيلة الخنيزي تساؤلا حول تأثير التوجهات الليبرالية المنفتحة على عقلية وسلوك الأطفال وخاصة عند الحديث عن الحرية الجنسية والقراءات التي تنهج هذه المسالك المنفتحة فكريا، كما استفسرت عن العلاقة بين الشيوعية كمنهج فكري من ناحية والليبرالية الغربية والتأثير المتبادل بينهما.

وطرح الدكتور مخلد الزيودي أن الليبرالية ترتكز على حرية الفرد داخل مجتمعه بما في ذلك حريته في الاعتقاد، ولذلك فقد تمكن العرب من تحقيق تقدمه بينما المجتمعات المتدينة تعمل على تشويه صورة الآخر وتتعامل بإقصائية معه، وذلك تحت مبرر الحفاظ على هويتها، موضحا أن الليبرالية ليست وصفا وانما هي فكر وسلوك ومنهج. وشكر المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب حضور الضيف الدكتور الزازان وموضوعية طرحه النقدي، موضحا أن هناك العديد من المحاولات التوفيقية التي يبناها مفكرون في العالم الإسلامي لخلق صيغ مشتركة بين الإسلام والمفاهيم التي طرحت في الغرب كالليبرالية والديمقراطية وحقوق الانسان، وأن هذه المسارات تشكل نوعا من الاستفادة المتبادلة من التجارب الإنسانية التي تمر بها المجتمعات دون إقصاء أو تصنيف.

وطرحت الأستاذة أبرار الحبيب أن ما نتعاطى به في مجتمعاتنا حول الليبرالية يتركز فيما وصلنا من فتات وما يرتبط بموضوع التنوير وحرية الأفراد، بينما الليبرالية منظومة فكرية متكاملة ذات نظرية شاملة أتت لمعالجة إشكاليات تعيشها المجتمعات الأوروبية، ومن المهم العمل على نمذجتها كي تتناسب مع ظروف مجتمعاتنا العربية. وطرح الأستاذ علي الحرز   فكرة أهمية الدراسة الموضوعية والعلمية لنشوء وتطور الحركات الفكرية في مجتمعاتنا العربية ضمن التجارب الإنسانية والتحولات التي تشهدها هذه المجتمعات، منوها بالجهود التي يبذلها الدكتور عبد الله الزازان في هذا المجال وضرورة التعريف بمثل هذه الأعمال.

وناقش مدير الندوة المحاضر ضمن عدة أسئلة طرحها تتعلق بحدود الحريات الفردية وتأثيرها على فكر وسلوك الأجيال القادمة، وسبل التعامل معها، وحول تنوع الاتجاهات الفكرية القائمة في المجتمعات العربية وسبل التعامل معها دون ممارسة أي إقصاء أو تصنيف.

 

لمشاهدة كافة الصور اضغط هنا

 

لمشاهدة المحاضرة كاملة على اليوتيوب:

 

كلمة الفنان علي عبد الحميد: (الأسبوع الثاني):

 

كلمة الطالبة زينب العوامي (تكريم شخصيات):

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد