الحوار الوطني وسبل تفعيله

3٬561

استضاف منتدى الثلاثاء في ندوته الأسبوعية من مساء الثلاثاء 28 شعبان 1425هـ الموافق 12 أكتوبر 2004م الباحث الإسلامي الدكتور إبراهيم الجار الله متحدثا عن سبل تفعيل الحوار الوطني والمذهبي. وقد قدم راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضر، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكان موضوعها “منهج القرآن في مخاطبة الإنسان”، كما أن له دور مشهود في حركة التواصل بين المثقفين في مختلف المناطق كجزء من مساعيه الوطنية الكثيرة، وقد أدار اللقاء الأستاذ أسعد النمر عضو اللجنة التنظيمية للمنتدى.

بدأ المحاضر بطرح رؤيته حول أهمية الحوار للإنسانية، مشيرا إلى أن الإنسان مخلوق كرّمه الله سبحانه وتعالى فوضعه في مرتبة تفوق سائر المخلوقات، وخصّه بالعقل كأداة أساسية من أدوات التكليف، وأرسل إليه الرسل، وجعل حياته الدنيوية حياة ابتلاء وامتحان. ولهذا، فإن السنن الإلهية تقتضي أن لا تمر حياة الإنسان دون حدوث مشكلات نابعة من بغي القوي على الضعيف؛ فالتجمعات البشرية قابلة لأن يكون فيها التواصل، والتقاطع، والرحمة، والظلم، والإقصاء، إلا أن التعارف بين هذه التجمعات حالة ضرورية لتجنب البغي والظلم حيث يقول تعالى: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، فالتعارف مقصد شرعي ليس للمسلمين فقط، بل لسائر البشر والعالم والشعوب والأمم، حيث أبرزت الآية هذا المعنى وهو ما يعني أن القرآن الكريم مع مفهوم التعارف بين الناس الذي يتم عبر الحوار والجدل.

ويرى المحاضر أن موضوع الحوار يحتل أهمية قصوى في المجتمع، فالحوار هو الوسيلة الطبيعية للتواصل بين الناس نظراً لتعدد آرائهم واختلاف وجهات نظرهم، كما أن تعرف كل طرف على آراء ووجهات نظر الآخر لا يتم إلا عبر وسيلة الحوار. وقد عنى القرآن الكريم بترسيخ مفهوم الحوار والجدل؛ حيث أوصى القرآن الكريم بأن يكون الحوار بالتي هي أحسن كآلية هادئة للتواصل، وكذلك أوصى المنهج النبوي الشريف. وأضاف المحاضر بأنه قد لا يكون ثمة تطابق بين جميع المسلمين في جميع التفاصيل، إلا أنهم يجتمعون في الكُليات، وعند وجود اختلاف فإن لعقلاء القوم منهم دور كبير في التقريب عبر الحوار والتواصل، وهذا الأمر يجعلنا نعمق الحوار فيما بيننا؛ لأنه الوسيلة الأمثل الموصلة لنقطة السلامة، وإلا فإن العنف سيكون بديلا طبيعيا لذلك؛ فالصراعات والحروب التي شهدها العالم من قبل – خلال الحرب العالمية الثانية مثلاً – قد أثمرت ما يقارب الأربعين إلى الخمسين مليون قتيل. ومن هنا، وصلت أوروبا إلى نتيجة مفادها إن الحوار ضرورة للتوصل لنقاط اتفاق والحفاظ على السلم بين الناس.

وقد أكد الدكتور المحاضر على أن التعايش يحقق للإنسان حقوقه ويحفظ مصالح جميع الفرقاء؛ حيث أن التعايش بين المختلفين – إن لم يصلوا إلى اتفاق حول المختلف عليه – يُعد طريقة مثلى لدرء العنف والإقصاء، فالحوار والتعايش لابد أن يكونا من أسس بناء المجتمعات الإسلامية ومن الضروري تحويلهما إلى قيم راسخة فيه، أما إذا لم يحدث التقارب للحق الذي يرونه جميعاً كمسلمين، فإن التعايش يكفل لكل طرف حرية الاختيار وصون حقوقه.

وأكد المحاضر على أن المسلمين السنة والشيعة يعيشون معاً، وأن الطائفتين قريبتان لبعضهما البعض ومصالحهما متقاربة أيضاً. ومن هنا، فإن الحوار بينهما من ضرورات التقارب والتعايش، أما إقصاء كل منهما للآخر سيوصل إلى كارثة، حيث لا ينبغي أن تعتني كل طائفة بالتاريخ بقدر ما يجب أن يكون الاعتناء بالحاضر من خلال اعتماد آلية الحوار للوصول للحفاظ على المصالح المشتركة وحماية حقوق كل طرف.

بعد انتهاء الدكتور من محاضرته، طرح عدد من الحضور أسئلتهم ومداخلاتهم المختلفة، والتي تركزت أساسا على إمكانية وفرص الحوار بين السنة والشيعة وعلى الظروف الاجتماعية والسياسية الحاضنة للحوار لخلق حالة التعايش بين الفرقاء، وفي هذا الإطار، وجّه أحد الحضور تساؤلاً يتناول المقصد من الحوار، فهل المقصود من الحوار المعنى الديني أم السياسي؟ كانت إجابة الدكتور مركزةً على مفهوم الحوار بمعناه الشامل، معتبرا أنه يشمل الديني والسياسي حيث لا يستلزم الفصل بين المعنيين، كما طرح الأستاذ عبد الله العبد الباقي مداخلة حول الهدف من الحوار وكونه إقناع فئة بآراء الفئة الأخر؟ فإذا كان هذا هو الهدف، فإن النتيجة سوف لن تنقلنا خطوة للأمام، فعليه ينبغي أن يكون الهدف هو التعايش وتحقيق القبول بالآخر والتعددية، حيث يجب أن يؤسس الحوار على منظور المواطنة بغض النظر عن المذهبية أو الفئوية أو المناطقية.

وفي مداخلة أخرى للدكتور غالب الفرج، تناول فيها فكرة أن الإقصاء هي ظاهرة معروفة في التاريخ البشري، ونحن كمسلمين، لسنا نشازاً في هذا التاريخ، إلا أن التطور الذي حصل في الحضارة الغربية قد أفرز مفاهيم معاصرة، كالديمقراطية، ساهمت في تأسيس منطق التعايش والقبول بالآخر، والأمر الإيجابي، هو أن نحاول أن نستخرج من نصوصنا الدينية وتراثنا الإسلامي ما يؤيد فكرة الديمقراطية والتعددية والقبول بالآخر، كما طرح الأستاذ ذاكر آل حبيل تعقيبا ركز فيه على المدى الزمني للوصول إلى نتائج عملية من خلال ممارسة الحوار ضمن إستراتيجية واضحة، وكذلك حول أهمية وضع قانون يحمي الحوار، حيث أن الحوار القائم اليوم مهلهل من النخبة بشكل أو بآخر، فلا توجد هناك نصوص تحميه بحيث تضبط عملية الحوار بطريقة مقننة تضمن معاقبة المسيء وتحافظ على كرامة الجميع، بيد أن الصحفي حسين العوامي، تناول مسألة الحوار في مضامين أسئلة ثلاثة هي: كيف نضع آليات عملية لإشكالاتنا الخلافية التي امتلأ بها إرثنا التاريخي؟ وكيف نزيل حاجز الشك فيما بيننا؟ وكيف ننقل حوار العقلاء للعامة؟

ورد المحاضر على بعض هذه المداخلات باعتقاده بضرورة الإقرار بوجود مساحات في تاريخنا تشير للإقصاء ومساحات أخرى تشير للحوار وذلك من خلال التفريق بين مرحلة النبوة والخلافة الراشدية، وما تبعها من أحداث بعد ذلك التي تخللتها مساحات من الإقصاء، ورأى المحاضر بأن الغرب أحسن إلى نفسه بثقافته، لكنه لم ينقل هذه الثقافة للبلدان التي استعمرها؛ فقد جاءها بثقافة القوة والعنف والأمثلة حاضرة في التاريخ والآن في فلسطين والعراق، وأضاف بأن حاجتنا للحوار مهمة من حيث أنها تساعدنا على صياغة نصوص قانونية يُتفق عليها لتكون ملزمة للجميع.

كما تلت بعد ذلك عدد من المداخلات والأسئلة الأخرى التي ركزت على أهمية الحوار على أساس إنساني وليس فئوي، وعلى أهميته باعتباره يجب أن يعكس تطور الإنسان ونضجه الفكري.

 

التغطية الإعلامية

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد