ذكريات من تاريخ النجف

3٬544

استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 15 ربيع الأول 1428هـ الموافق 3 ابريل 2007م الكاتب والأديب الأستاذ عبد العلي يوسف السيف في محاضرة تحت عنوان “ذكريات من تاريخ النجف” حضرها لفيف من المثقفين والأدباء المهتمين بالموضوع. وقد أدار الندوة رئيس تحرير مجلة الواحة الأستاذ محمد النمر الذي عرف بالمحاضر انه تعلم منذ طفولته المبكرة في الكتاتيب، وكان أول من دخل المدرسة الابتدائية سنة تأسيسها عام 1373هـ، والتحق بالمدرسة المتوسطة الأولى في القطيف وبعدها هاجر إلى النجف الأشرف، حيث بقي في دراسته في الحوزة وواصل تعليمه النظامي في ثانوية منتدى النشر وانهى الثانوية العامة. التحق بكلية الفقه حتى تخرجه منها بدرجة بكالوريوس لغة عربية وعلوم إسلامية سنة 1972م، وخلال دراسته الدينية أسس مع عدد من الطلبة ندوة أسبوعية، واصدر أول كتاب له “المجتمع وجهاز الحكم عند الإمام علي ع” عام1968م، وكتب مجموعة من البحوث خلال دراسته في الكلية أولها “طرفة بن العبد” و “القطيف وأضواء على شعرها المعاصر” و “الخمس في الشريعة الإسلامية بحث مقارن”.

أشار الأستاذ عبد العلي السيف في بداية حديثه ان بين عام 1362هـ وعام 1374هـ تقلص عدد علماء الدين والمراجع البارزين والمشهورين في القطيف، واقتصرت أدارة الأنشطة الدينية على نفر قليل من الشخصيات الاجتماعية التي كانت تتولى الأمر الديني في حدود كتابة الوصايا وتقسيم التركات والصلاة على الأموات وأداء صلوات الآيات والعيدين مع قيام بعضهم بالتعليم في الكتاتيب وقراءة الوفيات. وأشار أيضا إلى ان هنالك بعض المقيمين في النجف الأشرف من الذين يواصلون دراستهم الدينية كانوا يحضرون بعد شهر رمضان من كل عام ويؤدون واجبهم الإرشادي للحجاج مع الحملات المعنية بتسهيل الحج، وكذلك كما ان بعض علماء المنطقة ومنهم الشيخ فرج العمران، والشيخ محمد صالح المبارك كانت لهم زيارات لمختلف المناطق يقيمون فيها أياما للصلاة، والتعليم، ومساعدة الناس في مسائل متعلقة بأمورهم الدينية. وتطرق المحاضر إلى زيارة خطباء العراق للمنطقة في نهايات العقد السابع من القرن الرابع عشر، حيث بدأ بسببها وعي جديد لدى المجتمع يتبلور بضرورة التعلم الديني كضرورة اجتماعية ملحة لتهيئة من يحمل أعباء الإرشاد والتعليم وإيضاح الأحكام الشرعية وغير ذلك من الأنشطة الدينية الضرورية.

وانتقل المحاضر للحديث عن التغيرات الاجتماعية في المنطقة مؤكدا على ان العمل في شركة ارامكو والأعمال المتصلة بها سواء بواسطة المقاولين او ضرورات السفر للتدريب، اوجد حالة من التغير في حياة أبناء المجتمع، كما ان الوافدين العرب وخصوصا من الشام والذين كانوا يحملون أفكارا تقدمية وقومية اثروا على الكثيرين، وأشار إلى الإهمال الذي تسلسل إلى نفوس الصغار في أداء الشعائر الدينية وحضور المجالس الحسينية. وانتقل بعد ذلك للحديث عن نمط الحياة وما طرأ عليه من تغير في طريقة حياة الناس وملبسهم ومأكلهم، فتغيرت فيه الروح الجماعية التي كانت سائدة في سلوكيات الناس الفردية، واختفى أكثر العاملين في الشركات من مجالس الذكر والسمر، ودخل الزي الغربي في الملبس، وتراجع الزي التقليدي، بفعل الانبهار بالحياة الجديدة التي يرونها في رأس تنورة وابقيق والظهران وغيرها من مناطق العمل.

وشرع الأستاذ السيف في الحديث حول النجف الأشرف، باعتباره المكان الذي يقصده طلاب العلوم الدينية الشيعة حيث ان قدسيتها نابعة من كونها تحتضن قبر الأمام علي (ع)، وكذلك وجود المرجعية الدينية العامة لجميع الشيعة فيها وتمتعها بأجواء علمية دراسية محفزة.

وتحدث المحاضر بعد ذلك عن المخاض الذي مرت به العراق منذ العهد التركي ثم الاحتلال البريطاني وما كان من مقاومة شرسة تصدى فيها المراجع الدينية، ومن بعده فرض الملكية وتهميش دور العلماء وأبعادهم عن مراكز السلطة انتقاما من القائمين بثورة العشرين التي قادتها المرجعية. وأشار إلى ان كل ذلك جعل العلم والتعليم الديني هو الشغل الشاغل لرجالات المؤسسات الدينية بعد ان فرض عليهم الأمر الواقع بان يكونوا بعيدين عن أي دور سياسي، فانتشرت المدارس الدينية والمساجد المهيأة للتعليم في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وغيرها من الحواضر الشيعية في العراق في حدود اقل.

وتطرق الأستاذ عبد العلي السيف إلى فترة عبد الكريم قاسم والإجراءات التي حاول بها أرضاء المرجعية الدينية حيث عمل على إعفاء المعممين من التجنيد الإجباري في الجيش، وطلب من المؤسسات الثقافية الدينية في النجف اختيار نخبة من الطلاب ليدخلهم دورة تجعلهم قابلين إلى التعيين كمدرسين، وآخرين يقدمون امتحانا يعادل الثانوية العامة ليكون ذلك مقدمة لدخولهم كلية الفقه في النجف الأشرف، وكلية أصول الدين في الكاظمية، فانخرط الكثير منهم في التدريس الأكاديمي.

وأشار المحاضر إلى المصادمات في تلك الفترة بين الحوزات الدينية والشيوعيين الذين وصلوا إلى الحكم والقوة التي تميز بها مراجع الدين في إصدار فتوى جريئة ضد الشيوعيون وتفعيل الأنشطة الدينية والثقافية واستثمار المناسبات الدينية طوال العام.

وتحدث المحاضر في ختام محاضرته حول انطباعات الطلبة المهاجرين من القطيف إلى النجف الأشرف الذين وجدوا أنفسهم وسط الحركة المفعمة بالإيمان والعلم والنشاط السياسي والثقافي حيث تفاعلوا مع كل ذلك وبرزوا فيه ككتاب وأدباء. بعد ذلك أعطى مدير الندوة الأستاذ محمد النمر الفرصة لجمهور الحاضرين للتداخل وطرح الأسئلة، والتي جاءت متفاعلة مع الموضوع، وأثار الحضور العديد من الأسئلة والمداخلات حول تاريخ الحركة العلمية والثقافية في النجف الأشرف.

وتناول الحضور في مداخلاتهم الآثار الثقافية المتبادلة بين النجف والمنطقة من خلال توافد العديد من نخب المنطقة للدراسة في النجف الأشرف وانخراط بعضهم في فعاليات وأنشطة ثقافية وسياسية متعددة، كما نوقشت أيضا أسباب ابتعاد بعض المهاجرين للدراسة الدينية عن ذلك وتشكيل ردة فعل لديهم حول الأجواء الدينية، وناقش الحضور كذلك أيضا أحوال الدراسة الدينية وأجوائها والعلاقات الداخلية بين مختلف الفئات والاتجاهات حيث أجاب المحاضر على هذه الأسئلة والمداخلات بايجابية وود.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

المحاضرة الكاملة:   

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد