الثلاثاء يستنطق تاريخ شرق الجزيرة العربية

795

استمرارا لجهوده في مجال التاريخ الانثروبولوجي لمناطق المملكة والتي غطى فيها خلال هذا الموسم نجران وجزر فرسان وحائل، خصص منتدى الثلاثاء الثقافي ندوته الرابعة ضمن هذه السلسلة لتكون حول “التاريخ الإنساني في شرقي الجزيرة العربية” حيث شارك فيها الباحث في التاريخ الأستاذ أحمد المطلق، وذلك مساء الثلاثاء 29 جمادى الثانية 1443هـ الموافق 1 فبراير 2022م، وأدارها الأستاذ محمد القريش. وحل فيها الأستاذ شرف السعيدي الشخصية الاجتماعية المعروفة كضيف شرف، كما تم عرض فيلم قصير بمناسبة قرب حلول اليوم العالمي لمكافحة السرطان، وشارك الفنان حمزة الفهيد بكلمة عن معرضه الفني الذي أقامه بالمنتدى، كما تحدث كل من لاعبي المنتخب في رفع الأثقال جاسم الزوري وعبد الله المرزوق عن تجربتهما الرياضية وتمثيلهما للمنتخب السعودي في مسابقات محلية وعربية. كما تناول الكاتب سلمان الحبيب عرضا عن كتابه “جدلية الثقافة والمثقف” الذي وقعه في نهاية الندوة.

وقدم مدير الندوة كلمة تعريفية حول ضرورة وأهمية دراسة التاريخ الإنساني للمنطقة مشيرا إلى أن الدعوة كانت ولا تزال قائمة بضرورة الوعي بتاريخ المنطقة مع النقص القائم في مصادر المعلومات حول تلك الحقب التاريخية القديمة. وعرف المحاضر بأنه مهتم بقضايا الفكر واللغة والأديان والآثار والعلوم الانسانية عامة، وكذلك بتوثيق وكتابة تاريخ الأحساء والمنطقة، نشرت له عدة دراسات تاريخية في مجلات متخصصة من بينها مجلتي الواحة والساحل، وصدر له كتاب “لهجات الجزيرة العربية: اللهجات الاحسائية نموذجاً”، وله مشاركات ومحاضرات في ملتقيات ثقافية متنوعة حول الثقافة والتاريخ.

بدأ المحاضر الأستاذ أحمد المطلق حديثه بالإشارة لتعريف التاريخ، مستعرضا الحضارات التي سادت على سواحل هذا الخليج، حيث عاش الإنسان قديماً، ووجد نفسه على مقربة من مواطن نشأت فيها أقدم الثقافات والحضارات البشرية، حيث حضارة سومر في الشمال، وحضارة وادي السند في الشرق وماجان في الجنوب، كما وجد نفسه وسيطاً رئيسياً في شبكة التجارة الأهم في العالم القديم، موضحا أن هذه السواحل نشأت فيها مجتمعات حضرية مبكرة في وقت كان معظم العالم يعيش حقبة العصور الحجرية عدا مصر والهلال الخصيب، وعبرت من هذه الأرض شعوب وأمم، واستولت عليها دول وامبراطوريات عبر القرون، ونُسجت حولها أقدم الأساطير.

وأضاف أن الدراسات الحديثة تُجمع على عدم وجود مواقع تخص العصر الحجري القديم (منذ 1,800,000 – 12,000ق. م) في شرقي الجزيرة، حيث تتركز مواقع ذلك العصر القديم في وسط وغرب الجزيرة، وفي جنوبها الشرقي والغربي مضيفا أن من أهم أسباب غياب مواقع العصر الحجري القديم أن مسطح حوض الخليج كان جافاً خلال العصور الجليدية، خاصة خلال الفترة من 25,000 – 8,000 ق.م، عندما كان نهرا الفرات ودجلة يلتقيان في جنوب بلاد الرافدين، ثم يجريان نهرا واحدا كبيرا على قاع الخليج اليَبَس ليصب هذا النهر الكبير بعد ذلك في خليج عمان. كما أضاف أن مواقع في شبه جزيرة قطر صُنفت سابقاً من قِبل البعثة الدنماركية على أنها مواقع من العصر الحجري القديم، ولكن الدراسات الحديثة اليوم أكدت أنها مواقع من العصر الحجري الحديث لا القديم.

وكشف في حديثه أن أهم مواقع العصر الحجري الحديث (منذ 8000 ق.م) توجد في عين قناص والدوسرية وأبو خميس، والصبّية شمال الكويت، وأن أكبر تلك المستوطنات التي تعود إلى ذلك العصر هي موقع عين قناص في واحة الأحساء الواقعة شمال شرق قرية المراح بكيلومتر ونصف، ويعتبر موقع عين قناص من أهم مواقع العصر الحجري الحديث، وأكبر موقع عُبيدي في ساحل الخليج حيث تم العثور فيه على 14 طبقة سكنية من مراحل الاستقرار البشري المختلفة عبر الحقب الزمنية، والموقع عبارة عن مبان سكنية شُيدت حول بئر حيث وُجدت فيها بقايا ماشية مستأنسة ومساكن مؤقتة وأدوات قديمة.

وحول حقبة دلمون، قال المطلق بأنها تنقسم في الخليج إلى فترة دلمون المبكرة أو دلمون القَبَلِية (2250 – 2050ق.م)، وفترة دولة دلمون أو ذروة دلمون أو حقبة باربار (2050 -1750ق.م)، موضحا أن معظم الآثار في جزيرة البحرين وساحل الخليج تعود إلى هذه الحقبة، وفترة دلمون الوسيطة (1600 – 1300ق.م)، وأخيراً فترة دلمون المتأخرة (1000 – 400 ق.م). وأوضح أن هناك فجوتان في تاريخ دلمون لا توجد معلومات أثرية أو نصية عنهما، الأولى الفجوة بين نهاية حقبة باربار 1750ق.م وحقبة السيطرة الكاشية 1600ق.م، والثانية هي الفجوة من سقوط الكاشيين 1240ق.م وإلى ظهور دلمون في النقوش الآشورية 710ق.م.

وأضاف الباحث أحمد المطلق أن تاروت تعد من أهم مواقع دلمون المبكرة على ساحل الخليج، وتم الكشف فيها عن آثار كثيرة، ومن أشهر آثار تلك الحقبة التي اكتشفت في موقع الرفيعة هو تمثال تاروت البالغ طوله 94 سم والمصنوع من الحجر الجيري القاسي القشطي اللون، ويعود تاريخه إلى بداية الألف الثالث قبل الميلاد، وكذلك تم العثور في تاروت على تمثال نصفي من اللَازَوَرْد، وكلاهما موجودان الآن في المتحف الوطني بالرياض، كما اكتشف فيها رأس ثور مصنوع من البرونز. وبين أنه في الحقبة الكاشية تم العثور في مدافن جنوب الظهران على مزهريات وأقداح وأحواض استحمام على شكل توابيت كلها تُؤرخ بالعصر الكاشي، كما عثر أيضا على مواد أثرية تعود إلى حقبة الكاشيين في موقع القرية بين العقير والظهران مؤرخة بــ1500- 1200ق.م منها ختم اسطواني خزفي مزخرف. كما تحدث عن المواقع الأثرية الهامة خلال حقبة مملكة هَجَر أو جِرَّه، ومن أبرزها ثاج، وهو موقع هلينستي كبير وهام، حيث توجد تلال أثرية تمثل مبان وأبراج وقصور يحيط بها سور كبير يضم مدينة ثاج بآثارها على مساحة 2535متر مربع، ويلاحظ على السور وجود أبراج في أركانه، بينما ظهر خارج السور مجموعة من التلال الأثرية.

بدأت مداخلات الحضور بسؤال الأستاذ علوي الخباز عن كون الحضارات الإنسانية تبيد وتتبدل، فهل العنصر البشري يستمر في الحضور أم أنه أيضا ينتهي معها، وتساءل الأستاذ زكي أبو السعود عما إذا كانت المستوطنات البشرية في شرقي الجزيرة العربية مشابهة لتلك في وادي الرافدين والحضارات التي قامت فيها، وعما إذا كانت المنطقة قد عرفت دول المدن كما يسمى في التاريخ، وحول أسباب تكون التجمعات البشرية الأولى والأسس التي بنيت عليها. وطرح الأستاذ علي الحرز طلبا بمواصلة البحث للكتابة حول اللهجات وامتزاج الكلمات المستخدمة في شرقي الجزيرة العربية مع بلاد الرافدين، متسائلا عن أسباب عدم تفكيك لغة حضارة السند.

وتساءل الأستاذ محمد الدهان عن سبب قلة الآثار في المنطقة بشكل عام مع أن الحضارة فيها تعود لأكثر من 7000 سنة، تم ذكر العديد من المعالم لكنها حاليا لم تبق كما بقيت معالم الحضارات في مناطق أخرى. وأعاد الأستاذ سلمان سليس التذكير بما وثقه المرحوم محمد سعيد المسلم من أن أصل أثينا وبالتالي الفينيقيين من المنطقة، معقبا على نفي المحاضر لوجودهم في المنطقة. وطرح الأستاذ نادر البراهيم تساؤلا حول التزامن بين حضارة الفراعنة مع حضارات المنطقة وكانت هناك حضارة متمكنة بينما في منطقتنا لا توجد معالم حضارية بارزة.

وتساءل الأستاذ فرحان الشمري عن طريق الكنهري التاريخي الذي يمتد من الجبيل الى نجد، كما طرح الأستاذ عبد رب الرسول الغريافي عدة ملاحظات مؤكدا على أن مركز الحاضرة لديلمون وتحليل ملحمة قلقامش، وأن الهجرات من الجزيرة العربية للشمال الشرقي والغربي هي التي شكلت الحضارات الكنعانية وغيرها، وأن جبل القرين له علاقته بالزرادشتية ووجود قبور شبيهة في فارس. كما تساءل الأستاذ عيسى السلطان عن سبب اقتصار حقب تاريخ الخليج على حقبتين فقط وعما إذا كان ذلك بسبب انعدامها ام بسبب حالة الاستقرار.

 

التغطية الإعلامية

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

لمشاهدة المحاضرة على اليوتيوب:

 

كلمة البطل جاسم الزوري – “تكريم شخصيات”:

 

كلمة البطل عبد الله المرزوق – “تكريم شخصيات”:

 

كلمة الكاتب سلمان الحبيب – “جدلية الثقافة والمثقف”:

 

كلمة الفنان حمزة الفهيد:

 

كلمة ضيف شرف الأمسية | الأستاذ السيد شرف السعيدي:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد