العنف والايديولوجيا، محاولة للفهم

4٬046

استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف الأستاذ عبد الله القفاري مساء الثلاثاء 21 ربيع الآخر 1428هـ، الموافق 8 مايو 2007م، متحدثا في محاضرة حول “العنف والايدولوجيا، محاولة للفهم”. وأدار الندوة الأستاذ ذاكر آل حبيل معرفا الفقاري بأنه كاتب صحفي متمرس في عدة صحف عربية آخرها جريدة الرياض منذ عام 2000م، وهو حاصل على عدة جوائز صحفية على مستوى العالم العربي، وصدر له كتاب (قراءات في زمن التكوين) ومجموعة قصصية، كما عمل معيدا في قسم الفيزياء بكلية العلوم بجامعة الملك سعود، ويعمل حاليا في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.

تحدث مدير الندوة في البداية عن أهمية البحث في قضايا العنف وضرورة دراسة أسبابه المختلفة، باعتباره احد عوائق التنمية الاجتماعية والسياسية، وخاصة مع انتشاره بصورة ملحوظة في مختلف المناطق في العالم العربي والإسلامي. وأشار إلى أن الدراسة العميقة والمستفيضة لهذه الظاهرة هي التي يمكن أن تساهم في الوصول إلى معالجات حقيقية وجذرية لهذه الظاهرة، مؤكدا أيضا على أهمية البحث عن تأثير الايدولوجيا على حالة العنف في المجتمع.

بدأ المحاضر بحثه بإشادته بالجهود الأمنية والإعلامية التي تستنكر وتقوض عمليات الإرهاب المنتشرة، مشيرا الى عدم كفاية هذه الجهود لوحدها لإنهاء هذا الخطر المحلق بالمنطقة العربية من العراق للمغرب والذي لا تمثله العمليات الإرهابية ذاتها بقدر ما يمثله العنف الدموي والنزعة التقويضية التي تنتظر تفجيرها في أي لحظة، مستعرضا الحال في بعض دول المنطقة كالعراق ومصر ودول المغرب العربي ليؤكد عدم الوثوق بفكرة وجود تنظيم دولي مقاوم يتقنع العنف والإرهاب، بل أن الحاصل من تحول في أسلوب المقاومة في دول المنطقة تأثرا بنظام القاعدة الذي كان معزولا في جبال نائية، والمتطبع بالتصميم على الانتحار حتى في الشوارع الخالية من المارة أمر يحتاج للالتفات للوقاية من خطر إعادة إنتاجه محليا الأمر الذي سيتخذ أبعادا أكثر تعقيدا.

وأشار المحاضر إلى أهمية دراسة العوامل المحركة لهذا التوجه وفهم بواعث خلق بيئته، مؤكدا على أهمية الوعي السياسي الذي يتطلبه هذا الفهم من صراع القوى الدولية في المنطقة وتوظيفها هذه الظاهرة لصالحها منذ الحرب العالمية الأولى من خلال البعد العشائري أو القبلي ومراكز القوى بداية بلورنس العرب وحتى الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة وانتهاء بالبعد الديني أو الطائفي أو المذهبي، كل ذلك انطلاقا من وعيها ببيئتها التي تمثل حواضن خصبة تفرز مشروعات تتوسل المشهد الجهادي وتعزز بمقوماته هذا العامل الخارجي.

أما داخليا، فقد أشار المحاضر إلى بؤس الحيلة في تصفية الحسابات بين التيارات الثقافية وسوء استعمالها لاصطلاحات خالية من مضامين كافية لفهم هذه الظاهرة في خطاب مواجهتها لها، الأمر الذي يعيق وتقديمها مشاريع حقيقية تخدم المنطقة، فتعيد بذلك تشكيل حواضن التطرف والإرهاب المغذية للمشاريع التقويضية؛ ليؤكد مقابل ذلك أهمية استدعاء حواضن مثالية تعالج حالة الإحباط والتوتر الكامن في عقل جيل اليوم وفراغ الرؤية التي يمكن أن تجسد القدرة على الحراك والعمل المعالج لاحتباس الأفق الوطني أو انعدامه لديهم، فيتغذي الذهن في لحظة بفكرة الخلاص التي يسيسها مبشر روحي – غالبا- يعمل على قتل غريزة الانتماء وإحياء عناصر الفكر الضال القاتلة لمعنى الحياة والوجود الإنساني والواعدة بحياة رغيدة هنيئة. وأكد الأستاذ القفاري على أن ذلك هو الخطر الأكبر في نشوء تيارات العنف والتطرف والذي اتضح جليا في نشوء جماعات شباب ” الحطيست” المعبأة بالعنف في الجزائر والتي تعكس الشقاء الإنساني الرافض لعمليات البناء الحالمة.

وفي دعوة منه للعمل على تحقيق الفهم المطلوب لعوامل تحريك هذا المشروع، أشار القفاري لأهمية عمل دراسات حقيقية عن حالات المتورطين فيه من خلال قراءة سجل حياتهم وتاريخهم والبيئات التي أنتجتهم ومستوى تعليمهم وعلاقتهم بالمحيط الاجتماعي والثقافي والأسري، لافتا انتباه من يسمون أنفسهم بخبراء الجماعات الإرهابية إلى احتمالية تعاظم نشاطها من خلال تسويقهم لتاريخها دون البحث العميق لمحركاتها، وذلك عبر المناوشات اليومية التي يشهدونها مع التيارات الدينية والتي تأخذ طابع تصفية الحسابات.

وأكد المحاضر على أن مقاومة الفكر الضال لن يكون سوى بوجود مشروع بديل يمتلك القدرة على تحقيق عالم أفضل للحياة بعيدا عن الشعارات المجردة والهتافات المناهضة كالحديث عن سماحة الإسلام دون العمل على ترجمة ذلك عمليا باحتواء الشباب وملء عقولهم بما يشحذ إيمانهم بطرق أخرى للخلاص تضمن حقهم في الحراك الطبيعي المثمر وتحفظ حقهم في الحياة دون المساس بكرامتهم مستشهدا بما يعانيه العراق اليوم من تشويش في الرؤية لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه لمجرد الغزو الأمريكي فقط، بل للمرحلة التي عاشها العراق قبل عقود من الاستبداد السياسي والدكتاتورية والاضطهاد والتضييق التي خلقت في نفوس شباب العراق الرغبة في الانخراط في نشاطات تعزز فيهم الشعور بالذات فحولت عراق الأحزاب الوطنية والقومية إلى عراق الطوائف والتصفيات.

وفي ختام حديثه أكد الكاتب القفاري على أن فك الارتباط بين حالة إخفاء ويأس مشروعات العنف مرتبط بنشاط الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مشاريع قابلة للحياة تحمل صفات المشروع الوطني المنتج من اجل تحقيق الذات الذي هو الوسيلة الوحيدة الأكثر أهمية لمقاومة أيديولوجيا العنف. وطالب كذلك بإشراك فئة الشباب كأساس في أي مشروع وطني جديد يستند على آفاق واطر أكثر مدنية ووطنية مما هو قائم حاليا.

وشارك الحضور من مثقفين وشخصيات دينية واجتماعية في مناقشة الأفكار التي طرحها المحاضر خلال حديثه، حيث تركزت ابرز المداخلات حول دور الايدولوجيا الدينية في تعزيز حالة التطرف والتشدد والتكفير وبالتالي الانخراط في أعمال العنف الناتجة عنها، وعن تطور الجهود الأمنية ثم الفكرية في معالجة حالة العنف والإرهاب محليا، وضرورة العمل على بلورة مشروع سياسي وطني والمبادرة في طرحه ضمن المعالجة الشاملة لحالة الإحباط واليأس التي يعيشها أبناء هذا الجيل.

وأكد راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب في ختام الندوة على ما ذهب إليه المحاضر من ضرورة التعمق في معالجة هذه الظاهرة ليس من بعدها الأمني والفكري فقط بل في جانبها السياسي والاجتماعي أيضا، كما نوه إلى أهمية كتابة تجارب العمل الوطني لدراسة الأبعاد الوطنية والسياسية فيه والتي ابتعدت عن العنف بصورتها الحالية وتجاوزت المحددات المناطقية والمذهبية الضيقة.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

المحاضرة الكاملة: 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد