التنوع الإجتماعي والحقوق الثقافية

4٬829

استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف ضمن برنامجه الثقافي في ندوته الأسبوعية مساء الثلاثاء الماضي 29/1/1424هـ الكاتب المعروف ومدير تحرير مجلة الكلمة الأستاذ محمد محفوظ الذي تحدث حول موضوع “التنوع الاجتماعي والحقوق الثقافية” في حضور ثقافي وإعلامي متميز.

وبعد تقديم المحاضر من قبل راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب تحدث الأستاذ محفوظ مؤكدا على أن الثقافة الوطنية ليس إنتاج خصوصية دون أخرى، وإنما هي نتاج الحراك والتفاعل بين الخصوصيات المتوفرة في الفضاء الوطني كلها، فمن خلال تنمية الجوامع والمشتركات، وتفاعل الخصوصيات مع بعضها، والتواصل بين مختلف الفعاليات الثقافية والأدبية والإبداعية، تتشكل مقولة الثقافة الوطنية، فهي نتاج المجتمع بكل خصوصياته وتنوعاتة المعرفية والتاريخية.

وأكد على أن الهوية الثقافية لمجتمعنا ووطننا، تتشكل من مجموع التشكيلات الاجتماعية المتعددة في منابتها وميراثها الديني وتحولاتها الثقافية، وإن أي تنكر لواحد من هذه المصادر، يفضي إلى انقسامات مجتمعة عميقة، وإن استخدام القوة والغلبة والقسر في عملية التنكر والتغيب، لا تزيد الأمور إلا تفتتا وانقساما وتشظيا.

كما أكد على أن التجانس الثقافي في الإطار الوطني، لا يأتي بالقسر وقانون الغلبة والتغيب، وإنما هو وليد حياة ثقافية واجتماعية مفتوحة على كل الاجتماعات والقراءات والآراء، وتدخل عبر أطر ومنابر وطنية في عملية حوار وجدل ثقافي لتنمية الجوامع وضبط الاختلافات والتمايزات وصياغة مشروع ثقافي وطني على قاعدة التنوع في إطار الوحدة.

كما أشار إلى إن التعدد الثقافي بحاجة إلى نمط من الإدارة ينطوي على قيم الحوار والاحترام والتسامح، حتى يتسنى له المساهمة الجادة في إثراء مفهوم الثقافة الوطنية، فالثقافات الهامشية لا تموت حينما يستخدم تجاهها القسر والقهر والإلغاء، وإنما تتمرس وتتمكن من استيعاب كل مفاعيل الإلغاء والقهر، بينما إعطاؤها الحرية والسماح القانوني والإعلامي للتعبير عن ذاتها يساهم في امتصاص العناصر الإيجابية ويحول دون تأثير الواقع المجتمعي بعناصرها السلبية، فمبدأ المشاركة في بناء وتسيير الوطن، هو القادر على إجتراح وقائع وحقائق تزيد من فرص الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويحمي الوحدة الوطنية من كل المخاطر والتحديات، وجماع القول في هذا الإطار: إننا بحاجة إلى رؤية سياسية واجتماعية جديدة في التعامل مع التنوعات والتعديات (التقليدية والحديثة) المتوفرة في مجتمعنا ووطننا، وهذه الرؤية قوامها أن هذه الحقائق لا يمكن نفيها وإقصاءها من الواقع المجتمعي، وإنما نحن بحاجة إلى التعامل معها على قاعدة الاحترام وفسح المجال القانوني لها للتعبير عن ذاتها، وذلك لإثراء مفهوم الوحدة الوطنية، وتمتين جبهتنا الداخلية في وقت نحن أحوج ما نكون إلى التراص والائتلاف وتجاوز الثغرات الداخلية للبناء الوطني.

ونوه إلى ضرورة تشريع قوانين وطنية جريئة، تحمي التعدد، وتتعامل معه باعتباره جزء من قوة الوطن ومنعته، فالوحدة الوطنية هي محصلة كل الجهود والمبادرات التي تطلقها جميع التنوعات والتعدديات في إطار ترسيخ خيار العيش المشترك(الواحد) والوحدة الداخلية للمجتمع.

ومحاولة للإجابة على سؤال: كيف نتيح لحالة التنوع أن تقودنا إلى التعايش والوحدة وليس إلى الانقسام والحروب؟ أوضح الأستاذ محفوظ أن صون الحقوق الثقافية والسياسية للتنوعات هو السبيل الذي يوصلنا إلى أن تكون حالة التنوع طريقا للتعايش والوحدة بدل أن تكون سببا للانقسام والحروب، وما نود أن نبلوره هو الحقوق الثقافية للتنوعات والتعدديات المتوفرة في فضائنا الاجتماعي والتي من أبرزها:

1/ الحرية الثقافية: عبر السماح لكل التنوعات الاجتماعية من توفير مصادرها الدينية والفكرية، حتى يتسنى لكل الأجيال من التواصل المباشر والحر مع هذه المصادر، وهذا من الحقوق الثقافية الأصلية والرئيسة لكل التنوعات الاجتماعية، بصرف النظر عن أحكام القيمة تجاه هذه المصادر، وإن كل أشكال محاربة وإقصاء هذا الحق الطبيعي، يعد وفق المقاييس الإنسانية والحضارية، تجاوزا نوعيا وخطيرا على قيم التعددية والتسامح وحرية العقيدة والرأي والتعبير.

2/ بناء الأطر والمؤسسات الأهلية: وهي مؤسسات تعني بتنمية العمل الثقافي الوطني، واستيعاب كفاءات الوطن، والمساهمة في معالجة بعض المشاكل الاجتماعية والثقافية، والتي تتطلب تكاتف الجهود في سبيل بلورة رأي وموقف وطني تجاهها، وتعمل على توفير كل متطلبات الساحة الثقافية والأدبية، إن غياب هذه التشكيلات القانونية، هو الذي يساهم في تشرذم النخب الثقافية والأدبية أو في انخراطها في أطر وأوعية غير رسمية تمارس من خلالها دورها ومسؤوليتها.

3/ الحماية القانونية وصيانة حقوق الإنسان: وذلك عبر سن القوانين والأنظمة التي تحول دون التعدي على هذه الحقوق، فالاختلافات المذهبية والقبلية والعرقية والدينية، لا تبرر بأي شكل من الأشكال التعدي على حقوق الآخرين، فكل القناعات الدينية محل احترام وتقدير، كما أن الاختلاف في الفكر والانتماء، لا يقود إلى التعدي على الآخرين في وجودهم وأفكارهم.

4/ المشاركة وتكافؤ الفرص: بحيث أن الإمكانات الثقافية الرسمية تصرف وتوزع بالتساوي، ويحق لكل الكفاءات والطاقات الوطنية أن تصل إلى أعلى المناصب والمسئوليات الثقافية، وأن لا تكون للانتماءات الطبيعية أو الحديثة دور في منع أو تهميش إنسان أو طرف من ممارسة دوره ومسئولياته على الصعيد الثقافي.

وأكد المحاضر في نهاية كلمته على أن السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي لا يمكن أن يتحققان في أي مجتمع متنوع ومتعدد إلا على قاعدة نفي التمييز والتعامل الحضاري من كل أشكال التعددية في المجتمع ومشاركة هذه التعبيرات في البناء والإدارة وتسيير الشئون العامة، هو المؤشر الأقصى لارتقاء هذا المجتمع وتوفره على سلم مجتمعي صلب واستقرار سياسي متين، وعلى هذا نستطيع القول: أن محاولات التطهير العرقي والتمييز الطائفي والتعصب الديني وممارسة العنصرية، كلها قضايا وممارسات لا تفضي إلا إلى المزيد من التدهور الاجتماعي والفوضى السياسية والانهيار المجتمعي، وخلاصة الأمر: أن التنوع الاجتماعي حقيقة إنسانية وتاريخية، ونحن بحاجة إلى رؤية حضارية جديدة للتعامل مع هذه الحقيقة، بما يؤدي إلى توظيف هذا التنوع في سياق إثراء مفهوم الوحدة الوطنية وتعميق خيار التعايش الواحد والسلم المجتمعي.

وفي نهاية الندوة أجاب المحاضر على أسئلة الحضور واستفساراتهم كما تم الإستماع والتعليق على مداخلاتهم في هذا المجال.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد