ضمن برنامجه الأسبوعي، عقد منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف حوارا مفتوحا حول اتجاهات العنف في المجتمع، وذلك مساء يوم الثلاثاء 7/11/1424هـ (30/12/2003م) بحضور مجموعة من المهتمين بهذا الموضوع. وقد أدار الحوار الأستاذ ذاكر آل حبيل الذي قدم للموضوع بالتأكيد على أهميته في هذه المرحلة التي تتصاعد فيها أعمال العنف في المجتمع، مذكرا بضرورة دراسة هذه الظاهرة والتعرف على أسبابها وسبل علاجها، ومقدما بعض التعريفات لمصطلح العنف، ومن بينها تعريف الموسوعة العلمية يونيفيرسال: “كل فعل يمارس من طرف فرد أو جماعة ضد فرد أو أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولا أو فعلا، وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية”، وكذلك تعريف قاموس وبستر إذ يشير له بأنه “سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فردا أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصاديا وسياسيا مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى”.
ثم ألقى الأستاذ أسعد النمر مداخلة حول العنف برؤية سيكولوجية معتبرا العنف شكلا من أشكال السلوك العدواني يهدف إلى إيذاء الآخر على نحو مقصود، وهو أشد درجات العدوان الصريح، مشيرا إلى خاصيتي السلوك العدواني وهما:1) أنه سلوك يقترن بالقوة والإكراه والقسوة.2) أنه مناهض للقانون وإجراء يخضع الطرف الآخر رغما عن إرادته، وينطلق من ذلك للتأكيد على أهمية تطبيق القانون لإلزام ممارس العنف على الانضباط. ثم أنتقل إلى تفسيرات العنف المختلفة لدى المنظرين السيكولوجيين كالحتمية البيولوجية (المورث الزائد من نوع xyy) أو الحتمية الغريزية (المفهوم الفرويدي)، أو باعتبار العنف نتيجة للإحباط أو للتعلم بالملاحظة، أو نتيجة لما يترتب على العنف من نتائج مرغوبة، مؤكدا على محاولة فهم العنف من منطلقات متعددة وليس من بعد واحد فقط.
ونبه إلى أن العنف بمثابة سلوك يهدف إلى إشباع دوافع مختلفة وأن شدة الاستجابة العدوانية تتناسب طرديا مع مقدار الإحباط المرتبط بنوع الدافع المحبط، حيث أنه يربط بذلك بين الإحباط والعدوان أو العنف، وذكر بعض الأمثلة على المعوقات البيئية ذات العلاقة بالعنف، كارتفاع نسبة البطالة (عامل اقتصادي)، أو انعدام الديمقراطية في المجتمع (عامل سياسي)، حيث ينزع أفراد المجتمعات التي يتوافر فيها هذان العاملان إلى ممارسة العنف.
وذكر بأن القاعدة السيكولوجية التي أتت بها نظرية الإحباط – العدوان تفيد في فهم علاقة تكرار الإحباط بتراكمه وبشدة العدوان، فالعنف هو الشكل الأشد للعدوان باعتباره استجابة صريحة مدمرة ومنتهكة للقانون، فمستوى الإحباط المتكرر في المجتمعات غير الديمقراطية، أو التي تفتقد إلى قنوات تصريف طاقة العنف تحجز تصريف هذه الطاقة، ولكن في حالة ضعف وسائل الكبح الخارجية أو تعاظم مستويات الطاقة العدوانية داخل الأفراد، فإن الأفراد يستجيبون على نحو عنيف ومتطرف بهدف إشباع دوافعهم المحبطة. وأكد في نهاية حديثه على أن الديمقراطية التي تفرض أشكالا من الحوار والانفتاح الإعلامي تسمح للأفراد بتصريف العدوانية بوسائل مقبولة اجتماعيا مقللة بذلك شدة الاستجابة العنفية.
وقد شارك الأستاذ حسن موسى، وهو من النشطاء الحقوقيين في البحرين بمداخلة عن تجربة الإصلاحات السياسية في البحرين ودورها في الحد من اتجاهات التشدد والعنف السياسي والاستعاضة عن ذلك بالعمل السياسي وسبل التعبير السلمية، مستعرضا تجربة الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة في البحرين منذ الاستقلال عن بريطانيا، وقيام نظام ديمقراطي ودستوري لم يدم طويلا عندما حدثت الانتكاسة التي مرت بها البلاد في منتصف السبعينيات؛ حيث تم إيقاف العمل بالدستور وإحلاله بنظام أمن الدولة، ودخلت البلاد منذ ذلك التاريخ في دوامة عنف سياسي متصاعد تمظهرت في قمع الحريات والاعتقالات التعسفية.
حتى كانت ذروته في عام 1994م عندما تم تسفير مجموعة من رموز المعارضة للخارج، وخلال هذه الفترة، كانت سبل المواجهة بين الطرفين (الحكومة والمعارضة الشعبية) تتسم بالعنف حيث الاعتقالات والتعذيب من جهة وأعمال المواجهة في الشارع من جهة أخرى، مما أوصل الأوضاع إلى طريق مسدود، وبعدها بدأ الطرفان مراجعات جادة للخروج من الأزمة القائمة، وبالخصوص مع مجيء الملك حمد للحكم، حيث قام بالاستجابة لمطالب المعارضة ضمن برنامج إصلاح سياسي شامل بدأ بحل الأجهزة الأمنية، وإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة والسماح بعودة جميع المبعدين.
وبدأ في حوار بناء مع رموز المعارضة السياسية، وتم تدشين ميثاق العمل الوطني الذي لاقى استجابة شعبية كبيرة والسماح بتأسيس مؤسسات المجتمع المدني، ومع أن هنالك توقعات كبيرة لدى بعض أطراف المعارضة دفعها للتشدد في مطالبها، إلا أنها بدأت تكون أكثر واقعية من خلال المطالبة السياسية، وعبر هذا التحول تم استيعاب حالات التوتر والتشدد في الشارع العام والاستعاضة عن العنف بالتعبير السلمي والمطالبات المقبولة سياسيا كالتظاهر والكتابة في الصحافة وتشكيل الجمعيات السياسية وما إلى ذلك من سبل وأساليب مدنية.
بعد ذلك، جرت مداخلات عديدة من قبل الحضور تركزت على تحديد حالة العنف في المجتمع وهل هي ظاهرة أم مجرد حالات فردية مرتبطة بفئات محدودة؟ كما أنها ليست بالضرورة ناتجة من حالة إحباط اقتصادي أو سياسي، حيث أن بعض من يمارسون العنف هم في مستوى معيشي جيد، كما تم التأكيد على ضرورة الحاجة إلى تعريف العنف السياسي واتجاهاته الفكرية التي تؤسس له نتيجة لوجود فكر إقصائي وتكفيري ولذا فمن الضروري الاهتمام بمواجهة هذا الفكر الإقصائي وتهميشه، من خلال الحوار والانفتاح وتعدد الآراء. وقد أكد أحد الحضور على دور المثقفين في ممارسة النقد الذاتي والاستمرار في طرح البدائل المناسبة لمعالجة هذه الأزمات الاجتماعية.