حوار حول الفجوة الحضارية بين اوروبا والعالم العربي

1٬125

في امسية جمعت مثقفين ومهتمين بالتاريخ والفكر، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي ندوته الخامسة عشر من الموسم العشرين تحت عنوان “الفجوة الحضارية بين أوروبا والعالم العربي” قدمتها الدكتورة شرف المزعل استاذة التاريخ الحديث وذلك مساء الثلاثاء 27 ربيع الثاني 1441هـ الموافق 24 ديسمبر 2019م، وأدار الحوار الاستاذ علي المطرود وبحضور ضيف الشرف الباحث المختص في الفكر الاسلامي الاستاذ زكي الميلاد. وجمعت الندوة في أجوائها بين المادة التاريخية العلمية الرزينة وبين الأفكار النقدية لواقعنا المعاش من مختلف النواحي بعيدا عن جلد الذات وإنما بصورة موضوعية حيث عبرت المحاضرة عن نقدها للكثير من المفاهيم المغلوطة السائدة في المجتمعات العربية.

وشملت الفعاليات المصاحبة للندوة عرض لفيلم “أديب” يحكي تجربة أديب في مجتمعه، وكذلك معرضا تشكيليا للفنانة زكية المتعب والتي ألقت كلمة تحدثت فيها عن تجربتها الفنية ومسيرتها وشماركاتها في العديد من المعارض داخل وخارج المملكة، كما تم التعريف بمبادرة “مقهى سقراط” فتناول الدكتور هادي آل شيخ ناصر نبذة عن فكرة المشروع بإحضار الفلسفة لحياة الناس عبر جلسات حوارية يتم خلالها طرح أسئلة بحثا عن أسئلة متجددة. كما عرفت الكاتبة آسيا حسن آل عمران بإصداراتها الثلاثة وتحدثت عن تجربتها في الكتابة ووقعت كتابها “فن التعامل مع الجنس الآخر” في نهاية الأمسية، وقدم الفنان عبد العظيم الضامن عرضا موجزا عن برنامج “شتاء تاروت”  الذي يهدف لتعريف الزوار بجزيرة تاروت وتنشيط الجانب السياحي.

افتتح مدير الحوار الاستاذ علي المطرود الندوة بكلمة عن أهمية التاريخ لدراسة  الوضع الحضاري الذي تعيشه الأمة مقابل تقدم الحضارة الغربية، وضرورة البحث عن فرص وامكانية النهضة والتقدم الحضاري باتجاه المستقبل، داعيا إلى المزيد من الدراسة والأبحاث الجادة في هذا المجال. واستهلت الدكتورة شرف المزعل محاضرتها بمقدمة عن التقسيمات التاريخية الأربع التي تبدأ من مرحلة التدوين (التاريخ القديم، الوسيط، الحديث المعاصر)، مشيرة إلى أن لحظة الحضارة عند العرب تركزت في القرن السابع الميلادي وكان من شواهدها بناء مدينة بغداد بصورة حضارية متقدمة، وانتشار الحلقات التعليمية في مختلف المناطق، وتميزها بالتعددية الفكرية، ونمو حركة الترجمة من الحضارات السابقة، والتصالح بين الفلسفة والمعتقد، وتزايد ظاهرة دكاكين النساخين حيث كانت اللغة العربية هي لغة العلم. وعددت العديد من العلماء البارزين حينها مثل الكندي والفارابي وابن سينا والطفيل والرازي والادريسي مؤسس علم الجغرافيا وغيرهم، وكانت المنطقة العربية حينها الممر الرئيسي بين الشرق (الهند والصين) وبين اوروبا مما أعطاها أهمية كبرة أيضا في التواصل مع مختلف الحضارات.

وانتقلت المحاضرة بعد ذلك الى مرحلة انفلات الحضارة من العقل العربي وأسبابها الداخلية مشيرة الى انتشار اليقينيات الجمعية وتحول المدارس الى مذاهب، وضمور الحس التاريخي واحتكار مفهوم الحقيقة النسبية، وسيطرة الطقوس على حساب المعنى لروح الدين الاسلامي. وأشارت إلى أن الأسباب الخارجية تركزت في الاجتياح المغولي للدولة العباسية عام 1258م والكشوفات الجغرافية التي غيرت طرق التجارة العالمية، وسقوط القسطنطينية عام 1498م وهروب العلماء والفنانين والفلاسفة منها و أخيرا مرحلة الكشوف الجغرافية، وظاهرة التصحر في مناطق الهلال الخصيب.

وحول صعود الحضارة الأوروبية، أوضحت الدكتورة المزعل أن اختراع الطابعة والكشوف الجغرافية وسقوط القسطنطينية كل ذلك دفع بحدوث القطيعة الابستمولوجية في القرن الثمن عشر بين التاريخ والدين وبين العقل والايمان ومنها انطلقت مرحلة  التنوير. واسترسلت المحاضرة في الحديث عن مشروع التنوير في اوروبا حيث تم الابتعاد عن اليقينيات التاريخية، وأصبح البعد التاريخي مشروطا، وتحقق التعايش بين المؤمن التقليدي والمؤمن العقلاني، وحسمت المعارك الفكرية لصالح الفهم العقلاني والتسامح الديني بمعنى الاعتراف بصحة الأديان والمذاهب الأخرى ومشروعيتها.

وركزت المزعل على المقارنة بين تزامن فترة انفلات الحضارة العربية وانبعاث الحضارة في أوروبا، فجهود ابن رشد في فصل الدين عن التاريخ تقابله محاولات دانتي في ايجاد مصالحة بين التاريخ والدين، وفي الوقت الذي انتشرت فيه الطباعة في أوروبا وانتشر العلم للعامة، حرمت الدولة العثمانية الطباعة وحصرت العلوم في الجانب الديني فقط.  وأشارت لدور المرأة في أوروبا كشربك في بناء النهضة،  بينما حوصرت المرأة العربية خلف الأسوار، وانشغل الفكر الأوروبي بمراجعة التنوير والحداثة وما بعد الحداثة بينما عاش المفكر العربي مشغولا بالتراث الديني مما أدى لتجذير المذهبية.

وأكدت الدكتورة المزعل أن الأداة لدخول الحضارة تتركز في تطبيق المنهج التاريخي والعقلاني على التراث بهدف المصالحة بين التراث والتاريخ. واختتمت محاضرتها بعدة توصيات لدخول العرب للحضارة من جديد من بينها: الاهتمام بالعلوم الانسانية، وسيادة العقلانية في فهم الظواهر والتفاسير، ونشر التسامح بهدف الوصول للتعايش، والتفريق بين الشأن العام وشأن الفرد، وأخيرا تبني المنهجية التاريخية.

وفي فقرة المداخلات، قدمت الاستاذة هدى القصاب مداخلة حول أن الحضارة سلوك متكامل وشامل، مؤكدة على أهمية الأمن الفكري في الحوار وطرح الأفكار بحرية، مبينة أن سبب تخلف المسلمين هو بعدهم عن المنظومة القيمية للقرآن، وتساءلت الاستاذة أحلام المشهدي عن دور اللغة العربية في اعادتنا للحضارة حيث أن الجيل الجديد ابتعد كثيرا عن استخدام الغغة العربية واتجه لمفردات دخيلة عليها. وركز الشاعر محمد الجلواح على أهمية الجانب الأدبي في بناء الحضارة ودوره في بنائها.

وتحدث الاستاذ نادر البراهيم عن المقارنة بين فكر النخب الثقافية في فترة صعود الحضارة العربية مقارنة بطريقة تفكير وعمل النخب الثقافية حاليا، وتساءل عن مدى اعتبار الحضارة الاسمنتية جزءا من المنظومة الحضارية المعتبرة. وطرح الاستاذ منصور آل سلاط تفاصيل النقلة من الاقتصاد الاقطاعي الى الراسمالي والصناعي وسمات ذلك التحول، كما تساءل الاستاذ ابراهيم البراهيم عن الفترة الزمنية التي نحتاجها لاستعادة مكانتنا مبينا أن التاريخ يقول أن الحضارة لا تستقر في مكان واحد.

وتطرق الدكتور عبد الله الربح لقراءة علماء الاجتماع في مقارنة الفترة الزمنية الطبيعية التي عاش الأوروبي فيها تحولاته مع ما نعيشه من حالة حرق المراحل، وأشار الاستاذ عبدالعظيم آل شلي الى دور الدولة العثمانية في التأخر الحضاري وما عقبها من فترة استعمار اضافة لتغييب العقول وهجرتها مقارنا ذلك بنهضة الصين. و تساءلت الدكتورة رقية المزراق عن موقفنا اليوم من الحضارة الغالبة وعن تعريف الحضارة بصورة علمية وأنماطها.

وفي ختام الندوة، استعرض ضيف الشرف الاستاذ زكي الميلاد جوانب من المرحلة الحالية التي نعيشها مبينا اطروحة المؤرخ خالد زيادة أنه لم يعد لاوروبا ما تقدمه للعرب وأنه آن الآوان لقطع التبعية والاعتماد على الذات في انتاج الفكر والمعرفة، وقدم مجموعة من الاسئلة المفتوحة عن دور الجوار الجغرافي لأوروبا مع العالم العربي، وحول مدى قبول أورويا بقيام حضارتين متجاورتين، وعن سبب تقدم الأمم خارج المجال العربي.

 

 

لمشاهدة بقية الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

لمشاهدة التقرير على يوتيوب:

 

كلمة ضيف الشرف أ. زكي الميلاد:

كلمة الكاتبة آسيا آل عمران/ كتاب الأسبوع:

كلمة الفنانة زكية المتعب/ معرض المنتدى:

كلمة الأستاذ عبد العظيم الضامن/ شتاء تاروت:

كلمة الأستاذ هادي آل شيخ ناصر/ مقهى سقراط:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد